رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة نتنياهو

أغلقوا فى وجهه الباب سيعود من الشباك، ألقوه من الشباك سيعود إليكم من النفق، هذا ما ذكرته فى هذا المكان قبل عام المناورة الأخيرة،١٢/٦/٢٠٢١، فى إسرائيل كان هناك من يحتفل برحيل نتنياهو، وكنت أدرس عودته القادمة، لأنى أعرف أنه يحاول ويحاول ويحاول ولا يستسلم، لا يعرف كيف يخسر.

هذا هو أحد أسرار قوته: يقاتل حتى اللحظة الأخيرة، ويقاتل فى اللحظة ما بعد الأخيرة، وسيقاتل أيضًا فى اللحظة التى بعدها، ونحن الآن فى تلك اللحظة.

قبل عام، وعد نتنياهو أن حكومة "بينيت- لابيد" لن تتشكل، وإذا تشكلت سيسقطها، يومها قال فى خطاب الوداع عبارته الشهيرة التى أصبحت لاحقًا اقتباسًا: "سنعود بعد شهر أو عدة أشهر.. سنعود بعد عام، وحتى هذا الوقت أخطأوا قدر استطاعتكم فسأعود لتصحيح الأخطاء"، من يعرف نتنياهو يعرف أن الوعود خاصته تتحقق على نحو مثير للإعجاب، أما وعوده للآخرين فلا تتحقق.

هناك من ذهب بخياله، وقال إن نتنياهو يتحرك ومن خلفه نبوءة، تعود إلى الثمانينيات، عندما التقى لأول مرة الحاخام لوبافيتشر ريبى عام ١٩٨٨، كان نتنياهو حينذاك فى بداية حياته السياسية، كان يشغل منصب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، ثم بعد أن ألقى خطابًا ناجحًا، قال له "لوبافيتشر": "لقد كنت مسرورًا جدًا بخطابك، قد تكون هناك رغبة بالنسبة لك فى الاستمرار على هذا الخط، عليك أن تقاتل ١١٩ شخصًا. بالتأكيد لن تتأثر لأن الله جانبك، وسيساعدك الله". ورد نتنياهو قائلًا لـ"ريبى": "أنوى الاستمرار فى هذا الخط بالضبط". بعد ذلك بوقت قصير، عاد نتنياهو إلى إسرائيل، قبل انتخابات الكنيست الثانية عشرة وانضم إلى حزب الليكود. بيان آخر منسوب للحاخام أيضًا ذكر أن نتنياهو سيظل رئيسًا للوزراء حتى أيام المسيح المخلص. هذا البيان ليس له مرجع موثق، لذلك من غير المعروف ما إذا كان الحاخام قال هذا التصريح أم أنها مجرد شائعة. 

النبوءة التى تتحرك خلف نتنياهو، ليست وحدها من صنعت حكمًا امتد إلى ١٢ عامًا، مع احتمالات كبيرة للعودة مجددًا بعد عام واحد فقط خارج منزل بلفور "منزل رئيس الوزراء". هناك أيضًا قوته وثباته وقدرته الفائقة على اللعب بكل الأوراق وخداع كل من حوله بمهارة.

ليس هذا فقط، بل يكمن سحره أيضًا فى قدرته على استغلال ثغرات الآخرين، وتحويل فشلهم إلى نجاح له، أو منفذ يعبر منه إلى بلفور.

الثغرة الآن هى عدم قيام بينيت بتمرير "قانون المشتبه به" مباشرة بعد تشكيل الحكومة، وهو قانون يمنع المتهم بقضايا جنائية من تشكيل حكومة ورئاستها. هذا لم يحدث والقانون لم يمرر، ولا يوجد ما يمنع نتنياهو للترشح الآن.

لو كان هذا القانون مُرر لكان هناك من يشعر بالراحة من انتخابات أكتوبر، وكان من الممكن أن يسمح لحكومة الإنقاذ الحالية أن تبقى فى الحكم فترة أطول، بهدف استكمال الأمور الجيدة التى قامت بها.

الأسابيع القادمة سنعود إلى نفس الفيلم، أعداء نتنياهو سيرسمون الخطط، ويدشنون حملات «إلا بيبى» ويتحدثون بابتسامة ماكرة عن اليوم التالى لنتنياهو، والأخير سيقوم بمناوراته، سيغرى حلفاء جددًا، وينتقم من أعداء، سيتحدث إلى الجمهور، ويبتسم للكاميرات، وسيطلق الوعود.

كل مرة يعدوننا بأحداث جديدة ثم نكتشف أنه نفس الفيلم. شىء واحد يحاولون نسيانه، هو العبقرية السياسية التى لا تكل ولا تمل لبنيامين نتنياهو. وأنه على الرغم من الصراع مع الفلسطينيين والتهديدات من إيران وحزب الله وحماس، والأوضاع فى القدس والضفة، إلا أن نتنياهو يعود دائمًا ليتصدر جدول الأعمال.