رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعجزات والفكر الدينى

لاشك أن المعجزات كانت قد ارتبطت بالفكر والتاريخ الإنسانى منذ ارتباط الإنسان بالأسطورة والفكر الأسطورى. كما أن الأديان بشكل عام لم تتجاهل المعجزات بشكل مباشر أو غير مباشر بهدف الإثبات والتدليل على القوة الإلهية القادرة، كما أن المعجزات ليست لها صفة الديمومة لأنها حالة استثنائية لا تتكرر وألا تكون قد فقدت قيمتها. هنا لنا أن نعرف أنواع الفكر حتى نصل إلى التوصيف الصحيح لما يتصوره البعض أنها معجزات، فالفكر الأسطورى هو تفكير الشعوب فى عصور ما قبل العلم فكانت الأسطورة هى الوسيلة الوحيدة فى تفسير الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية. أما الفكر الغيبى فهو طريقة فى تفسير الأمور وتحليلها تحليلًا لا يعتمد على معطيات الواقع إنما يرجع الأمور دائمًا إلى قوة تتجاوز إدراكنا الحسى، ثم يقولون (ربنا عايز كده) وهو تعبير لا يليق بقدرة الله وعظمته، وهذا بالطبع غير الايمان بالغيبيات. فالإيمان بالغيبيات لا يبرر التفكير الغيبى الذى يتناقض مع التفكير العلمى ولذا فهو التفكير التغييبى وليس الغيبى فقط. أما الخرافة فيمكن أن يؤمن بها شخص ويرفضها أخر فهى فردية ولا تشكل عقبة فى مسيرة العلم، مع العلم أن التفكير الأسطورى قد اختفى فى مجاله وحل محله العلم فى حين أن الخرافة لا تزال تتعايش مع العلم وتمارس تأثيرها حتى الآن. أما التفكير العلمى فهو امتلاك الإنسان العقل النقدى ومهارات التفكير العلمى والقدرة على النقد والاستنباط والتحليل ووضع الفرضيات للوصول إلى نتائج وحلول موثوقة ومدعمة بالأدلة وذلك فى كل مجالات الحياة. هنا هناك علاقة بين تلك التعريفات وبين الفكر الدينى بشكل عام؟ لما كان الفكر الدينى هو تفسير وتأويل النص المقدس لذا فإن هذا الفكر ليس مقدسًا قداسة النص، وبالطبع فإن الفكر الدينى هذا كان ويتكون بطريق التراكم المعرفى من خلال عدة وسائل. أولها ما يكتسبه الشخص من أسرته عن طريق النصح والمعلومات الدينية المكتسبة والموروثة من متحصلات العلوم الدينية العامة وغير المتخصصة والتى لا تخلو من تأثير أسطورى أو قصة خرافية اكتسبت خطأ وضع القداسة الموروثة وهى لا علاقة لها بالقداسة من قريب أو من بعيد، ثم يأتى المتحصل الدينى فى عمومة من المجتمع ومن المدرسة. ذلك المتحصل الذى تسيطر عليه مقولات وقصص وتراث منقول وموروث ولا أحد يحاول مناقشته أو تنقيته فتظل عملية التوريث قائمة. ثم نأتى بعد ذلك للعلوم الدينية عن طريق المؤسسات الدينية إسلامية ومسيحية، هذه المؤسسات تتعامل مع الدين وليس الإيمان الفردى والذاتى للمؤمن. وهذا يعنى أن المؤسسة يكون دورها البحث والتفقه والتفسير، للنص الدينى والحفاظ على الموروث من هذه الأبحاث وتلك التفاسير خاصة ما تم تسلمه من كبار الفقهاء وعلماء اللاهوت، وعلى اعتبار هذا الموروث، لا يأتيه الباطل فهو مكتمل بالرغم من أنه فعل وفكر بشرى قابل للصواب والخطأ. ولكن ولأن المؤسسات الدينية من الطبيعى جدًا أن تحافظ على تراثها وكينوتها التاريخية والمؤسسية فترجم ذلك بغلق باب الإجتهاد خوفًا من مواجهة التقليديين ومسايرة للموروث الشعبوى للمتدينين. حتى وجدنا ونجد فى كثير من الأحيان بعض رموز المؤسسة من يجتهد ويجدد ولكن لا يجد تجاوبًا من الحرس القديم. هذا فى مجمله وبكل وضوح يجعلنا يمكن أن نقول إن تفكيرنا الدينى هو نتاج مجمع من كل أنواع هذه الأفكار بنسبة أو بأخرى، هنا لابد أن نذكر ما يدور الأن حول مياه المجارى لبعض المساجد والتى أعتبرها البعض أنها مياه مقدسة تشفى المرضى وتبارك البشر وتحميهم من الشر. لدرجة يقال إن البعض كان يعبأ هذه المياه كل واحد بقدرته حتى يحصل على أكبر كمية فى المقابل هناك ما يسمى برملة أبونا يسى فى طما، وهى الرملة المحيطة بقبر ذلك القمص والتى أعتبروها مقدسة وأنها تشفى كل الأمراض. (الرملة تشفى الأمراض) فى الوقت الذى لا يتوفر فيه هذه الرملة حول القبر يتم التعبأة برمال أخرى وفى وجود الجهلة ويغترفوا منها أيضًا. فما هذا الذى يحدث؟ وما السبب؟ وهل هناك دورًا حقيقيًا للمؤسسات الدينية لمواجهة هذه الخرافات؟ أم أن هناك من يسترزق منها بحجة (كل واحد حسب إيمانه). لا يمكن أن تستقيم الأمور فى وقت نسعى فيه جميعًا إلى النهوض بدولة ديمقراطية مدنية حديثة تواجه ثورة علمية فاقت كل تصورات البشر التقليدية بمثل هذه الأفكار الأسطورية والخرافية والغيبية والأخطر تحت مسميات وادعاءات دينية وبفكر دينى خاطئ مطلوب تصحيحه حتى يتم تصحيح مجمل الفكر الدينى والسياسى والإعلام والثقافى. حمى الله مصر وشعبها العظيم حتى نصل بمصر التطور والتقدم مصر كل المصريين.