رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة تؤكد عودة أوروبا لاستخدام الفحم مرة أخرى لحل أزمة الطاقة

الفحم
الفحم

أصدر المرصد المصري، التابع المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، دراسة للباحثة مني لطفي بعنوان: "انتكاسة مناخية: التضحية بسياسات المناخ لحل أزمة الطاقة في أوروبا"، والتى أوضحت أن أوروبا بدأت العودة نحو استخدام الفحم مرة أخرى؛ لمواجهة تداعيات نقص إمدادات الغاز الروسي، وتأتي في مقدمة تلك الدول (ألمانيا والنمسا وهولندا وإيطاليا وفرنسا)، التي أعادت تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، على الرغم من أنها كانت في طريقها إلى تقليل الانبعاثات الكربونية للحد من التغير المناخي، لكن الأزمة الروسية – الأوكرانية جعلت أوروبا مضطرة إلى حرق المزيد من الفحم.

وأشارت الدراسة، إلى أن العودة نحو استخدام الفحم تصب في صالح الهند والصين بوصفهما من أكبر الدول المنتجة للفحم؛ لأن الصين من أكبر مصدري الانبعاثات في العالم، فهي تسهم بنسبة 4% من هذه الانبعاثات خلال العام الماضي، أما الولايات المتحدة الأمريكية والتي لم تكن بعيدة عن الصورة المناخية، فهي مسئولة عما يقرب من 22% من الزيادة العالمية في الانبعاثات خلال العام الماضي، مضيفة أن نتيجة حظر واردات الفحم الروسي بدءًا في أغسطس، ضمن حزمة العقوبات ضد موسكو، وبدأت أوروبا تلجأ إلى البحث عن بدائل للفحم الروسي في جنوب أفريقيا، فقد تجاوزت واردات الدول الأوروبية من فحم جنوب أفريقيا الـ 40% خلال الأشهر الـ 5 الأولى من العام الحالي، مقارنة بعام 2021. وذلك يعنى أن عدم الاستقرار الاقتصادي عالميًا جعل أوروبا تحاول إنقاذ نفسها بالبحث عن بدائل، الأمر الذي يشير إلى احتمالية حدوث انتكاسة مناخية طويلة المدى قد تعوق التحول إلى الطاقة الخضراء.

وأوضحت الدراسة، أن حظر الفحم الروسي جاء ضمن العقوبات الجديدة على موسكو، بناء على اقتراح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وكان في البداية اقتراح بإنهاء الاستيراد تدريجيًا لمدة ثلاثة أشهر للعقود الحالية، لكن المناقشات بين الدول الأوروبية أسفرت عن تمديد تلك المدة إلى أربعة أشهر بعد ضغط من ألمانيا، والتي تعد المستورد الرئيس للفحم الروسي في الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أنه يدخل الحظر حيز التنفيذ في بداية أغسطس، وتشكل إمدادات الفحم الروسي 45% من واردات الاتحاد الأوروبي بقيمة 4 مليارات يورو سنويًا مع اعتماد بعض الدول عليه بشكل خاص، مثل ألمانيا وبولندا، وبلغت احتياطيات الفحم العالمية من روسيا (15٪) بحسب موقع شركة “بريتيش بتروليوم” حول الطاقة.

ونوهت الدراسة بأن ألمانيا بدأت تخفيض استهلاكها من الغاز الطبيعي في محطات الكهرباء لصالح الفحم، وتسعى إلى الضغط على مجموعة السبع من أجل إعادة تمويل مشروع الفحم بوصفه المخرج الوحيد والمؤقت للحفاظ على حزمة العقوبات المطبقة على روسيا، خاصة في ظل عدم وجود خيارات سياسية أخرى أمام تلك الدول المتضررة من تلك العقوبات، إلا أن ذلك يعد تخليًا عن مبادئ سياسات المناخ بهدف تعويض نقص الطاقة؛ أي أن أولويات المناخ أصبحت ليست في المقدمة.

وتابعت الدراسة: "أن ما حدث من خلال اتخاذ بعض الدول إجراءات سريعة في عودة الفحم مرة أخرى وعلى رأسها ألمانيا التي قامت بتخفيض استهلاكها من الغاز الطبيعي في محطات الكهرباء لصالح الفحم، وفقاً لما أعلنه روبرت هابك وزير الاقتصاد الألماني والذي يثير إعلانه عن هذا القرار الكثير من علامات التعجب، خاصة وأنه ينتمي إلى حزب “الخضر”.

وقالت الدراسة، إنه في ظل قرار حظر الفحم الروسي، والذي ترتب عليه ارتفاع أسعار الطاقة، أصبح من الصعب سياسيًا على بعض الدول أن تدفع في اتجاه تطبيق سياسات المناخ التي من المفترض تم الاتفاق عليها في “cop26” بالتوجه نحو استخدام الطاقة الخضراء. بل تم اللجوء إلى الفحم الذي يمثل مصدرًا رئيسًا للإسهام في الانبعاثات المؤثرة على المناخي، إذ يسهم بنسبة 44% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، بجانب أن حرق الفحم يولد ثاني أكسيد الكربون بمقدار الضعفين أكثر من حرق الغاز الطبيعي، لتوليد الكمية نفسها من الطاقة.

وأوضحت الدراسة، أن الدول الأوروبية تتجاهل كل التعهدات المناخية التي كانت تطلقها على مدار الأعوام السابقة، بسبب الأزمة الروسية- الأوكرانية، وهو ما يعطى فرصة كبيرة للهند والصين في استمرار إنتاج الفحم بشكل كبير، دون الاخذ في الحسبان ما تم الاتفاق عليه في قمة جلاسكو، من العمل على “التقليل التدريجي” لإنتاج الفحم، وتعني تلك العودة أن طموح الدول الأوروبية اتجاه تطبيق سياسات المناخ قبل 2050، هو مجرد حلم، وهو ما أكدت عليه المفوضية الأوروبية، من أنّ أزمة الطاقة قد تؤدي إلى تأخير انتقال أوروبا بعيدًا عن الوقود الأحفوري، إذ قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إنه “على أوروبا التراجع عن استخدام الوقود الأحفوري القذر، ولو اضطرت في الوقت الحاضر إلى استخدامه”.

واختتمت الدراسة، أنه من المفترض أن قمة المناخ COP 27التي تعقد في شرم الشيخ، تنتظر أن تقدم الدول فيها خططًا مناخية محسنة إلى الأمم المتحدة، خاصة وأن تلك الخطوات من جانب الدول في عودة الفحم مرة أخرى لا تتماشى تعهداتها الحالية بشأن المناخ مع الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية. فقد مثّلت الأزمة الروسية الأوكرانية نموذجًا واضحًا على إعلاء مصالح الأمن القومي لدولة أو لمجموعة دول دون الأخذ في الحسبان كارثة المناخ.