رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ناتو شرق أوسطى

ناقش تقرير لموقع دويتش فيله الألماني منذ أيام قليلة، فكرة إنشاء حلف عسكري على غرار "الناتو" في الشرق الأوسط، وقال التقرير: "تنتشر الشائعات حول تحالف عسكري شرق أوسطي جديد وتكمن أهمية الأخبار في أن ذلك الناتو العربي قد يشمل إسرائيل، مما يشير إلى الخطوات التالية في علاقات أفضل بين إسرائيل وجيرانها العرب، ولكن هل تلك الشائعات حقيقية؟".

وذكر التقرير: "في أواخر الأسبوع الماضي، تصدّر ملك الأردن عناوين الصحف عندما قال للصحفيين إنه سيدعم تحالفًا عسكريًا في الشرق الأوسط يشبه حلف شمال الأطلسي، وقال الملك عبد الله الثاني لشبكة "سي إن بي سي" الأمريكية إنه سيكون من أوائل الأشخاص الذين سيصادقون على إنشاء حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط، وأضاف: "كلنا نجتمع ونقول، كيف يمكننا أن نساعد بعضنا البعض؟، وهذا التوجه الجديد، في اعتقادي، غير مألوف من قبل بالنسبة للمنطقة.

كما جاءت شائعات مماثلة حول إنشاء "الناتو العربي" من جهات أخرى، وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتز، إن إسرائيل انضمت إلى شبكة جديدة بقيادة الولايات المتحدة أطلق عليها اسم تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط، أو MEAD. ولم يحدد جانتز الدول العربية التي قد تشارك أيضًا، ولم تتمكن وسائل الإعلام الدولية، بما في ذلك رويترز وأسوشيتد برس، من التحقق بشكل كامل من الإعلان الإسرائيلي أو العنوان".

ومنذ أيام، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال عن اجتماعات سرية عقدت في مصر وشهدت لقاء مسئولين عسكريين من إسرائيل والمملكة العربية السعودية وقطر والأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين لمناقشة التعاون في مجال الدفاع.

فهناك المشروع الأمريكي المطروح من قِبل الديمقراطيين والجمهوريين هو مشروع قانون يدعو إلى دمج دفاعات دول المنطقة" تحت اسم "ردع الأعداء وتعزيز الدفاعات" للتصدي للاعتداءات الإيرانية، ويوجه وزارة الدفاع (البنتاجون) لتحضير استراتيجية للعمل والتنسيق مع دول عدة.

ومن المنظور الافتراضي لتلك الأطروحات، هناك سؤال هام، ما الهدف من إقامة هذا التحالف في ذلك التوقيت؟ الإجابة ليست منفصلة عن الأحداث العالمية الجارية والتي تتبلور حول هدف واحد، وهو الصراع ما بين نظام عالمي أوحد قائم بقيادة الولايات المتحدة، ونظام آخر يصارع للقدوم بقيادة دول البريكس وعلى الرأس روسيا والصين.

منطقة الشرق الأوسط بقيادة مصر ومعها السعودية والامارات تمثل حجر الزاوية والمؤثر الكبير في ذلك الصراع، بما تمتلكه من معطيات القوة المتنوعة ما بين اقتصادية وجغرافية وسياسية وعسكرية، فبعد فشل مخطط الشرق الأوسط الكبير الذي كان يرمي إلي إضعاف تلك الدول وإدخالها داخل دائرة الفشل الإداري للهيمنة علي مواردها ولجعل إسرائيل هي المتواجد والقائم الوحيد، بعدها حدث التراجع الكبير للنفوذ السياسي الأمريكي الغربي وسط سخط شعبي عارم علي تابعيات تلك السياسة التي ستترك تأثير كبير لسنوات قادمة لشعوب تلك المنطقة، ولا سيما التنظيمات الإرهابية، وقد ظهر ذلك جليًا في الحرب الروسية الأوكرانية، فلم تستطع أمريكا استقطاب دول تلك المنطقة بالترهيب أو الترغيب.

ولذلك جاءت فكرة إنشاء الناتو الشرق أوسطي كمحاولة أخيرة لاحتواء تلك الدول داخل الدور الأمريكي بشكل ناعم وغير مباشر، والهدف من ذلك يتمحور في محاولة إبعادها للانضمام إلي دول البريكس أو علي الأقل تحييدهم، وبجانب نفوذ دول البريكس هناك حزام طريق الحرير الصيني  الذي يمثل هاجسا كبيرا للإدارة الأمريكية لما له من نقاط ارتكاز قوية داخل دول الشرق الأوسط والتي سيجعلها مرتبطة اقتصاديا بالصين التي تقود مع روسيا تجمع دول البريكس، والهدف الكامن والأهم الآخر هو أمن إسرائيل ، فأثبتت الأحداث عبر السنوات الماضية أن مستقبل إسرائيل في خطر وذلك الخطر يتمحور في الصعود الكبير والمفاجئ للقوة المصرية  والذي تكلمت عنها تقارير غربية مختصة بأن بحلول عام 2030 سيشهد تواجد مصر من ضمن أقوي 5 دول في العالم، وبجانبها ستكون الكثير من الدول العربية وعلى رأسها السعودية والإمارات لما تشهدانه من تطور كبير في جميع المجالات، فتواجد هذا المشهد الذي استقرأته المؤسسات الغربية جعل الكل يتساءل: ما مستقبل دولة إسرائيل؟ .

هنا جاءت فكرة ناتو الشرق الأوسطي لمحاولة دمج إسرائيل بأن تكون جزءا من تلك القوة وليس مضادا لها، هذا الدمج سيكون اقتصادي أكبر منه عسكري أو سياسي، فالدمج الاقتصادي يجعل إسرائيل هي المراقب والعين الأمريكي والغربي على موارد المنطقة وحركاتها طبقا لما يرمي إليه المخطط الأمريكي لهذا الناتو.

وقد أعلن منذ أيام البيت الأبيض أن الرئيس الامريكي بايدن سوف يزور الشرق الأوسط في جولة خارجية من 13 إلى 16 يوليو، تبدأ بزيارة إسرائيل والضفة الغربية ثم المملكة العربية السعودية، للتأكيد على مواجهة التحديات المشتركة واستقرار الشرق الأوسط.

ولا ننسى أنه في 29 مارس 2015 قرر مجلس جامعة الدول العربية، الموافقة على الفكرة التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بإنشاء قوة عربية مشتركة، وصدر قرار الموافقة رقم 628، وتقرر إعداد بروتوكول مكتوب، يتضمن 12 مادة، يحدد تعريفا كاملا ويرسم سيناريو وافيا لمهام القوة. ، وكان الهدف منها أن يكون للعرب قوة عسكرية على الدفاع والردع، لكن لم يكتب النجاح لتلك الفكرة القومية، والسبب هو ما ذكرناه بأن استقلال العرب سيكون ليس في صالح النظام العالمي الحالي الذي يصارع من أجل التواجد، ولا في صالح مستقبل أمن وتواجد إسرائيل.