رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطة استعادة أبنائنا من سطوة «الموبايل»

توقفت كثيرًا عند إعلان قدمه النجم العالمى محمد صلاح عن الفقاعات التى ينحبس فيها أبناؤنا وبعض كبارنا، بفعل الانخراط الدائم فى تطبيقات التواصل الاجتماعى التى يحملها الموبايل.. وجدت أننا نعانى جميعًا بشكل أو بآخر من هذه الفقاعات التى تجتذب أبناءنا فى سن المراهقة.

فعادة ما تصطدم عواصف المراهقة بأسوار خوف الآباء على أبنائهم، ففى الوقت الذى يسعى الوالدان فيه لتوفير سبل العيش الكريم لأبنائهما، يكبر المراهق، ويعيش حالة صراع بين الرغبة فى أن يصبح مستقلًا، وبين الرغبة فى أن يعامله الأبوان بمزيد من الحب والاحترام من جهة، وبين احتياجه المادى والعاطفى لأسرته من جهة ثانية.

وغالبًا ما يعيش حالة احتياج نفسى وعاطفى، وتصبح علاقته بالراشدين أهم ما يتعرض له من مشاكل فى حياته اليومية.. فالمراهقة زمن مفاجئ للطرفين على السواء، الأول «الأب أو الأم» يريد أن يحتفظ بدوره فى تقرير المصير الحتمى لكل ما يخص «الطفل».. ويستصعب ترك مفاتيح السيطرة من يده.. والثانى يشاكس ويناضل ليثير الانتباه، ومع وجود الدخيل الثالث على العلاقة «الموبايل» واستعاضة المراهقين به عن العائلة والتعامل مع والديهم على أنهم جيل قديم خارج الزمن.. بالإضافة لسرعة الحصول على المعلومات وزخمها، والذى جعل الفجوة تكبر، كما يؤكد أساتذة علم النفس، الأمر الذى حرق مرحلة الطفولة لدى أبنائنا، ونقلهم لمراحل أكبر منها.

ولعل البيت الذى يمتلئ بالصراعات والمشاجرات، ويفتقر إلى العلاقات السوية الطيبة بين أفراد العائلة أو بين العائلة والعالم الخارجى وانشغال الأبوين وعدم التقرب من الأبناء أحد أهم الأسباب التى تجعل المراهق ينأى بعالمه الدفين عنهم، ويفتح الباب أمام الصديق الذى ربما يمر بالظروف نفسها. 

ولا ننسى الحوار بين الأرملة «منى» التى تعيش مشاكسات أولادها الستة بمراحلهم العمرية المختلفة «الراحلة فاتن حمامة»، وابنتها ليلى حمادة فى فيلمها العظيم «إمبراطورية ميم» إنتاج سنة ١٩٧٢إخراج الراحل حسين كمال، وقصة الكبير إحسان عبدالقدوس: أنا صاحبتك.. لكن كمان أنا أمك.. الفرق إن صاحبتك حتطاوعك على كلامك.. لكن أمك حتبص لمصلحتك.

وهنا لا بد من أن نتساءل عن الغيبوبة التى وقعت فيها الدراما وابتعادها عن طرح جدى لأزمة يمر بها كل البيوت، خاصة أننا نعيش فى زمن انتقلت فيه مشاكل المراهقين من مجرد كونها صراعات داخلية إلى مستوى علنى خطير على المجتمع، وعلى الأخص إذا عرفنا أن ٧٥٪ من السكان، حسب إحصاءات البنك الدولى، من المصريين تحت سن ٢٥.. وأن نسبة الشباب حسب إحصاءات مجلة السكان فى الفئة من ١٥- ٢٩ سنة تمثل ٢٦٫٩٪، من إجمالى السكان ١٠٢ مليون.

ولعل كتمان الأسرار هو أخطر مراحل المراهقة على الإطلاق، وبالتأكيد فإن طريقة استقبال بوح الأبناء للآباء وردود أفعالهم هى الترمومتر الذى يحدد شكل العلاقة بينهما.. وكما أن المجتمعات تتطور فإن ذهنية استقبال المشاكل لا بد أن تنتقل من التعنيف والعقاب إلى خلق جو من الثقة والاستيعاب، وكم من قصص لمراهقات عواقبها كانت مؤلمة وخسائرها فادحة على الأهل، بعد الاستجابة لتهديد شخص غرر ببراءتها لسبب قد يكون بسيطًا فى حقيقته، لكن الرعب من معرفة الأهل جعلها تستجيب لما هو أكبر.

ولا يمكن أن نستثنى الدور السلبى لتعامل الأهل مع ملامح أنوثتها كمبرر لقمع وتفرقة بينها وبين الأخ الذى يقاربها فى السن، والذى ما زال يتمتع بحرية الخروج بمفرده، وكما ينصر المراهق الولد على أخته بعادات تقيدها، تحاول بدورها أن تبحث عن التواصل بمَن يُعلى من شأن تلك الملامح!! وإذا كانت سنة النبى الكريم العدل بين الذكر والأنثى «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» فكيف نخالفها بموروث ستنعكس آثاره السلبية فيما بعد؟!

وهنا يحضرنى سؤال عن المتسبب فى أخطاء المراهقين، وهل يمكن أن نلقى بالمسئولية على أكتافهم التى لم تستقم بعد.. أم أنهم مرآة لما يجرى وراء جدران البيت الذى خرجوا منه.. فالرفض والاكتشاف هما العنوان العريض المسيطر على مزاج أى مراهق، فهو فى حالة ثورة مستمرة على الخضوع لقرارات من حوله وهو المحارب باستماتة عن «الأنا المجروحة»، التى يحاول أن يجد لها مكانًا فى محيطه ويسعى لاستكشاف حقيقة كل الأشياء.. ولعل أفضل طرق التعامل معه احترام رغباته فى تقرير ما يريد فى حدود العائلة دون إهمال رعايته ومراقبة ما يفعل عن بعد، والامتناع عن المباشرة فى فتح جبهات للصراع، وما المانع فى توجيهه نحو مصاحبة صديق يشبهه فى النشأة والتربية.

وربما الظرف والتوقيت يحتمان على الأهل، فى هذه الفترة الحرجة من حياة الجميع، التحلى بالكثير من اللين فى التعامل والحزم فى الوقت نفسه.. ومحاولة تقريب وجهات النظر بينهما هى مسئوليتهم التامة والإمساك بيده وتوضيح الرؤية الصحيحة للأشياء ومعاونته على التفكير.. ومرافقته فى الاكتشاف هى فى الحقيقة بناء لإنسان يتمتع بصحة نفسية وتوازن أخلاقى سينعكس على صحة المجتمع بأكمله.. وعن عائشة أم المؤمنين عن النبى «ص»: «إن الرفق لا يكون فى شىء إلا زانه. ولا ينزع من شىء إلا شانه».. لعل الفهم الصحيح لما بعد الطفولة والرفق بمن يتخطاها سوف يكسبنا مراهقًا بلا أزمات وبيوتًا بلا ثورات.