رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الى متى والى أين

تجتاح المجتمع هذه الأيام سلوكيات وممارسات وأفعال لاعلاقة لها بالقيم الدينية ولا بالمفاهيم الأخلاقية ولا بالخصوصية المصرية المستمدة من هويتنا المصرية التاريخية والحضارية التى احتوت كل الحقبات التاريخيةواالثقافية المتعددة والتى شكلت هذه الهوية الجامعة .

فالفردية الذاتية والانتماءات الخاصة الضيقة تسيطر على المشهد العام مما أوجد خللا اجتماعيا فى قبول الآخر أى اخر دينى أو اقتصادى أو سياسى أو اجتماعى .

فالذات والرؤى الفردية مسيطرة فأصبح القانون الخاص بديلا للقانون العام والرؤية الذاتية مسقطة للرؤية الجمعية . فكانت ثقافة التوك توك إذا جاز التعبير !! وأصبحت الحوادث والأحداث والجرائم والموبيقات تتم على مدار الساعة بل تجاوزت كل الحدود . ولم تكن حادثة قتل طالبة جامعة المنصورة اول ولا اخر حادثة فى ظل هذا المناخ وتلك الممارسات .

ومع ذلك كانت تلك الحادثة قد أخذت اهتماما غير عادى وذلك لتداخل عدة أمور فى تحليل هذه الحادثة. وكانت أهم هذه الأمور هى الأرضية الدينية التى دائما ما نسحبها على أى شئ وكل شئ. أى أنه تم تبرير عملية القتل الغير إنسانية بان الفتاة غير محجبة .

وحيث أن قضية الحجاب تأخذ كثيرا من الحوار بين من يرى وجوبيته الدينية ومن يرى توافقه مع العادات والتقاليد فى إطار ملبس المرأة . وهذه ليست قضيتنا فى اطارها الخاص . ففى الإطار العام فمن حق كل مواطن مصري ومواطنة مصرية أن ترتدى ماتريد فى إطار مجمل العادات والتقاليد المصرية التى يقرها ويقبلها الرأى العام والتى لاشك تتأثر بكثير من المطروح والمتغير فى الإطار الاجتماعى داخليا وخارجيا ويتوافق مع المزاج الجمعى المصرى. فمن يرى أن الحجاب مثلا عبادة فهو حر وهذه قناعاته الدينية . ومن يرى أن الحجاب يتوافق مع تراثنا المصرى فله مايرى. ومن يقتنع أن هذا لايتوافق مع قناعاته الدينية والاجتماعية فله مايريد . وذلك لأن القانون الذى يحكمنا لن يحدد زيا محددا وشكلا معينا لملابس المصريين غير الاحتشام اللائق ( أى لايخرح أحد بدون ملابس مثلا) . مع العلم أن هذه القضية لاتخص الحجاب فقط ولكن هناك بعض من رجال الدين المسيحى من يحرم دخول الكنيسة بأزياء معينة وأن تضع المسيحية غطأ على الرأس . إذن فإذا كان الزى والملبس يحدده نوع الفكر والعادات والتقاليد والتراث فى خصوصيته الاجتماعية من  لمكان آخر داخل الوطن . فالزى والملبس فى سيناء ومطروح يخضع للتراث البدوى ويختلف عن الزى فى الدلتا والصعيد . وان كان الصعيد تحديدا لم يعد كما كان منذ أربعة عقود مثلا. 
هنا هل يجوز أن يفرض البدوى زيه أو يفرض الصعيدى زيه ؟ خاصة إذا كان هذا الفرض لايأتى بالاقناع بالتى هى احسن ولكن يمارس بالعنف والقسوة وإسقاط القانون من أشخاص غير مخول لهم هذا قانونا بل هى قناعاتهم الخاصة سواء كان هذا  خطأ أو صواب وحسب فكرهم الدينى الذى تعلموه وتاثروا به. ولذا فعندما نجد من يدعو الى زى معين ويربط هذا الزى بسلوكيات المرأة . فإذا لم ترتديه فهى فاسقة...الخ ولذا يتم تبرير التحرش والتعدى على المرأة وقتلها بسبب عدم ارتدائها هذا الزى . فهل هذا يجوز دينيا وقانونيا وأخلاقيا . هنا وبكل وضوح وحفاظا على وطننا الغالى والعزيز الذى يجمعنا على أرضه ويستظلنا بسمائه . فعملية التحريض هذه ستكون مبررا للكثير من هؤلاء الذين يتصورون أنهم المدافعين عن الدين هنا وهنا ويفعلون مايريدون وكأنهم هم حماة الاخلاق فى هذا الوطن . ولذا وجدنا من يعتدى على مسيحيات ومسلمات لأنهن غير محجبات . رأينا من تعتدى على سيدات فى المترو لأن ملابسهن لم تعجب سيادتها وهى جاهلة وأمية !! فهذا ياسادة لايصب فى صالح الوطن ولا يليق بالقيم الدينية العظيمة التى جعلت الايمان فى القلب ويصدقه العمل . كما أن الملبس كقاعدة عامة بعيدا عن الأمور الخاصة لايعنى أن هناك ملبس معين يجعل المرأة لديها اخلاق وغيرها لايوجد لديها هذه الأخلاق. فالالتزام والأخلاق تربية دينية واسرية 
ومجتعية . الوضع جد خطير ويجعلنا فى وضع المسؤولية الجماعية وعلى كل المستويات . فهل لنا ونحن فى إطار حوار وطنى قادم أن نضع هذه القضية بكل تفريعاتها على جدول هذا الحوار ؟ حمى الله مصر وشعبها العظيم وستظل مصر لكل المصريين .