رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على جمعة: يهود بني قريظة كانوا مدركين لأمر خيانتهم لعهدهم مع رسول الله والمؤمنين

د. على جمعة
د. على جمعة

قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إنه في النموذج الثالث نرى أن النبي تعامل بالشدة مع يهود بني قريظة وخيانتهم لرسول الله والمؤمنين في المدينة، حيث كان غدرهم أشد من غدر غيرهم من اليهود، فإنهم سعوا إلى خيانة لو تمت لهم لفنى المسلمون عن آخرهم، فقد نقضوا عهدهم مع رسول الله وتحالفوا مع أعدائه من المشركين الذين قدموا لغزو المدينة في غزوة الخندق، رغم ما أقروه في وثيقة المدينة من بنود تمنع التحالف مع قريش أو مساعدة من يهاجم المدينة، وهو أمر يهدد الدولة كلها وفيه خيانة المواطنين لدولتهم وتآمرهم مع أعداء الوطن ضده.

وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية قائلًا: الملاحظ هنا أن يهود بني قريظة كانوا مدركين لأمر خيانتهم لعهدهم مع رسول الله والمؤمنين، لأنهم بمجرد أن ارتد مشركو قريش عن المدينة رجعوا إلى صياصيهم وتحصنوا بها، وتحسبوا لخوض المعركة مع النبي ﷺ، والأمر الآخر أنهم حوصروا خمسًا وعشرين ليلة فلم يرد أنهم اعتذروا أو طلبوا سلمًا أو صلحًا مع رسول الله، ولكن أخذتهم العزة بالإثم، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ورسوله، وأن المؤمنين سيرتدون عنهم مغلوبين على أمرهم، فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأول سابقة في التاريخ يسمح صاحب السلطان للمجرم والخائن أن يختار قاضيه ومن يحكم عليه بالعقوبة, فاختار اليهود سعد بن معاذ، الذي قال: (فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم). فقال رسول الله: «لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وحكم رسوله» (أحمد 6/141).

وأوضح: لقد نقض بنو قينقاع وبنو النضير عهدهم مع رسول الله وحاربوه، فلما انتصر عليهم لم يأمر فيهم بمثل ما أمر في بني قريظة، وما ذلك إلا لأن بني قريظة ارتكبوا جريمة زائدة وهي الخيانة العظمى، والتي كان من شأنها لو أحاطت بالمسلمين لقضت عليهم جميعًا، هكذا كان يتعامل رسول الله مع غير المسلمين في دولة المدينة تعاملًا قائمًا على العدل والرحمة والتسامح، دون تفريق بينهم وبين المسلمين، فهم على درجة واحدة في إطار المواطنة والولاء للدولة، أما من خرج عن الجماعة يريد إشاعة الفتن وخيانة الوطن، والاستقواء بالأعداء، فمع تطبيق مبدأ الرحمة والرأفة معه يكون عقابه بقدر مخالفته، وأما من لم ينهنا الله عنهم، فمعاملتهم تكون بالحسنى والحلم واللين، قال الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8]، وإذا كان هذا الحكم عامًا مع ذوي الأديان والأعراق المختلفة، فما الظن إذا كان هؤلاء إخوة في الوطن وشركاء فيه يحافظون على أمنه واستقراره ويقفون في وجه أعدائه والمتربصين به، فضلًا عن أنهم أقرب مودة للمؤمنين! قال تعالى: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) [المائدة:82] فهم أولى بحسن المعاملة، وتحقيق مراد الله منا فيهم.