رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار والدولة المدنية

بدأ الحوار الوطنى باجتماع للأمانة العامة للحوار، وكان هناك نقاش حول أهم القضايا التى سيتناولها، وكانت هناك ملحوظة من جانب الأستاذ محمد سلماوى والدكتور سمير مرقص، تؤكد التمسك بما جاء بدستور ٢٠١٤ دون تغيير، خاصة فى أهم منطلقاته الدستورية، وهى أن مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

والدولة المدنية: هى تلك الدولة التى يحكمها الدستور والقانون، وأن تكون السيادة للشعب ولا غير الشعب، والشعب هنا هو كل المصريين دون استثناء، فهم متساوون فى الحقوق والواجبات ليس على المستوى النظرى ولكن على كل المستويات العملية التى لا تفرق بين مواطن وآخر لأى سبب.

كما أنه كانت هناك تصريحات للرئيس السيسى حول من لا يُدعى لهذا الحوار، وكان الرد من الرئيس ومن كثيرين بأنه لا يجب أن يُدعى كل من تلوثت أياديهم بالدماء، وكان أن تمت تسمية جماعة الإخوان، فهل جماعة الإخوان وحدها هى التى تمثل رفض الآخر الدينى وغير الدينى تمسكًا بدولتها التى قد صنعتها بخيالاتها وتحت شعارات دينية تؤجج المشاعر والعواطف الدينية.. أم أن القضية يجب أن تحدد تلك الدولة التى تريدها والتى لا مكان فيها للآخر كمواطن ولكن أن يكون شيئًا «التشيىء» عليه كل الواجبات وليس له أى حقوق.

نعم هناك من يؤمن بتلك الدولة، ولكن هل المقاصد العليا للدين الإسلامى؟، وهل فقه الواقع يقول إن هذه الأفكار تتوافق مع جوهر وجلال العقيدة الإسلامية؟ أم أن هذه اجتهادات وتأويلات لفترة زمنية من تاريخ المسلمين حسب الزمان والمكان وليس جوهر الإسلام الذى هو لكل العالم فى إطار الزمان والمكان الجغرافى الذى يتوافق مع أصحاب هذا المكان؟ كما أنه ليس بالضرورة أن يكون حكام الدولة الدينية من رجال الدين خاصة أنه لا يوجد ما يسمى «رجال الدين فى الإسلام».

ولكن الدولة الدينية الآن وعلى مستوى النماذج العملية على أرض الواقع هى تلك الدولة التى سيطر ويسيطر عليها تنظيم سياسى له رؤيته واجتهاده وتأويله الدينى الخاص به ويريد أن يفرضه على المسلم قبل أن يفرضه على غير المسلم، وهذا التأويل وتلك السيطرة تهدف فى المقام الأول إلى تحقيق المنافع السياسية باسم الدين، والدين منها براء، وما المقصود من ذلك؟

المقصود أن الدولة المدنية التى نريدها للجمهورية الجديدة هى دولة القانون والمواطنة لكل المصريين دون تفرقة على أى أساس دينى أو غير ذلك، هنا نقول: كيف سيكون الحال مع هؤلاء الذين يريدون تصنيع دولة حسب رؤيتهم الخاصة وهم رافضون فيها ومسقطون منها من لم يوافق ويتوافق على تلك الرؤية.. سواء كان مسلمًا أو غير مسلم؟

فهل ستكون دولة مدنية ودولة مواطنة مع من يرفضون الآخر ويعتبرونه «ذميًا وعليه أن يدفع الجزية وهو صاغر»؟ هل سيقبل هؤلاء أن تكون هناك حقوق وأن يكون القانون هو الفيصل بين المواطنين دون تمييز دينى؟ ماذا سيكون شكل هذه الدولة التى لا يعتبرون أصحابها مواطنين بل يعتبرونهم أُجراء ومنبوذين؟ وكيف سيكون التعامل والتشارك على أرض وطن يجمع الجميع وهو ملك الجميع فالوطن والمواطنة هما من يحددان الملكية وليس الدين؟.

أقول هذا بكل وضوح من أجل أن تكون مصرنا الغالية والحبيبة هى أرضنا التى نعيش عليها كمصريين وليس كمسلمين أو مسيحيين، فالدين لله والوطن للجميع، والدين لله هنا لأن الله، سبحانه، هو الذى أراد ذلك، هو الذى أراد التعددية الدينية «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين».

وهذا يعنى أن الاختلاف نعمة أرادها الله لخليقته التى سيحاسبها هو وحده ولا أحد غيره «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شىء شهيد».

وهذا يعنى أن الأديان قد جاءت لصالح البشرية وليس لتنافرها أو لتصارعها، الأديان حب وسماحة وقبول الآخر الذى خلقه الله والذى سيحاسبه.

هنا يمكن أن نقول إن الحوار الوطنى هو حق لكل مصرى، أيًا كان دينه، هو حق لكل من يؤمن بأن مصر وطن كل المصريين، هو حق لكل من يؤمن بأن الدستور والقانون هما الحكم بين المواطنين وليس الجلسات العرفية أو الاجتهادات الشخصية أو النعرات القبلية والطائفية.

الحوار هو حق لكن من يؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التى يبنيها ويسعى لتقديمها ورفعتها كل المصريين، لأن من لا يؤمن بغير ذلك هل يمكن أن يتعامل مع أى آخر؟ هل يمكن أن يقبل أى آخر؟ وفى هذا المناخ كيف سيكون الوطن والوطنية والمواطنة؟

حمى الله مصر وشعبها العظيم.. مصر لكل المصريين.