رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعضلة التى يجب أن يحلها وزير التموين

مأزق أى وزير تموين فى مصر الآن مأزق مضاعف.. فهو وزير لوزارة تم إلغاؤها فى جميع دول العالم إلا فى مصر!.. وهو مطالب بالحصول على كميات هائلة بأفضل الأسعار فى ضوء أزمة عالمية طاحنة تجعل السلع شحيحة والأسعار غالية والدولارات نادرة.. الشىء الوحيد الذى يقف فى صفه هو أن الرئيس السيسى يتابع ملف الغذاء بنفسه ويوفر الاعتمادات اللازمة مهما كانت التكلفة.. بل إنه يوجه بشراء احتياجات مصر من الغذاء بما يكفى ثلاثة أشهر مقبلة كاحتياطى استراتيجى لمصر.. ومع ذلك فإن لسان حال الوزير فى لقائه بنا فى المجلس الأعلى للإعلام كان يقول إن «كل شىء على ما يرام» و«كل شىء ليس على ما يرام» فى نفس الوقت!!.. كل شىء على ما يرام لأن الدولة تقف بكل إمكاناتها من أجل توفير غذاء المصريين وعدم رفع سعر رغيف الخبز الذى يُباع بخمسة قروش من عشرين عامًا وهى توفر دعمًا مقداره ٣٥٠ مليون جنيه لرغيف العيش فقط صباح كل يوم.. ومع ذلك فإن كل شىء ليس على ما يرام أيضًا لأن الأزمة الأوكرانية الروسية «ولدت لتبقى» على حد تعبير الوزير على المصيلحى.. وبالتالى فإن الارتفاعات فى أسعار الغذاء فى السوق العالمية مستمرة وبالتالى فإننا نحتاج إلى مزيد من المليارات لشراء السلع والحفاظ على أسعارها فى متناول المواطنين والمشكلة أننا نحتاج لهذه المليارات لمدة مفتوحة أو غير محددة.. والمثل العامى يقول «خد من التل يختل» والمعنى أنك مهما وفرت من اعتمادات دون موارد متجددة فستشكو موازنتك وتئن تحت ضغط الأسعار العالمية.. ومع ذلك فالدولة ستدبر الاعتمادات لأن هذا دورها ولأن هذه هى قناعة الرئيس السيسى عن مسئولية الدولة تجاه مواطنيها.. بين كون الأحوال على ما يرام وبين كونها ليست على ما يرام تظهر مساحات للاجتهاد من الوزراء المختصين ومنهم بلا شك وزير التموين ويليه وزير الزراعة.. الاجتهاد لحل أزمة الغذاء مطلوب والمجتهد له أجران إذا أصاب وله أجر واحد إذا أخطأ هو أجر الاجتهاد.. مساحات الاجتهاد كلها تدور حول بحوث تكنولوجيا الغذاء.. التى يقوم بها باحثون مصريون محترمون.. وكلها تدور حول الاستفادة من محاصيل معينة أرخص سعرًا أو أجزاء من محاصيل كان يتم إعدامها أو إلقاؤها فى القمامة.. هؤلاء الباحثون مؤهلون علميًا وحاصلون على شهادات دكتوراه.. وهم يمارسون عملهم فى صمت منذ سنوات لأن المجتمع لا يلقى الضوء على أهل العلم والعلماء بقدر ما يلقيه على التافهين وطالبى الشهرة وبائعى المتع الرخيصة.. هذه الأبحاث مثل أى أبحاث فى العالم بعضها صالح للتطبيق وبعضها ليس كذلك.. وهذا لا يقلل أبدًا من شأن أصحابها ولا يدفعنا لمهاجمة المسئولين إذا انتبهوا لها وحاولوا تطبيقها.. بالعكس يجب علينا أن نشجعهم.. إن إحدى علامات التراجع فى مجتمعنا أننا نسخر من أصحاب الأفكار الجديدة.. وإذا أردنا أن نقلل من شأن أحد نقول «فاكر نفسه هيخترع الذرة»!!! أو فاكر نفسه فيلسوف!! مع أن المخترعين والفلاسفة بشر مثلنا تمامًا لا يزيدون عنا ساقًا أو يدًا.. ولكننا نحب الجهل والجمود والتزمت والتطرف ونكره العلم والتجديد والانفتاح والابتكار وهذه هى اللعنة التى تطاردنا وتحكم علينا بالتخلف الحضارى.. هذا الميراث الفكرى المتخلف هو الذى دفع أحد إعلاميينا لـ«الاستظراف» والسخرية من محاولة إضافة دقيق البطاطا لدقيق القمح فى رغيف الخبز.. رغم أن هذا اجتهاد جيد تواجهه عقبات فى الواقع كان يجب تذليلها قبل الإعلان عنه.. وقد صارحت د. على المصيلحى بهذا فى اجتماعه مع الإعلاميين وقد أقر الرجل مشكورًا بصحة ما قلته.. فبحسب ما قاله د. على المصيلحى فإن نسبة دقيق البطاطا المعتزم إضافتها لرغيف القمح المصرى لا تتعدى ١٥٪ وهو ما يعنى أن تسمية «رغيف البطاطا» تسمية خاطئة لأن الرغيف سيظل هو الرغيف العادى مع إضافة نسبة من دقيق البطاطا التى شرح الوزير أنها تسمى «بطاطا بيضاء» وأنها تختلف تمامًا عن «البطاطا الحلوة» التى كنا نأكلها من بائع البطاطا الشهير فى الشارع.. وهو يقول إن النتائج المعملية ممتازة ولكن هناك عقبات فى التنفيذ.. حيث لا بد من غلايات ضخمة تُغلى فيها البطاطا قبل إضافتها للدقيق بنسب معينة.. وأنا لا أعتبر أن هذا يقلل من أهمية البحث الذى أجراه باحث مختص.. ولا داعى للتنمر على الوزير واتهامه بالفشل فى تدبير القمح!! لأن موازنة القمح تدبرها الدولة وليس وزير التموين!! وبالتالى فهذه مزايدة رخيصة وترديد لشائعات الإخوان.. أو دس للسم فى العسل من قِبل بعضهم.. وعلى العكس من هذا.. أدعو د. على المصيلحى لعقد اجتماع مع الباحثين فى مركز تكنولوجيا الأغذية التابع لوزارة الزراعة.. والاستماع لكل الأفكار التى تم اختبارها فى المعمل وأدعوه لمقابلة الباحثة د. سهير نظمى التى تقاتل من أجل الاستفادة بالمادة المتبقية من الأرز الأبيض بعد ضربه.. وتقسم أنها تستطيع أن تستخرج منها زيتًا تسميه هى زيت «رجيع الكون» وهو اسم غير عاطفى كما نرى جميعًا ومع ذلك فهذه السيدة مشكورة على اجتهادها إذا كانت الفكرة غير قابلة للتطبيق.. ومشكورة أكثر وأكثر إذا كانت تستطيع إمدادنا بمورد محلى لزيت الطعام.. خاصة أنها تقول إن الزيت تم استخراجه بالفعل فى دول جنوب شرق آسيا وإنه يُباع فى مصر فى محال السوبر ماركت الكبرى وإن ردة الأرز نفسها يمكن استخدامها فى بعض المخبوزات.. وقد كتبت عن د. سهير منذ أيام وأسعدنى جدًا أن وزير الزراعة المحاسب السيد القصير طلب مقابلتها وأدعو وزير التموين للمتابعة معه ودراسة إمكانية الاستفادة بهذا البحث وبغيره من الأبحاث.. ربما كان الماء تحت أقدامنا ونحن لا نراه لأننا نعتقد أن الشيخ البعيد سره باتع!.