رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما لم يكتبه «حليم» فى مذكراته.. تفاصيل أخرى عن المؤامرات والحب والموت

 عبد الحليم حافظ
عبد الحليم حافظ

كتب العديد من رفاق حليم عن بعض المواقف التي سقطت من مذكرات عبدالحليم حافظ التي دونتها المجلات والكتب، فكتب إسماعيل شبانة عن طفولة أخيه المعذبة وما بعدها وكتب كمال الطويل صديق الدراسة والكفاح، وكتب الموسيقار أحمد فؤاد حسن رئيس الفرقة الماسية التي كانت تعزف لحليم، وكانت الكثير من المواقف التي عايشوها مع العندليب الأسمر ولم تتضمنها سيره الذاتية على كثرتها.

إسماعيل شبانة: رضع من 200 امرأة.. وهذه تفاصيل أولى المؤامرات عليه

تحدث إسماعيل شبانة الشقيق الأكبر لعبدالحليم حافظ عن بعض المواقف التي حدثت لحليم، وذلك في مقال له بمجلة الكواكب، فحين ولد عبدالحليم ماتت والدته بعد أسبوع من ولادته وحمله البعض نتيجة هذه الوفاة من أقربائه، وفي وقت كانت ما زالت والدته مسجاة على فراش الموت سمع شبانة بعض النسوة يتحدثن عن مؤامرة عليه يقول شبانة: اتصل صراخ حليم وحملته بين ذراعي ورحت أهدهده ودموعي تغسل وجهه، وكنت واقفًا قرب بعض النسوة من أقاربنا ممن جئن للعزاء، وسمعت إحداهن تقول: «يقعد يعمل إيه بعد المرحومة، لازم نلاقي له حل»، فأجابتها سيدة أخرى: «ده إحنا نرحمه من الجوع واليتم»، وقالت الثالثة: «نرضعه منها يموت، زيه زيها».

وسمع شبانة الكلمات وهرع إلى والده المكلوم ليخبره بما قالته النسوة: «ستات مين؟، هما فين»، وخرج الأب غاضبًا وتقدم للنسوة بعدما أشار إليهن إسماعيل: «عبدالحليم ابني وأنا هربيه على إيدي، أمه ماتت قضاء الله وقدره، ده أجل ومكتوب، ولو حاولت واحدة منكن أن تمسه سأبلغ النيابة».

موت أم حليم جعل هناك أزمة في رضاعته، وراح إسماعيل يلف بيوت «الحلوات» بحثًا عن سيدة ولدت حديثًا ليرضع حليم مع ابنها: «كانت كل واحدة منهن تستقبل حليم بترحاب، كانت ترضعه وهي تنظر إليّ وأنا جالس في انتظاره بإشفاق، ورضع حليم من أكثر من مائتي سيدة من سيدات قريتنا».

غضبت إحدى قريبات حليم لأن شقيقه يدور في البيوت ليرضعه، وكانت هي قد ولدت حديثًا، فلماذا لا يتركون حليم عندها لترضعه: «اتركوه عندي ومن سيمسه سأفتك به»، وكانت السيدة التي قال لها حليم «أمي»، نعم كانت أمه وإلا فماذا تستطيع الأم تقديمه لولدها أكثر من هذا، ولم يعرف حليم أن أمه ماتت إلا حينما كبر عقله.

وسرد شبانة مواقف من حياة حليم مثل هوايته الغريبة في صيد الدبابير، يقول: «العجيب أنه كان يصطادها بأعداد كبيرة دون أن تقرصه، وكان لمنزلنا سطح كبير والقرية كلها مشهورة بصناعة العجوة لتوافر البلح فيها، وكان البلح الرطب يترك على سطحنا ثم نتولى عمل العجوة، وكان البلح يجذب الدبابير أسرابًا، وخشيت على حليم لعلمي بهوايته في اصطيادها، ونبهته للخطر لكنه ضحك بسخرية وعندما صعدنا للسطح اندفع حليم لسرب دبابير وراح يمسكها بيديه، وصرخت فيه أن يبتعد، وصعد أبي على صراخي، وحينما رآه وسط سرب الدبابير ضحك وقال: «إن حليم فيه شىء لله»، بعد ذلك كنت أقول له إذا حاولت أن تتزوج فخذ حذرك لأنك رضعت من مائتي امرأة، وكل اللواتي رضعن منك هن أخواتك».

كان لكل ما حدث أثره على عبدالحليم ولسمة الحزن التي خيمت على وجهه في رحلته وشهرته وغنائه: «حين استطاع حليم أن يستوعب معنى الموت والحياة أدركه حزن هائل، حزن شاع في نبرات صوته، ولازمها، وصار له في هذه النبرات رنين هو الذي يلمس القلوب، هذا هو سر حزن أخي، هذا هو سر صوته».

وبالرغم مما حدث له في مهده من فقد، لكن الحظ الجيد وافق حليم في كثير من الأحيان: «كنا معًا طلبة في معهد الموسيقى العالي، وسافرنا خلال إجازة الصيف للإسكندرية، ودخلنا مدينة الملاهي، ورحنا نجرب حظوظنا كما يفعل الزوار، وتميز حظ حليم ففاز بعدد كبير من الهدايا، والتفت الناس حولنا معجبين به، ومن يومها عرف حليم أنه محظوظ، وأن ما من شىء يضع يده عليه إلا ويريحه، وهناك موقف آخر، كنا نعيش في بركة الفيل بالسيدة زينب، كنت أيامها موظفًا بوزارة الصحة، وكان عبدالحليم طالبًا في معهد الموسيقى، ورغم المدة الطويلة التي قضيناها نسكن هذا الحي فلم أتعرف على أحد، حتى جارنا الذي يسكن قبالتنا لم أعرف اسمه، بخلاف عبدالحليم الذي نال شعبية كبيرة لدى سكان الحي من الرجال والنساء والأطفال، كانوا يحبونه حبًا عميقًا، ويدعونه إلى بيوتهم ليغني لهم أغاني عبدالوهاب وعبدالمطلب وصباح، وكنت أضطر للطواف بالحي كله بيتًا بيتًا حتى أعثر عليه في سهرة عائلية عند واحد من أهالي الحي».

واختتم شبانة كلامه: «إذا كان هناك شىء يجب أن أضيفه إلى هذا فيهمني أن أقول إن عبدالحليم يتمتع بموهبة كبيرة لم يستغلها وهي موهبة التلحين، ولو لحن حليم حافظ لنفسه بعض أغانيه لسمع الناس شيئًا عجيبًا رائعًا».

كمال الطويل: الملحنون تهربوا من عبدالحليم حافظ.. وهذا سر مؤامرة «شكوكو» عليه

كما تحدث الملحن كمال الطويل عن علاقته بعبدالحليم حافظ، في هذا التوقيت كان «الطويل» يعمل في الإذاعة مراقبًا للموسيقى، ولم يكن يهمه التلحين ولم يفكر فيه، كان كل اهتمامه منصبًا على الواجب الإذاعي الملقى على عاتقه، يقول: «كان نظام العمل بالإذاعة يسير على نحو رتيب، وهو أن يختار الملحن مطربيه الذين يسند إليهم ألحانه في الأركان التي يلحن لها، وطلبت الكثير من الملحنين أن يضموا حليم إليهم ويعطوه بعض ألحانهم».

كان الملحنون يتفننون في الرفض لتقديم «حليم»، وبرغم إيمان «الطويل» به وتأكده من موهبته، لكنه فشل في أن يجد فرصة له، الكل يتهربون منه ولم يفكر أحدهم في منحه ولو فرصة واحدة، وكان «الطويل» مضطرًا لأن قوانين الإذاعة كانت تحتم ألا يدخل مطرب إلا إذا غنى لواحد من ملحنيها.

وهنا كان القرار الذي سيقلب حياة كمال الطويل رأسًا على عقب: «قررت أن ألحن له أغنية أقدمه بها للإذاعة، كانت لجنة الاستماع مكونة مني وحافظ عبدالوهاب وعبدالحميد عبدالرحمن، واجتمعنا نستمع لحليم، وأبدى عبدالحميد اعتراضه الكبير في عمل حليم كمطرب، كان من رأيه أن عازف «الأوبوا» لا يمكن أن يكون مطربًا، وأعلن انسحابه من اللجنة، ولم يبق غيري وحافظ عبدالوهاب».

كان حافظ عبد لوهاب متحمسًا لحليم أكثر من «الطويل»، وبذل الاثنان جهودًا كبيرة في مساعيهما تجاه «حليم» كمطرب، وتكلل مجهودهما بأن نجحا في الحصول على قرار بإذاعة أغنية لحليم لحنها كمال الطويل، ونجحت بشكل مبهر، وبعدها كان القرار الذي التصق بحليم باقي عمره: «لم يعجبني اسم شبانة، وربما يختلط الأمر على الأخوين، ورحنا في رحلة بحث عن اسم لحليم، وعندما استعرضت الأسماء قفز اسم حافظ إلى ذهني ولعل اختياري لاسم حافظ هو اعتراف بجميل الرجل ووافق حليم».

بعدها كانت هناك خطوة من أهم الخطوات التي ينبغي عليه فعلها ليشتهر، وهي أن يغني في الحفلات العامة وينال استحسان الناس، يقول الطويل: «ذات صيف اتفق حليم على أن يغني فوق أحد مسارح الإسكندرية، وكان البرنامج المسرحي يضم شكوكو وفرقته، وكنت أحر هذه الحفلات تشجيعًا له؛ لأنه كان حديث العهد بمواجهة الجمهور، وفي اليوم الأول شعر حليم بأشياء غير عادية تحدث في كواليس المسرح، زادت في اليوم الثاني لدرجة أنه راح يحدثني بها قائلًا إنه يخشى على مركزه كمطرب، وصارحني بأن شكوكو وقد كان يومها في أوج  شهرته يحاربه ويكره له النجاح، ويحاول تدبير المقالب له خفية ليقضي عليه، وفي هذا اليوم قوبل عبدالحليم عندما صعد للمسرح ليغني باستهجان الجمهور واستخفافه به، واعتقدنا أن هذا لا بد من تدبير شكوكو، وانتحى يومها بحليم جانبًا لأقول له: «ولا يهمك الجمهور، اعتبر نفسك وسط شلة الأصدقاء تغني لهم في حفل خاص، أن ذلك سيساعدك على ألا تشعر بما يدبر لك وراء ظهرك».

يكمل: «وعمل حليم بنصيحتي فسجل نجاحًا كبيرًا طغى على كل تدبير خفي يمكن أن يعزله عن الجمهور، وكسب حليم الجولة وكسب جمهوره أيضًا».

كان حليم كثيرًا ما يقضي الصيف صحبة كمال الطويل والموسيقار أحمد فؤاد حسن، وكان لهما الكثير من المواقف معًا: «كنا نمرح ما استطعنا إلى المرح سبيلًا، ونأخذ من الحياة كل ما هو بهيج رائع فيها، ودارت الأيام وأصبح حليم قِبلة للملحنين جميعهم، وهم الذين كانوا يتهربون منه في البداية ولا يقبلون بتلحين أغنية واحدة له فقط، وكان سببًا في اتجاهي للتلحين، ولكن حليم لم يغن سوى لاثنين من الملحنين في الإذاعة هما عبدالحليم نويرة، وخليل المصري في الركن الخاص بكل منهما في الإذاعة».

أحمد فؤاد حسن: عبدالحليم حافظ أنقذنا من بوليس الآداب

بدوره تحدث الموسيقار وقائد الفرقة الماسية أحمد فؤاد حسن عن علاقته بعبدالحليم حافظ وتعرف «حسن» على حليم حين جاء به شقيقه إسماعيل شبانة ليدرس في معهد الموسيقى، وقتها كان حليم قد أجاد العزف على آلة الأوبوا، وهي آلة صعبة جدًا مما جعله محط أنظار قائد الفرقة الماسية لتصبح صداقة بدأت من هذه اللحظة وامتدت أواصرها حتى وفاة حليم: «كان حليم يكره المادة وكان يحرص على أن يظهر في إطار فني قوي، فكان أحيانًا يدفع من جيبه الخاص ضعف الأجر الذي يتقاضاه ليظهر بفرقة موسيقية تليق به، وكم كان الجمهور يدهش لهذا المطرب الناشئ الذي يظهر بفرقة موسيقية لا يظهر بها مطربون مشهورون».

ويحكي قائد الفرقة الماسية عن نهاد فاتنة الإسكندرية التي كانت تطارد حليم ويهرب منها وكلهم يتمنون نظرة واحدة منها، قائلًا: «كانت فاتنة الجمال، تأتي للمسرح كل ليلة وتطارد حليم وتبذل كل جهودها لتنال منه ولو موعدًا واحدًا، وكان حليم لا يعيرها أي اهتمام، بل إنه راح يبتكر أساليب للزوغان والهرب منها ومن مطارداتها، وظل الحال هكذا حتى آخر يوم من أيام عملنا في الإسكندرية، وقتها قامت فاتنة الإسكندرية بتوجيه الدعوة لعبدالحليم والفرقة لتناول طعام العشاء عندها في بيتها، وقضاء سهرة لطيفة معها».

ويكمل: «أمسكنا بعبدالحليم حافظ وأجبرناه على الذهاب معنا وكانت السيدة تقطن بشقة واسعة فاخرة الأثاث، واستقبلتنا تحيطها هالة من فتيات جميلات كن كالنجوم الساطعات في الليل، وأكلنا عشاءً لذيذًا، وكان جوًا رائعًا لم ينغصه إلا اختفاء حليم فجأة، وأصبح الجو مشحونًا، مما دعانًا جميعًا للاعتذار والانصراف من بيت السيدة فاتنة الإسكندرية».

ويواصل: كنت أعلم أن عبدالحليم يهوى رؤية البحر وتستهويه الأمواج فيجلس عند صخرة بعينها ويفكر شاردًا ناظرًا للأمواج، وبحثت عنه عند هذه الصخرة ووجدته بالفعل، وبدأت أعاتبه على هروبه من الحفل واضطررنا جميعًا لمغادرة البيت ونظر إلي وما زال الشرود واضحًا عليه: «نزلتم كلكم»؟، وهززت رأسي إيجابًا فواصل كلامه: «أنا مش مستريح للست دي، إحساسي بيقوللي إن فيها غرابة وغموض كده».

ويستطرد: «في اليوم التالي فوجئنا بأن السيدة المضيفة كانت محل ريبة رجال مكافحة الآداب، وقُبض عليها في نفس الليلة التي انصرفنا فيها من بيتها معتذرين عن قضاء السهرة، ومن يومها وأنا أصدق أن إحساس عبدالحليم حافظ صادق دائمًا وأبدًا».

كان هناك الكثير من المواقف التي أثبتت أن حليم له مبدأ لا يحيد عنه، فهو لا يقبل التفريط في أصدقائه، يقول حسن: «عندما بدأ حليم يحظى بالشهرة، وارتفع في صعوده لسلالم المجد والتفتت إليه الدوائر الفنية وكانت تحيطه بالاهتمام، واتفقت معه إحدى شركات الأسطوانات على تسجيل بعض أغانيه، وفوجئ في يوم التسجيل بأن الشركة ترفض أن تعمل معه فرقتي الماسية، التي عملت معه دائمًا، وطلبت منه أن يسجل مع فرقة الشركة، وانتفض حليم تأثرًا ومزق عقد التسجيل مصرًا على أن تسجل معه الفرقة الماسية، وانصرف غاضبًا».

يتابع: «خضعت الشركة لرغبة عبدالحليم وسجل لها أسطوانات مع الفرقة الماسية، وتدور الأيام ويصدق رأي عبدالحليم حافظ في الفرقة الماسية وأفرادها، إن أصدق ما في عبدالحليم حافظ هو وفاؤه الذي يجعلنا جميعًا نحترمه ونحبه من قلوبنا».