رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

120 يومًا على الحرب الروسية الأوكرانية.. غياب ثقافى مدمر

مع كل حرب تتصاعد تداعياتها الأساسية، التي تمس حياة الناس التي تدعم وتيرة التصدي، والمقاومة، وفي ذات الوقت، تتباين المواقف والأعمال والقرارات، أحيانا تصل إلى حد تدمير الوعي، وعمليات التنوير والتنمية المستدامة. 
مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية يومها الـ 120 وأكثر، غابت على وقع المعارك والدمار المنهج، وحركة اللاجئين، معالم الثقافة والفنون، سواء في أوكرانيا أو روسيا.

*حركة المقاطعة الثقافية لروسيا في العالم. 
لعل أبرز ما دمرته الحرب، وما نتج عنها ثقافي وفنيا وإعلاميا، تلك الحركات التي دعت وأصرت على "المقاطعة الثقافية لروسيا في العالم"، وسط جدل ثقافي ومعرفتي شرس، ظهرت أثاره الكبيرة، بين المنظمات والمؤسسات والمتاحف والمسرح وقطاعات الفنون كافة، وأقسمت الاتجاهات وردود الفعل بين مؤيد لهذه الأشكال من المقاطعة، والإجراءات الحادة التي تبادلتها قوى الصراع، فكانت المقاطعة مؤلمة لقطاع مهم، شمل أيضا، إن روسيا بادرت إلى تعميم مقاطعة ضد الثقافة الأوكرانية؛ ذلك الوضع الذي شتت الإبداع الإنساني وغيب دور الثقافة والفنون، كقوة أمنية وإنسانية وحضارية ناعمة.

*الحقوق الثقافية، بحسب الأمم المتحدة.

ضمن هذه المعركة المتوازنة مع المعارك ووقع المدافع، حذرت خبيرة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ألكسندرا زانثاكي، المقررة الخاصة المعنية بالحقوق الثقافية: من أن الانتهاكات متعددة الطبقات للحقوق الثقافية في أوكرانيا، سيكون لها آثار مدمرة في حقبة ما بعد الحرب.

"زانثاكي" قالت: "كما هو الحال في النزاعات الأخرى، نشهد حاليا انتشار المعاناة في أوكرانيا التي لا يبدو أنها تنتهي ولا يمكننا التوقف، إن التشكيك وإنكار هوية وتاريخ الأوكرانيين واستخدام ذلك كمبرر للحرب، هو انتهاك لحق الأوكرانيين في تقرير المصير وحقوقهم الثقافية".

الخبيرة الأممية، أكدت أن الخسارة الكبيرة للتراث الثقافي وتدمير القطع الأثرية الثقافية تثير القلق بالنسبة لهوية كل من الأوكرانيين والأقليات داخل أوكرانيا، وستؤثر على إنشاء مجتمع سلمي متعدد الثقافات بعد نهاية الحرب، وأنه إزاء الأضرار التي لحقت بمراكز المدن والمواقع الثقافية والمعالم الأثرية والمتاحف التي تضم مقتنيات مهمة، "هذه كلها جزء من هوية الناس في أوكرانيا. وسيكون لخسارتها تأثير دائم".

.. وحاولت الخبيرة الأممية، إبراز تحذيراتها من أن الحقوق الثقافية لجميع الأفراد، بمن فيهم الأوكرانيون والروس وغيرهم من أفراد الأقليات الذين يعيشون داخل أوكرانيا والاتحاد الروسي وأماكن أخرى يجب احترامها وحمايتها بشكل كامل.

توقفت "زانثاكي"، مع المهنيين الثقافيين في أوكرانيا الذين يكرسون جهودهم لحماية موارد التراث المعرضة للخطر واللجوء إلى التعبير الفني؛ للتعبير عن رفضهم للحرب والدعوة إلى السلام، مع إبراز أسفها إزاء الاستبعاد العشوائي للفنانين الروس من الأحداث الثقافية.
*البرلمان الأوكراني يمنع بث الموسيقى الروسية، وتوزيع الكتب الروسية.

اللافت في هذه المعركة، أن البرلمان الأوكراني، صوّت لصالح قرار منع بث بعض أعمال الموسيقى الروسية في وسائل الإعلام والأماكن العامة.

.. ويلفت القرار التشريعي، إلى أن المنع لا يشمل الحظر، كافة الأعمال الموسيقية الروسية، بل تطال الموسيقى التي ألّفها أو أدّاها المواطنون الروس بعد عام 1991.

ويستطيع الفنانون الذين أدانوا الحرب الروسية في أوكرانيا، أن يتقدموا بطلب إعفائهم من الحظر.

وشمل القرار أيضاً، حظر استيراد الكتب من روسيا وبيلاروسيا.

جغرافيا، وتاريخيا وثقافيا كان سكان مناطق شرق وجنوب أوكرانيا، يشعرون برابط تاريخي قوي مع روسيا، ولطالما كانت اللغة الروسية لغتهم الأولى.
وصوّت 303 نواب لصالح مشروع القرار، من أصل 450 عضواً في البرلمان الأوكراني.
الحظر، يعني بالنسبة للبرلمان الأوكراني: "سيقلّل من خطر بثّ الدعاية المضادة في أوكرانيا من خلال الموسيقى، وسيزيد حجم الإنتاج الوطني الموسيقي في الفضاء الثقافي".

وعمليا، سيسري الحظر على الموسيقيين الذين يحملون الجنسية الروسية أو كانوا يحملونها في أي وقت بعد 1991 - العام الذي أعلنت فيه أوكرانيا استقلالها - باستثناء الأوكرانيين أو الذين كانوا كذلك عند وفاتهم، ما يعني أن أعمال المؤلفين الروس الذين ماتوا منذ زمن بعيد، مثل تشايكوفسكي وشوستاكوفيتش، لا يشملها قرار الحظر ويمكن بثّها.

ويمكن للفنانين الروس الذين يدينون الحرب في أوكرانيا، التقدم بطلب إلى خدمة الأمن الأوكرانية للحصول على إعفاء موسيقاهم من الحظر، على أن يذكروا أنهم يدعمون سيادة وسلامة أوكرانيا، وأن يدعوا روسيا لوقف عدوانها على أوكرانيا فوراً، مع الامتناع عن أي خطوات تتعارض مع هذه البيانات المكتوبة، وفق ما ذكر قسم خدمة بي بي سي اللغة الأوكرانية.

وتضمن القرار أيضًا قوانين لزيادة حصة الأغاني الأوكرانية من البثّ على الراديو إلى 40 في المئة، فضلاً عن زيادة استخدام اللغة الأوكرانية في البرامج اليومية إلى 75 في المئة، وفقًا لتقرير الإذاعة العامة الأوكرانية.

*الإبداع والكتب الروسية طالها المنع

البرلمان الأوكراني، قرر مشروع قانون ثان، حظر بموجبه الكتب المستوردة من روسيا وبيلاروسيا والأراضي الأوكرانية المحتلّة، وكذلك المواد الروسية المستوردة من دول أخرى.

يطال هذا القانون نشر وتوزيع الكتب التي كتبها مواطنون روس (مع استثناءات مماثلة لتلك الخاصة بالموسيقى)، على الرغم من أن هذا لن ينطبق على الكتب الروسية التي سبق ونشرت في أوكرانيا.
.. وسيكون الإجراء الثقافي، نشر الكتب المترجمة باللغة الأوكرانية فقط، أو باللغات الرسمية للاتحاد الأوروبي أو باللغات الأوكرانية الأصلية.
*مسرح الشعب المقاوم.

في وسط هذا المنع والحظر وأشكال المقاطعة، وتحت ويلات الحرب، تبرز ردود الفعل الفني والتراث الشعبي، والحكواتي والمسرح الخفيف، فتقول التقارير ان الشعب الأوكراني في الملاجئ، يعيش حالة من: لا طرافة ولا شيء مضحك في الحرب، يدرك الأوكرانيون ذلك جيداً، لكنهم مع ذلك يحاولون مواجهة الغزو الروسي لبلادهم بالسخرية، آملين أن تساعدهم على تجاوز الفظائع والحفاظ على سلامة عقولهم في ظل مقتل عشرات آلاف الناس في البلاد ودمار مساحات شاسعة.

.. والمثير في ما يردنا من أشكال الترفية أن هذا النوع من الثقافة: يتربع، خلالها انتقاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقواته، خاصة القتلى والجرحى، على رأس قائمة المواضيع المفضلة للتندر وإثارة الضحك عند الكوميديين الأوكرانيين، لكن الفكاهة السوداء تتوقف حدودها عندما يعتبرونه عصي على التندر؛ القتلى الأوكرانيون والمعارك الأسوأ كحصار ماريوبول ومصنع آزوفستال وما حصل في بوتشا وغيرها.

بعيدا عن جبهات القتال فإن الفعل الثقافي يجنح نحو النكات والفكاهة هي السلاح ضد روسيا، ضد الوقت والحرب والوحدة والاكتئاب وكل ما تخلفه الحرب من حزن وآلام.

*الكوميديان أنطون تيموشينكو

يعيش الكوميديان أنطون تيموشينكو، حالة اغتراب ومعاناة ثقافية وفنية، رؤيتهم: "هذه هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ صحتي العقلية في الحرب، على ما أعتقد، لأنني لا أملك المال لطبيب نفسي.. الكثير من الأوكرانيين لا يملكون المال الكافي للذهاب إلى الأطباء النفسيين، لذا مشاهدة عرض كوميدي حي يعتبر علاجاً نفسياً رخيص الثمن. تدفع ثمانية أو عشرة دولارات فقط (سعر التذكرة) وتضحك لمدة ساعة. هذا يساعدني كما أعتقد. لذا، نعم، من الجيد أن نسخر من الحرب".

يقدم تيموشينكو وكوميديون آخرون عروضهم في عطلة نهاية الأسبوع في ناد كوميدي في الطابق السفلي بالعاصمة الأوكرانية كييف.

*الثقافة الأوكرانية.. حضارة وحياة

في كل الدراسات المعاصرة، تعد الثقافة الأوكرانية هي تركيبة من القيم المادية والروحية للشعب الأوكراني التي تشكلت عبر تاريخها (التاريخ الأوكراني)، وتتشابك بشكل وثيق مع الدراسات العرقية حول أصل أوكراني والأوكرانية التأريخ الذي يركز على التاريخ من كييف والمنطقة المحيطة بها.

.. وفي ذلك، أنه على الرغم من أن البلاد كافحت في كثير من الأحيان للحفاظ على استقلالها، فقد تمكن شعبها من الاحتفاظ بممتلكاتهم الثقافية وهم فخورون بالإرث الثقافي الكبير الذي خلقته. وقد ساهمت العديد من الكتاب إلى التاريخ الأدبي في البلاد مثل تاراس شيفتشينكو وإيفان فرانكو، شهدت الثقافة الأوكرانية انتعاشًا كبيرًا منذ الاستقلال في عام 1991.

الثقافة الأوكرانية المعاصرة، تشكلت على أنها سلالة من دولة كييفان روس القديمة المتمركزة في كييف وكذلك مملكة غاليسيا فولينيا، وكلاهما يدعي الأوكرانيون أنهما أسلافهما التاريخيين. لذلك كان لديه ثقافة مشتركة والتاريخ مع الدول المجاورة، مثل بيلاروسيا و روسيا.


..في واقع الحال، وقبل الحرب، كان على الثقافة الأوكرانية التغلب على العديد من العقبات من أجل البقاء والاحتفاظ بأصالتها، حيث إن القوى والإمبراطوريات الأجنبية التي هيمنت على البلاد وشعبها في الماضي غالبًا ما نفذت سياسات تهدف إلى استيعاب السكان الأوكرانيين في سكانها، وكذلك محاولة للقضاء على عناصر الثقافة وتطهيرها. على سبيل المثال، فرضت سياسة الترويس عقبات كبيرة أمام تطور الثقافة.
.. هي الحرب، التي أودت بالثقافات، والإبداع الإنساني، وسط الدمار والحرائق، وأضاعت معالم الفكر والثقافة والفنون، وهي كانت ومازالت تراثا بشريا، يفترض حمايته وصونه وضمان ديمومتها للأجيال. 
..حتما ستختلف أشكال ثقافة العالم بعيدا عن الثقافة والفنون في أوكرانيا وروسيا.. لكنها لعنة الحرب. 


*[email protected]
*حسين دعسة، مدير تحرير في جريدة الرأي الأردنية