رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد جاد.. أحزان المشخصاتى العبقرى!

لم يكن الفنان المصري "محمد محمود إسماعيل جاد" الذي يعرفه الأصدقاء والناس باسم شهرته المختصر "محمد جاد"؛ لم يكن يحسب أن يوما سوف يأتي عليه يحزن فيه أحزان عمره كلها، نادما على لون من الفن كان اضطر إلى تركه في أثناء رحلته، وإن لم يفرط فيه قط، غير أن هذا اليوم أتى بالفعل، ومن الصدف التي ضاعفت الأحزان إتيان اليوم في موعد الرجل مع التفوق؛ فقد صار له جمهور عريض في السوشيال ميديا ينتظر إبداعاته التمثيلية التي صارت كفاكهة مفضلة لدى الجموع، يكتب "جاد" ويمثل ويخرج ويمنتج ويصور، ساحته المتاحة غرفة بمسكنه خصصها لهوايته وجهزها بما يلزمها، الأهم انفراده بتمثيل القصيدة واللوحة التشكيلية، يمثل حكايتيهما اللتين قبضت روحه فحواهما، وقد ينفق ساعات حبيس أجواء قاسية، يفرضها على نفسه، ليقدم للناس دقائق معدودة من المتعة التشخيصية الباهرة!
كان طبيعيا أن يجد الرجل المبدع فرصته بعد ذلك.. أن ينتقل من أفق السوشيال ميديا، حيث برزت عبقريته، إلى الاستديوهات المفتوحة، حيث الاحتراف الذي يناسب توهجه، ولكنها الفرصة التي لم تأت، وإن جرى شيء مبشر فلا يكون مشبعا ولا مغنيا بالمرة.. 
هو شاعر وكاتب بالأساس.. أصدر ديوانا شعريا بالعامية المصرية (من قلبي)، وروايتين (الورشة، الواحة)، ومجموعة قصصية (لضم الإبر)، وكتابا ساخرا (أنا وخالتي)، وكتب السيناريو لفيلم عنوانه "زار النار"، ولمسلسل عنوانه "حلمي"، وكتب ثلاثة أفلام قصيرة، كما مارس الكتابة الدورية لعدد من الصحف المعتبرة على رأسها الأهرام العريقة، وتحولت بعض أعماله إلى برامج إذاعية.. ومن قبل ذلك هو ابن أصل أدبي مجيد راسخ؛ فأبوه الراحل هو صاحب الملاحم الشعبية الشهيرة في زمنه، وفي مقدمتها "أدهم الشرقاوي"- 1962.
بالرغم من الولع بالشعر والكتابة، والاجتهاد للإنتاج بنطاقهما، إلا أن السيد القدير عاد مركزا على التشخيص، ماضيه الحميم المعروف الذي يعتز به اعتزازا هائلا، والفارق بينه وبين مشاهير المهنة أنهم ربحوا ثمرتها وأنه خسر مكاسبها، ليس لتقصيره، ولكن لتفريط الآخرين في موهبته العظيمة!
صحيح أنه عمل بالمجال السياحي، في فترة طالت من حياته، وربما صرفته عن الاندماج في الشيء الذي أحبه وأراده، غير أن ذلك كان يجب ألا يبعده عن نجومية دائرته الأثيرة، لا في الفترة التي عمل فيها بمجال مختلف ولا بعد ذلك؛ فعمله في السياحة، التي امتلك فيها خبرات عالمية بالمناسبة، كان عملا ضروريا لرجل مسؤول عن أسرة.. ولو كان مجاله الفني الأصلي ناداه، في أي وقت، لكان لبى النداء عاجلا..  
صاحبنا، كإنسان، شخص بالغ النبل والكرم، غزير المعرفة، يسمع فوق ما يتكلم، وعندما استعاد نفسه الفنية، بكامل تجليها، برقت نفسه الإنسانية بالأمل، ولكنه الأمل الذي يواجه نسيانا ونكرانا سرمديين يسببان له الأحزان!