رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما نذكر بينيت

فى السياسة من الصعب التمييز بينهما حتى ولو بعدسة مكبرة، لكن فى نمط التعامل مع كرسى رئاسة الوزراء هناك اختلاف واضح للعيان، كثير من المعلقين والمحللين "وأنا منهم" انشغلوا بالفروق الجوهرية بين بينيت ونتنياهو فى السياسات، وفى نهاية التحليلات لم يجدوا فرقًا.

فنتنياهو لم يكن يمينيًا جدًا، لم ينفذ القانون على البدو العرب، تبنى فكرة الدولة الفلسطينية حتى لو نظريًا، فرض المصاعب على البناء فى المناطق وفى القدس، بينما ائتلاف بينيت ولابيد وشركاؤهما من الوسط واليسار، لم يكن يسارًا بحق، "بينيت لم يذكر ولا مرة كلمة دولة فلسطينية، منع فتح القنصلية للفلسطينيين فى القدس، صادق على البناء فى المناطق، وبدأ فى إنفاذ القانون على العرب".

حكومة "بينيت" كانت حكومة يمين بكل معنى الكلمة، فقد أقرت قانون المواطنة ودعمت مشروع الاستيطان.

فى ملفات إدارة الدولة أيضًا من الصعب إيجاد فوارق ذات مغزى، فى الاقتصاد لم تكن هناك فوارق تذكر، فحكومة بينيت كانت تتبع سياسة نتنياهو، تؤمن بالسوق الحرة، أسعار السكن تواصل الارتفاع، وجهاز الصحة الذى أدى مهامه جيدًا فى أزمة "كورونا" هو جهاز الصحة ذاته.

فى التحديات الأمنية، تظهر التشابهات واضحة، الطريقة التى احتوى بها نتنياهو موجات التوتر مع غزة تشبه ما كان فعله بينيت قبل شهرين.

لكن فى التعامل مع كرسى رئاسة الوزراء كل شىء مختلف، كل شىء.

البيان المشترك الذى ألقاه كل من "بينيت ولابيد" قدم للجمهور صداقة نادرة فى الحياة السياسية، أنا لا أتذكر أن ثمة علاقة مثل هذه كانت بين نتنياهو و أى سياسى آخر.

عندما نذكر "بينيت" علينا أن نذكر أنه "جنتلمان"، يشعر بالمسئولية، فبدون خطابات تحريضية أعلن عن أنه سينقل القيادة إلى شريكه وزميله "لابيد"، لم يتمسك بالكرسى، ولم يشن حملة ضد المعارضة، ولم يوزع الاتهامات بدون حساب.

لكننا نتذكر معارك "بيبى" المحتدمة للتمسك بالكرسى بأى ثمن خلال أربع جولات انتخابية أدخلت إسرائيل فى دوامة بسبب عدم حصوله على الأغلبية، حتى جانتس، الذى عقد معه اتفاق تناوب فى مارس ٢٠٢٠، كلنا كنا نعرف أن هذا الوعد لن يتحقق، وفعلًا لم ينفذ الوعد، وعن طريق أزمة تمرير الميزانية قام بتفكيك الحكومة وذهبت إسرائيل إلى انتخابات.

والحقيقة أن بينيت ولابيد قدما للساحة السياسية فى إسرائيل شيئًا جيدًا، فقضت إسرائيل عامًا بدون انتخابات، وتمكنا من تمرير ميزانية، وكانت هناك حكومة يتعاون أعضاؤها رغم الاختلافات بينهم.

وما قبل كل هذا، هو أن الساحة السياسية فى إسرائيل كانت لمدة عام، بدون خطاب جماهيرى حاد، وسياسة التمزيق، التخويف، والألاعيب، والخطاب المحرض ضد القضاء، الشرطة، الإعلام والمعارضة "ما كان يفعله بيبى فى حكمه". 

الحديث لا يدور عن حكومة مثالية، لا يوجد شىء مثالى، لكن الإنجازات كثيرة، منها إنقاذ الديمقراطية أمام عيون العالم. 

وبسبب الاستقرار النسبى تحسّن الوضع الاقتصادى، فى أعقاب أزمة كورونا، تم وقف الإغلاقات وكذلك الإجازات غير المدفوعة، وهو ما سمح للسوق بالنمو بشكل كبير يصل إلى ٨.١٪ "بعد نمو سلبى فى فترة نتنياهو"، وهو أيضًا ما أدى إلى انخفاض حاد فى مستوى البطالة والعجز الحكومى الذى وصل تقريبًا إلى صفر "بعد عجز مخيف وصل إلى ٩.٩٪ فى فترة نتنياهو".

أما التغيير الكبير حقًا فكان فى دخول حزب عربى إلى الائتلاف للمرة الأولى، هذه الشراكة أدت إلى تمرير ميزانية ٢٨ مليار شيكل للمجتمع العربى، وربط بلدات بدوية فى النقب بالكهرباء، وتطبيق خطة شاملة لمحاربة الجريمة فى المجتمع العربى. 

كل هذا انتهى الآن، وعادت إسرائيل إلى نقطة طالما عادت لها، فرجال الليكود يرتدون البذلات السوداء الرسمية ويظهرون أمام الكاميرات مبتسمين، ويستعدون للعودة إلى الحكم، وعلى رأسهم الرجل الذى فشل كثيرون فى التخلص منه وهو "بنيامين نتنياهو".