رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وقفة تشريعية لحماية الأطفال

حماية الأطفال لا تتوقف فقط على القوانين الداخلية والاتفاقيات الدولية، بل إنها تمتد كذلك إلى السلوكيات المجتمعية التي كانت تحتاج بالفعل إلى وقفة تشريعية قوية، بسبب العادات التي توارثتها بعض المجتمعات، وأثرت بشكل سلبي على أطفالنا، ومن أهم تلك العادات "زواج الأطفال".

ولقد تقدمت الحكومة لمجلس النواب بمشروع قانون "حظر زواج الأطفال"، ومن أهم مواد هذا القانون المادة (4) التي تنص على أنه: "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تزيد على 200 ألف جنيه، كل من تزوج أو زوّج ذكرًا أو أنثى لم يبلغ أي منهما 18 سنة ميلادية وقت الزواج".

كما أشارت المذكرة الإيضاحية بمشروع القانون إلى حظر توثيق عقد الزواج لمَنْ لم يبلغ ثماني عشر سنة ميلادية، سواء أكان ذكرًا أم أنثى، أو التصادق عليه، تماشيًا مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.

ولا خلاف على أن مشروع هذا القانون سيساهم في الحد من هذه الظاهرة السلبية، خاصة أنها ذات تأثير سلبي ضار على المجتمع عامة، وعلى الأطفال خاصة، نظرًا لعدم اكتمال نموهم جسديًا وصحيًا ونفسيًا، والحقيقة أنهم يتأثرون بشكل مباشر لأنهم يتحملون مسئوليات لا تتناسب البتة مع إمكانياتهم، على كافة المستويات، فهم يكونون في سن لا تتحمل تبعات الزواج.

كما أن مشروع القانون نص على معاقبة المأذون والمُوثق لعقود الزواج، مما يساهم في ردع الأطراف المشاركة في الجريمة، فيُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، وعزل كل مأذون أو مُوثق مُنتدب خالف نص المادة (2) من هذا القانون الخاص بالإخطار عن واقعات الزواج العرفي الذي يكون أحد طرفيه طفلًا.

كما أن مشروع هذا القانون اتساقًا مع مواد الدستور التي تستهدف حماية الأطفال، لاسيما أن هذا السلوك يعد اعتداءً صارخًا على مرحلة الطفولة وعلى براءتها، وللأسف، هذه الظاهرة السلبية مُنتشرة بشكل صارخ في المجتمعات الريفية، نظرًا لمُعتقداتهم بضرورة الزواج المُبكر، وعليه فلابد من إقامة الحملات التوعوية التي تُنبه على مدى خطورة هذه الظاهرة، وما تُسببه من انتهاك لأطفالنا وتعدي على براءتهم، وإعاقتهم عن مُمارسة حياتهم وفقًا لمراحلهم الطبيعية، لذا فلقد نص في مشروع هذا القانون على أن يُعاقب كل من حرض على هذه الجريمة بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، ولو لم يترتب على التحريض أثر، ولا يُعد الطفل مسئولًا مسئولية جنائية أو مدنية عن هذه الجريمة، ولا تنقضي الدعوى الجنائية الناشئة عن هذه الجريمة بمضي المدة.

وكل هذه العقوبات لوقف تلك الظاهرة، وحماية نحو 117 ألف طفل من الزواج المُبكر، خاصة أنه وفقًا لما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في آخر مسح ديموغرافي أن 11 ألف طفل في الفئة العمرية من 10 إلى  15 عامًا، مُتزوجون أو سبق لهم الزواج.

ولا خلاف على أن كل هذه السلوكيات ستُؤثر على مستقبل الوطن، لأن الأطفال هم النشء الذي يُغير مستقبل الوطن، فكيف سيتولون راية البلاد إذا لم تتم حمايتهم بدنيًا، ونفسيًا، وصحيًا، فهذه الظاهرة تقضي عليهم مُبكرًا، لأن أحلامهم وطموحاتهم وتوزانهم النفسي ستنتهي مُبكرًا. وعليه، فالنتيجة ستكون زواجًا مُبكرًا يساوي انتهاءً مُبكرًا.

فهل هناك أدنى شك أن هذه الظاهرة من أبشع الجرائم التي تُرتكب في حق الأطفال؟!