رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبد الوهاب المسيري.. «سياسي على سُنة الله ورسوله» (بروفايل)

عبد الوهاب المسيري
عبد الوهاب المسيري

«يساري على سُنة الله ورسوله».. بهذه الجملة اعتاد المفكر والفيلسوف عبد الوهاب المسيري وصف نفسه في الفترة التي انتمى فيها للتيار اليساري، ليُطلق عليه بعد ذلك «فيلسوف المعارضة»، لما لا وهو الذي سبح في بحر مختلف التيارات السياسية وتحدث عنها دون خجل، مانحًا لنا ثِمار تجاربه منذ أن كان شابًا مرورًا بمرحلة مرضه والتي قاومها حتى وافته المنية في الثالث من يوليو عام 2008، تاركًا ورائها فلسفته الخاصة المُطعمة بالنظرة الإيمانية تارة والحداثة والتنوير تارة أخرى. 

«بدايات المسيري»

ولد المفكر السياسي الدكتور عبدالوهاب المسيري في دمنهور عام 1938، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي، والتحق عام 1955 بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، ثم عُين معيدًا فيها عند تخرجه، وسافر إلى الولايات المتحدة عام 1963. 

لم يكن "المسيري" مفكرًا فحسب؛ فهو أستاذ الأدب الإنجليزي، الذي درّس في عدة جامعات مصرية وعربية، وله مؤلفات عديدة في الصراع العربي الإسرائيلي أبرزها موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" التي صدرت في 8 مجلدات عام 1999 و"الأيديولوجية الصهيونية" وهي دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة".

«المسيري والعمل السياسي»

سبح "المسيري" في بحر مختلف التيارات السياسية، وخرج لنا بتجارب تعكس تفكيره، فطوال حياته انتمى "المسيري" لليسار المصري، حتى تم اختياره كمنسق عام للحركة المصرية للتغيير "كفاية"، وذلك عام 2007، وهي الحركة التي عارضت في تلك الفترة حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك وسعت لإسقاطه من الحكم بالطرق السلمية ومعارضة فكرة توريث الحكم لابنه جمال مبارك من بعده.

«الحداثة والفلسفة لدى المسيري»

دارت فلسفة "المسيري" أولًا حول ماهية الإنسان، واصفًا إياه بأنه تركيبة معقدة، نافيًا نظرية الحداثة التي تشير إلى تطوير النسل على مر القرون بفعل الطبيعية.

وما إن تبدأ في قراءة كتب "المسيري" حتى تجد نفسك أمام فلسفة من نوعٍ خاص، حيث استمدها من تجارب حياته الشخصية التي أكسبت فلسفته صبغة "الواقعية الإيمانية"، والتي عادة لا تجتمع مع بعضها لدى محبي الفلسفة وقرائها حول العالم. 

«موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»

تعتبر موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" للمفكر الراحل عبدالوهاب المسيري أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين، التي استغرقت منه 20 عاما استنزفت كل مدخراته، حتى أصيب بمرض السرطان خلال المرحلة الأخيرة من تأليفه لموسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" والتي تعتبر بإجماع المتخصصين السياسيين موسوعية موضوعية علمية للظاهرة اليهودية بشكل خاص، وتجربة الحداثة الغربية بشكل عام، مستخدما ما طوره أثناء حياته الأكاديمية من تطوير مفهوم النماذج.

«أهم مؤلفات المسيري»

وتعتبر من أهم أعمال الدكتور عبد الوهاب المسيري كتاب "رحلتي الفكرية"، وهو عبارة عن سيرة غير تقليدية تصف المشوار الفكري له ولم يلتزم في سردها بالتسلسل الزمني لأحداث حياته، ومؤلفات أخرى في موضوعات مختلفة مثل العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، و"إشكالية التحيز"، كما أن له مؤلفات أخرى في الحضارة الغربية والحضارة الأمريكية مثل "الفردوس الأرضي"، و"الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان"، و"الحداثة وما بعد الحداثة"، ودراسات معرفية في الحداثة الغربية.

للمسيري أيضًا دراسات لغوية وأدبية من أهمها: اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود، ودراسات في الشعر، وفي الأدب والفكر، كما صدر له ديوان شعر بعنوان أغاني الخبرة والحيرة والبراءة: سيرة شعرية.

ونشر الدكتور عبد الوهاب المسيري عدة قصص وديوان شعر للأطفال.

«ثلاث ذئاب يهاجمون المسيري»

ربط المسيري الأدب بتاريخ الفكر، لكنه عندما حاول التأقلم مع المجتمع المصري تعرض لهجوم "ذئاب ثلاثة"، هي: "الثروة والشهرة والمعلومات"، ويشرح المسيري من خلال المذكرات كيف كانت هذه العوامل بمثابة ذئاب، قائلا إن الذئب الأول وهو ذئب الثروة والرغبة الكبيرة أن يكون ثريًا، ووجد من السهل أن يتغلب على هذا الذئب مستعيضًا عن الثروة بالحكمة والعلاقات الإنسانية الدافئة قائلا إنه يرى أن المال يشكل عبئا على البعض، وهم الذين يفنون حياتهم فى جمعة، أما بالنسبة إليه فإن المال حرية، وقد نجح إلى حد كبير فى أن يوظف المال بدلا من أن يوظفه المال.

أما الذئب الثاني الذي تحدث عنه المسيري في مذكراته وهو ذئب الشهرة، أى الرغبة العارمة في أن يصبح من المشاهير، فعندما عاد من أمريكا عام 1969 كان يكتب فى صحيفة الأهرام ويتحدث فى الإذاعة والتليفزيون، كما كان مسؤولًا عن وحدة الفكر الصهيوني في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، فلم يكن بحاجة إلى الإحساس برغبة أكثر من ذلك فى الشهرة، لكن فى العام 1979 والذي أطلق عليه المسيري في مذكراته زمن "التطبيع" هاجمه الذئب مرة أخرى، بعد أن فقد مكانه في مركز الأهرام وفى الإذاعة والتليفزيون والصحافة لكنه في النهاية استطاع ترويض هذا الذئب، أما الذئب الثالث فكان ذئب المعلومات، وقد وصفه المسيري بأنه ذئب خاص جدًا، يعبر عن نفسه في الرغبة العارمة في أن يكتب كتابًا نظريًا، ووفقًا للمذكرات يرى المسيري في نفسه أن إطاره النظري واسع وشامل للغاية، لكنه فى الوقت ذاته يتكامل مع أكبر قدر ممكن من المعلومات والتفاصيل.

«السرطان يهاجم المسيري»

هاجم السرطان جسد المسيري، ولم يستطع المفكر الكبير تحمل نفقات علاج مرض السرطان، وسافر على نفقة الدولة للولايات المتحدة الأمريكية فسرعان ما خضع لبرنامج علاجي شمل 24 حقنة قيمة كل منها تتجاوز عشرة آلاف جنيه، وانتهت معركته مع السرطان بوفاته عام 2008.