رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى يد من يا أيُّها الحَجَر؟

"إِنَّ وَشَطَحَاتُهَا"
الحديث هنا عن الحجر الذي نلقيه في المياه الراكدة ليحركها.. هكذا التعبير المصكوك، والموضوع أننا نسأم من ركود البحيرة أحيانًا، والبحيرة هنا معناها الحياة نفسها بكل ما يعتمل فيها من الآراء ووجهات النظر؛ فيقوم بعضنا بإلقاء حجره فيها، بمعنى فكرته الجديدة الصادمة، لتحريك مياهها الراكدة أي فكرتها القديمة الراسخة التي لم تعد مناسبة للوقت!
لعلي الآن انتبهت إلى السؤال الأهم بهذا الشأن: في يد من يا أيها الحجر؟
فالحجر غالبًا ما يكون في يد واحد من اثنين: أحدهما يريد حركة بعد سكون بالفعل، يريدها لتسيير الحياة المعطلة، وإفادة الجموع بفاعلية النشاط بعد الخمول، وهذا لا يلقي حجره عشوائيًا، وإنما يختار موقعه ويدرس رميته، وقبل الاختيار والدراسة، يكون صادقًا مخلصًا صافي النية واعيًا بأقواله ومدركًا لأفعاله.. وأما الثاني فمراده لا يكون إلا إثارة البلبلة وإحداث الفتنة عن عمد.. يكون عالمًا بأن ما سيقوله وما سيفعله سيترتب عليه اقتتال عقلي بين الناس، بل قد يجاوز الرءوس إلى تشابكات واقعية مهلكة..
البحيرة تركد حقًا، كثيرًا ما تركد، غير أن الحجر الذي نلقيه فيها لإزالة ركودها المميت لا يجب أن تمسكه كل الأيدي؛ فالمسألة من الخطورة بمكان، ولو تركنا حجر التغيير في يد كل من هب ودب إذن لانطفأت شموس الحقيقة بالأوهام!
تحتاج المسألة إلى أمانة ودقة وأناة، وتحتاج إلى ثقة الرامي بنفسه وثقة الناس فيه، وتحتاج، باستمرار، إلى ما يشبه الاتفاق المجتمعي على أن الساعة ساعة آفاق مختلفة عن المعتاد.. هنا قد يقول نبيه: الطليعة البشرية وحدها هي المسئولة عن التثوير ومن ثم التحويل للأنفع، ولا يلزمها إذن من محيطها لتقول ما يتوجب عليها قوله وتفعل ما يتحتم عليها فعله.. ولمثله أقول: قلت الحق الذي يراد به باطل؛ فما حديثي عن الإذن الذي أراده منطقك، الإذن المباشر الذي يناله شخص من آخر بكلمة أو إشارة، ولكن عن قراءة شاملة ذكية للواقع، تبرر للإنسان الذي يبتغي إصلاحًا أن يبدأ إصلاحه مطمئنًا ألا يفشل..
لا شأن لي بمن يتكلم في مجال معين بلا دافع إلى الكلام أصلًا؛ فمثله فارغ بائس ظاهر الزيف والادعاء، إلا أن بعضهم قد يتكلم في الدين بدافع مقبول، ولكن بدون انتقاء ألفاظ وآداب تناسب جلال الدين في النفوس، وكذلك في السياسة، بدون صعود إلى مقامها الكلامي، وهكذا في الجنس، بدون ارتفاع عن التدني المحتمل في نطاقه، قصده من ذلك الجهد اللساني كله إلقاء حجره في المياه الراكدة؛ لكن لقلة خبرته وسوء تقديره تتعقد الأمور فوق تعقيدها الطبيعي، ويثبت ركود المياه في البحيرة بل يتفاقم، ويكون الخسران الفادح هو النتيجة؛ فليت مثله ما نطق بحرف واحد ولا نوى فعل شيء واحد!!

[email protected]