رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سقوط آلهة الأدب والنقد!

في فترات الانحدار الأدبي والنقدي تطل علينا ظواهر سيئة محيرة، من بينها أن يخلع أدباء ونقاد على أنفسهم ألقابا جليلة لا قبل لهم بها، أيا كانوا، فكيف إذا كانوا متواضعين أو أدعياء أصلا؟!، كمثل لقب الإله، هذا إله السرد وذلك إله النقد، هكذا مثالا!!

نحن في فترة انحدار طبعا؛ فالأدباء تضاعفت أعدادهم وتزايد وجودهم المتفاوت المتصارع، بلا فرز من أي نوع، وأما النقاد فقد صار كل من يقيم تجارب سواه، حيث يقيمها، ولو جزافا وملء فراغ، ناقدا يعتد به.. ومن عجب أن نجد قنوات متخصصة تسارع إليه وتحتضن هراءه للأسف؛ ذلك أنها أوعية إعلامية أفلست بالفعل أو في طريقها إلى الإفلاس..
ابتداء فإن الأديب الذي يصف نفسه بالإله أديب مطعون في فهمه لفحوى الأدب فضلا عن غروره الذي يدعو إلى الاستهزاء طبعا؛ فبينما الأدب مضمون مشتبك مع الناس بصورة مباشرة تبقى الألوهية مضمون علوي منزه عن الاشتباك المباشر، وبينما الأدب رسالة لا ثواب فيها ولا عقاب فالرسالة الإلهية تنبني بكلياتها على القيمتين المتناقضتين!

أما الناقد الإله، ويا للسخرية الحاضرة في التسمية، فحاله أكثر سوءا بلا جدال؛ لأن الإله، أعني الواحد الحق الذي أراد بشري مضطرب أن يتشبه بملكوته، مقدار ما يوجه الآخرين إلى مراده فإنه لا يحبطهم ولا يهدمهم، كما يفعل البشري المتشبه، ولكنه يفتح لهم أبوابا فسيحة طيبة للوصول إلى صواب تام يراه تصحيحا لأخطائهم..
أعلم أن المعنى الذي يقصده الأديب مجازي لا حقيقي، وكذلك الناقد، بل جميعنا قد نبالغ أحيانا فنقول عن شخص ألمعي بارع إنه إله في مجاله، نقول ما نقوله، لكنه يظل حبيس دائرة محدودة، ويظل أساسه الافتتان وليس بالأساس المتين، ونحن نعلم كونه مديحا صارخا لا أكثر، وقد نعلم الباقين البعداء من باب الأمانة، لكن من أقصدهما هنا جاوزا كل الحدود؛ فقد منحا ذاتيهما اللقبين العظيمين دون أن يمنحهما أحد شيئا، وأعلناهما، بلا مبالاة، ولم يكتماهما، ولم يريا أنهما متزيدان قط، والمطلوب الآن أن يفهما معنى الاستفزاز الفظيع الذي ينطوي عليه الأمر، وكله، بالمناسبة، لا يضيف إلى أي منهما أية قيمة، لو كانا موهوبين حقا، بل العكس هو الصحيح إذ ينال منهما تماما، ويشير إلى نقص فيهما يريدان تعويضه، وأنا لا أرى داعيا عموما لألقاب وكنيات تفرق الساحة الأدبية والنقدية فوق تفرقها، ومن الأصل تثبت للإنسانية درجة لا تليق ببساطة تركيبتها، وتجعل الناس في قلق وريبة من الناس، وهو مما لا يصح بأي نطاق.
نحن أمام شخصين، في وسطنا الثقافي، يزعمان الألوهية الأدبية والنقدية زعما جادا متكررا، وقد سفها أحلام الجميع تقريبا، جديدهم وقديمهم، لترسيخ عرشيهما الوهميين، والواجب أن يتحد ذوو العقول والآراء ضدهما ليرتدعا!!