رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمرو دوارة: استغرقت 25 عامًا فى كتابة تاريخ المسرح.. وأُجهِّز لأوبريت غنائى ضخم

عمرو دوارة
عمرو دوارة

 

الدكتور عمرو دوارة، الحاصل على جائزة الدولة للتفوق، هو أحد رموز المسرح المصرى خلال العقود الماضية، لما له من دور حقيقى فى توثيق المشهد المسرحى فى مختلف فتراته، وتأسيس أهم وأبرز الجمعيات والكيانات المسرحية التى كان لها بالغ الأثر فى دعم وتطوير «أبوالفنون». وخلال مسيرته أطلقت الصحافة على «دوارة» لقب «نقيب هواة المسرح»، خاصة عقب تأسيسه «الجمعية المصرية لهواة المسرح» أول كيان رسمى لهواة «أبوالفنون»، كما أطلق عليه عدد من النقاد لقب «حارس ذاكرة المسرح المصرى»، و«جبرتى المسرح»، نظرًا لجهوده الكبيرة والمميزة فى توثيق المسرح المصرى ومطالبته بتخصيص ٢٠٢٠ ليصبح عام المسرح المصرى احتفالًا بمرور قرن ونصف القرن على بداياته. ويفضل «دوارة» لقبًا آخر أُطلق عليه هو «راهب المسرح»، بالنظر إلى كونه رجل مسرح بامتياز، تعددت أدواره فى مجالات الإعداد والإخراج والنقد والتوثيق والإدارة، وكونه أخلص لمشروعه المسرحى والبحثى وكرّس حياته له. وحصل الدكتور دوارة مؤخرًا على جائزة الدولة للتفوق فى مجال الآداب، عن مجمل أعماله فى مجال التوثيق والتأريخ المسرحى، وقد كان لـ«الدستور» هذا الحوار معه.

■ أنت نجل الناقد والمثقف الكبير فؤاد دوارة.. كيف أسهمت النشأة فى بنائك الإنسانى والمعرفى؟

- أسعدنى القدر بنشأتى وسط مناخ ثقافى وفنى متميز، فعائلة «دوارة» تضم العم الأكبر المؤلف المسرحى والإذاعى محمد دوارة، وولديه المخرج الإذاعى عاطف دوارة والصحفى الفنى علاء دوارة، وهناك أيضًا العم المترجم والقاص سعد دوارة، وشقيقهما الأصغر والدى شيخ النقاد المسرحيين، ولا يمكننى إغفال دور والدتى زميلته الحاصلة على ليسانس الآداب فى اللغة الإنجليزية. 

وتعلمت منهم على المستوى الإنسانى الكثير من الصفات الحميدة، ومن أهمها الالتزام والمصداقية واحترام المواعيد وتقدير جهود الآخرين، وعلى المستوى المهنى تعلمت قيم الجدية والدأب والتحمل والإصرار، والبحث عن كل المصادر والمراجع المتاحة والمرتبطة بموضوع البحث والاستعانة بها مع ذكرها بوضوح وفقًا لمقتضيات الأمانة العلمية. 

كما التقيت فى بيتنا رموز الأدب والفنون والثقافة بالقرن العشرين وتحاورت معهم، مثل: محمود تيمور وتوفيق الحكيم وفتحى رضوان ونجيب سرور وسمير خفاجى وزكى طليمات والسيد بدير وعبدالرحيم الزرقانى وعبدالمنعم مدبولى، وكذلك نخبة من كبار النقاد من بينهم محمد مندور وعلى الراعى ومحمود أمين العالم ولويس عوض وإبراهيم حمادة. 

■ تعددت مصادر المعرفة لديك ودرست الهندسة والفلسفة والفنون والآداب.. كيف أثر هذا فى ممارسة الفن والنقد؟

- العلوم والفنون جميعها تتكامل مع بعضها بعضًا، وكان حصولى على درجة الماجستير فى مجال هندسة نظم المعلومات، وهو المجال الذى تخصصت فيه منذ تخرجى فى هندسة القاهرة عام ١٩٧٨، ومارست العمل فيه بتميز فى عدة مشاريع كبيرة بمجالات الصناعة والإسكان والصحة وغيرها. 

ومع بدء دراستى الأكاديمية فلسفة الفنون اكتشفت مدى غياب المراكز البحثية المتخصصة، وندرة المعلومات والوثائق بالمركز القومى للمسرح، مقارنة بهذا الإنتاج المسرحى الضخم على مدى أكثر من ١٥٠ عامًا، وكذلك غياب الدوريات المسرحية من مجلات متخصصة أو صفحات مسرحية بالصحف والمجلات، خلال بعض الفترات سنوات طويلة متتالية.

■ توجت إسهاماتك فى التوثيق بموسوعة المسرح المصرى.. كم استغرقت فى إنجازها؟

- استغرق إنجازها أكثر من ربع قرن، وهى توثق لسبعة آلاف وخمسمائة مسرحية تم إنتاجها خلال ١٥٠ سنة مسرح، وبالتحديد من بدايات المسرح المصرى الحديث عام ١٨٧٠ بفضل إسهامات الرائد المصرى يعقوب صنوع، وتصدر بإذن الله فى ١٨ جزءًا و١٧ ألف صفحة، وصدر منها بالفعل عشرة أجزاء والباقى بالمطبعة حاليًا.

ويعتقد البعض أن إسهاماتى فى مجال توثيق المسرح المصرى تنحصر فى هذا الإنجاز الضخم، ولكن فى الحقيقة أن ذلك الاعتقاد ظلم وإجحاف كبير، لأن ما يقرب من ٥٠٪ من إصداراتى «البالغ عددها ٣٦ كتابًا» هى فى مجال التوثيق، ومن بينها: ٣ كتب عن ٣ فرق مسرحية مهمة وهى: فرقة «ملك» ومسرحها الغنائى، والمسرح القومى، والمسرح الكوميدى، و٤ كتب عن أربعة ممثلين كبار هم: يوسف وهبى وحسين رياض وسميحة أيوب وعبدالله غيث، و٦ كتب عن ٦ مخرجين كبار هم: كمال عيد وكرم مطاوع وأحمد عبدالحليم وجلال الشرقاوى ومحمود الألفى وهناء عبدالفتاح، ودراستان عن كل من المخرجين نجيب سرور وعبدالغفار عودة، بالإضافة إلى بعض الكتب التوثيقية الأخرى مثل: «فؤاد دوارة عاشق المسرح الرصين، وشموع مسرحية انطفأت بلا وداع، ومسرح الأقاليم وعلامات على الطريق»، وكذلك الكتاب المهم جدًا «المسرح المصرى مائة وخمسون عامًا من الإبداع»، كما تعاونت مع المركز القومى للمسرح فى إعداد المادة العلمية لعدد من الأفلام التوثيقية.

■ كان لك فضل فى تأسيس الجمعية المصرية لهواة المسرح.. كيف جاءتك الفكرة وما الدور الذى أدته فى الواقع المسرحى بمصر والوطن العربى؟

- بداية يمكن تصنيف فرق الهواة إلى فرق تابعة لقنوات رسمية مثل المسرح الإقليمى «هيئة قصور الثقافة»، والمسرح المدرسى، والجامعى، وفرق مراكز الشباب، ومراكز الفنون، وفرق مسارح العمال والشركات، وفرق غير تابعة لجهات رسمية مثل: فرق الجمعية المصرية لهواة المسرح، والفرق المستقلة، والفرق الحرة.

بدأت الفكرة بمبادرة تأسيس فرقة «مجانين المسرح» كمنتخب مستقل لطلبة الجامعات حتى لا تقتصر عروضها على عرض الليلة الواحدة فى إطار التسابق، ولتقليل المعاناة فى التمويل والبحث عن أماكن للبروفات والعروض، وترسخت الفكرة لدىّ عقب سفرى للخارج ودراستى أحوال فرق الهواة وتواصلى مع «الاتحاد العام لجمعيات هواة المسرح» بالدنمارك. 

وفى أكتوبر عام ١٩٨٢، تم إشهار «الجمعية المصرية لهواة المسرح» كممثل شرعى ووحيد للهواة فى جميع تجمعاتهم وقنوات أنشطتهم بالقاهرة والأقاليم.

والهدف الأساسى للجمعية هو نشر الوعى الثقافى والمسرحى والارتقاء بهواة المسرح فكريًا وفنيًا وخلق حركة مسرحية واعية، وتقديم المسرح البديل.

وتضم الجمعية فى عضويتها أكثر من تسعة آلاف عضو، كما أصبحت لها عدة فروع بالمحافظات، كما تضم أكثر من ١٧٠ فرقة هواة مشهرة ومسجلة وأكثر من ٤٠ فرقة مسرحية حرة، وترتبط بعلاقات جيدة مع جمعيات الهواة بالدول العربية والأجنبية، ويحسب لها مشاركتها فى تأسيس رابطة «مسرح بلا حدود»، ورابطة «مسرح البحر الأبيض المتوسط».

نظمت الجمعية خلال أربعين عامًا ثلاثين مهرجانًا متخصصًا، ولأن الهدف ليس احتفاليًا فقط، فقد حرصت على أن يكون لكل مهرجان موضوع أو تيمة أساسية: أربع دورات للمونودراما «١٩٨٤»، و«١٩٨٥»، و«١٩٨٧» و«٢٠٠٩»، وثلاث دورات للفصل الواحد «١٩٨٤» و«١٩٩٠» و«١٩٩٢»، ودورتان للمسرح الضاحك «١٩٩٤» و«١٩٩٦»، دورة للمسرح التجريبى «١٩٨٦»، وللديالوج المسرحى «١٩٩٣»، وللمسرح الاستعراضى «١٩٩٥» وللمسرح الشعبى «١٩٩٧»، ولمسرح الطفل «١٩٩٨»، وللمسرح العالمى «١٩٩٩». 

ولم يتوقف نشاط الجمعية خلال مسيرتها إطلاقًا، كما تم توفيق أوضاعها مؤخرًا طبقًا للقانون الجديد، ونستعد خلال الشهور المقبلة للاحتفال بذكرى مرور ٤٠ عامًا على تأسيسها. 

■ لفترة طويلة دار بينك وفنانى المسرح المستقل نقاش معرفى حول مفهوم الهواية والاحتراف.. ما مدى صعوبة وضع محددات لهذا المفهوم؟

- لا أتوقف كثيرًا أمام المسميات، وأهتم بالمضمون أكثر، ومن الحقائق الثابتة أن المسرح المصرى منذ بداياته الحديثة عام ١٨٧٠ اعتمد على هواة المسرح «ليس فقط بتجربة يعقوب صنوع ولكن أيضًا عروض عائلة قطاوى وفرقة الهواة التى قدمت عرض الإسكندر فى الهند»، كما أن كل الفرق التى تأسست حينها بدأت كفرق هواة «جورج أبيض، وعزيز عيد، وعبدالرحمن رشدى، ونجيب الريحانى، وعلى الكسار، ورمسيس ليوسف وهبى»، وكذلك تأسيس نقابة الممثلين والمعهد العالى للتمثيل. وعند تحوّل الهواة من مرحلة الهواية للاحتراف يصبح من الممكن إدراج فرقهم تحت مسميات الفرق الخاصة. 

واستخدام بعض الفرق، التى بدأت كهواة، مصطلح «الفرق الحرة» فى بداية تسعينيات القرن الماضى حينما قرروا خلق تيار جديد وتقديم مسرح بديل، وتنظيم مهرجان مستقل بديلًا عن مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى، الذى توقف آنذاك بسبب حرب الخليج. 

وخلال الدورة الأولى شاركت بالتأسيس وبعضوية اللجنة العليا للمهرجان، كما شاركت «الجمعية المصرية لهواة المسرح» بتقديم عدد من العروض ومن بينها عرض «مخاطرة جان دارك» الذى شرفت بإخراجه وشارك ببطولته: حنان شوقى ومحمد رياض. وإذا كنت أطالب بصفة عامة بضرورة دعم الدولة لجميع فرق الهواة ومن بينها الفرق الحرة والمستقلة، فإننى أرى أن هذا الدعم فى كثير من الأحيان ينتقص من حرية الإبداع والمبدعين ويهدد استقلالية الفرق. 

■ كنت رئيس مهرجان المسرح العربى لـ١٥ دورة.. لماذا توقف؟ وما الذى قدمه على مدى تاريخه لمسرح الهواة فى مصر والوطن العربى؟

- انطلقت فعاليات الدورة الأولى لمهرجان المسرح العربى بالقاهرة مع بداية الألفية الجديدة وبالتحديد عام ٢٠٠١، لتأكيد الهوية العربية وتحقيق فكرة تبادل الخبرات باستضافة بعض الفرق العربية الكبرى بمختلف الأقطار العربية التى تعنى بمسرح الفكر والكلمة، وتحديدًا بعد وأد ملتقى المسرح العربى الذى نظمت دورته الأولى والوحيدة عام ١٩٩٤.

ونجحت الجمعية فى تنظيم خمسة عشر مهرجانًا للمسرح العربى «خلال الفترة من ٢٠٠١ لـ٢٠١٧»، ونجح المهرجان فى جذب كبرى الفرق المسرحية العربية للمشاركة فى فعالياته، واستضافة ومشاركة كبار المسرحيين من مختلف الدول العربية الشقيقة. وكان له أكبر الأثر فى توثيق الروابط والصلات مع المسرحيين العرب. 

وتوقف المهرجان للأسف بعد الدورة الخامسة عشرة عام ٢٠١٧، لتعاظم المعوقات الإدارية مع الجهات الداعمة، كما جاء «مهرجان المسرح العربى» الذى تنظمه الهيئة العربية للمسرح بداية من عام ٢٠٠٩ ليقوض عملنا، رغم أن مهرجاننا كان له السبق فى التأسيس عام ٢٠٠٠. 

■ لماذا ابتعدت عن الإخراج المسرحى منذ ٢٠١٥؟

- الإخراج المسرحى هو مجال عشقى الأول وهوايتى ودراستى وعملى الذى أتقنه وأستمتع جدًا بممارسته، ولكن كان لا بد لى من التوقف والابتعاد عن الساحة مؤقتًا، ليس بسبب أحداث الثورة ولا جائحة «كورونا»، ولكن بسبب رفضى العمل فى ظروف صعبة وشاقة وبميزانيات هزيلة وبلا نجوم، أنا الذى لمعت بالنجوم معظم عروضى مثل: سهير المرشدى، وسميرة عبدالعزيز، وخليل مرسى، وحنان مطاوع، وانتصار، وعفاف رشاد، وعايدة فهمى، ومحمد رياض، وأنا كمخرج أعتز وأفتخر بمسيرتى الفنية وإخراجى لأكثر من ستين عرضًا مسرحيًا من بينها ثلاثون عرضًا للهواة، وثلاثون عرضًا بفرق مسارح الدولة المختلفة «الحديث، والغد، والشباب، والهناجر، وأنغام الشباب، وتحت ١٨» ومن بينهم خمسة عشر عرضًا للأطفال. وأغلب العروض تناولت قضايا الشباب المعاصرة وقضية الصراع مع السلطة، وانحازت لمطالب الأغلبية والبسطاء ونادت بمزيد من الحريات والديمقراطية. 

وكان «وهج العشق» عام ٢٠١٠ آخر عروضى بمسارح الدولة بمصر، ولكننى شاركت بعروض أخرى من إخراجى ببعض المهرجانات العربية وكان آخرها: مونودراما «الممثلة عاشقة نجيب محفوظ» بطولة انتصار، بالمملكة المغربية، ثم «شرف الكلمة» بالعراق بطولة خالد الذهبى وخالد عبدالحميد. وحاليًا أستعد لتقديم أوبريت غنائى استعراضى كبير.

■ حدثنا عن إشكاليات توثيق المسرح المصرى.

- الإشكالية الأساسية التى تواجه من يعمل بالتوثيق المسرحى، هى غياب البيانات والمعلومات الأساسية. وبصفة عامة تعتمد جهود التوثيق المسرحى على الثقافة الموسوعية للباحث ومهاراته فى البحث والتوثيق، وكذلك على بعض الصفات الشخصية كالدأب والإصرار والدقة، ولكنها تتطلب قبل كل ذلك توافر المراجع والكتب والدوريات المخصصة فى مجال الدراسة. ولكن بعيدًا عن الصفات الخاصة بالباحث ينقصنا بصفة عامة وجود المراكز العلمية المتخصصة، وأداء المراكز الموجودة حاليًا الدور المنوط بها بتسهيل مهمة الحصول على المراجع والدوريات والمعلومات للباحثين، وبتعبير آخر يجب على الدولة رعاية الباحثين والتعاون معهم بتطوير مراكز المعلومات وتسهيل الإجراءات وتوفير الأجهزة الحديثة وتوفير العمالة اللازمة لتشغيلها من الكوادر الفنية المدربة، وكذلك يجب على الدولة تشجيع الباحثين والدارسين على استمرار جهودهم، بتوفير العائد المادى اللائق وأيضًا تسهيل نشر وتداول أبحاثهم ودراساتهم حتى لا تصبح مجرد أوراق مركونة لا تستفيد منها الأجيال التالية.

وبالنسبة لى فقد استفدت كثيرًا من دراستى فى مجال هندسة النظم، كما أشرت سابقًا، ودراسة برمجة الحاسبات الآلية، واجتياز عدد كبير من الدورات فى مجالات التصنيف والفهرسة والتوثيق، وهى العلوم التى تدرس بقسم المكتبات بكليات الآداب. 

ومن خلال خبراتى الطويلة فى مجال التوثيق اعتمدت على منهجية «البازل» فى استكمال أى معلومات ناقصة عن العرض المسرحى، وذلك بعدما اتخذت من المسرحية، الوحدة الأساسية التى يمكن بتجميعها مع مجموعة مسرحيات أخرى، توثيق عروض كل فرقة مسرحية، مع دراسة السياقات الاجتماعية والتاريخية. بالطبع لجأت إلى استرجاع كل الصحف والمجلات والكتب المسرحية والمذكرات الشخصية، إضافة إلى المقابلات الشخصية مع عدد كبير من المسرحيين بمختلف التخصصات الفنية من أكثر من جيل.

■ بذلت جهدًا كبيرًا فى توثيق فنانى الظل فى المسرح المصرى.. من وجهة نظرك لماذا لا يتم تقدير المسرحيين ولا يُلتفت لمعاناتهم؟

- لا يتم تقدير فنانى المسرح ولا يلتفت لمعاناتهم للأسف الشديد نظرًا لأننا نفتقد الذاكرة الفنية وسريعًا ما ننسى إسهامات الفنانين بمجرد انحسار وغياب الأضواء عنهم.

لقد بدأ اهتمامى بالتوثيق المسرحى مع بداية ثمانينيات القرن الماضى أثناء انتهاء مرحلة دراستى للحصول على دبلوم النقد عام ١٩٨٤، ثم تأكدت أثناء فترة إعداد الرسالة للحصول على درجة الماجستير فى فلسفة الفنون عام ١٩٩٠، ووفقنى الله مؤخرًا إلى الانتهاء من إعداد «موسوعة المسرح المصرى المصورة»، غير المسبوقة عالميًا، حيث ترصد كل المشاركين فى العروض المسرحية «المؤلفين والمخرجين والممثلين ومصممى الديكور ومؤلفى الموسيقى»، إضافة إلى دراسة حجم ونوعية الانتاج المسرحى بكل مرحلة، ورصد مدى تأثره بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث يتضح جليًا هذا التأثر عبر توقف الإنتاج المسرحى أثناء الثورة العرابية وبداية الاحتلال الإنجليزى «١٨٨٢- ١٨٨٤»، وتأثره كمًا وكيفًا بأحداث ثورة ١٩١٩، ثم بنفى زعيمها سعد زغلول وإقالة حكومة الوفد.

كما يتضح أيضًا    مدى تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية فى منتصف ثلاثينيات القرن الماضى على الإنتاج المسرحى، ما دفع كثيرًا من الفرق إلى وقف نشاطها أو تنظيم رحلات فنية إلى بعض الدول العربية، كما امتد هذا الـتأثير إلى ظهور وانتشار «مسرح الصالات»، وأيضًا تأسيس أول فرقة تابعة للدولة وهى الفرقة القومية عام ١٩٣٥.

وبنظرة على النصف الثانى من القرن العشرين، نجده قد شهد عدة تغيرات محورية ولعل من أهمها: نجاح ثورة ٢٣ يوليو وإعلان جمهورية مصر العربية، وتأميم القناة والتصدى لمعركة العدوان الثلاثى، وكذلك تأسيس فرق التليفزيون المسرحية فى بداية الستينيات، مرورًا بنكسة ١٩٦٧ ثم عودة الكرامة المصرية بنصر أكتوبر ١٩٧٣، ثم أعقب ذلك الانتصار خلال فترة النصف الثانى من السبعينيات من تغيرات سياسية باتخاذ سياسة الانفتاح الاقتصادى منهجًا وما تبع ذلك من تغير أساسى لطبقات المجتمع المصرى وبالتالى تغير أيضًا لنوعية المشاهد المسرحى، مما أثر كثيرًا على طبيعة العروض المسرحية، ولذا فقد كان من الطبيعى أن تنتشر ظاهرة العروض التجارية التى تعتمد على أرخص أشكال المسرح السياحى.

جائزة التفوق فى الآداب.. ماذا تعنى لك وما خصوصياتها ضمن الجوائز التى حصلت عليها على المستويين العربى والدولى؟

جوائز الدولة بصفة عامة هى أهم وأَقيم وأسمى الجوائز ببلادنا، وجائزة الدولة للتفوق تعد من أهم الجوائز التى حصلت عليها فى مسيرتى الأدبية والفنية، فبالرغم من تكريمى وحصولى على عدد من الجوائز المتميزة ببعض المهرجانات العربية والعالمية وتكريمى من بعض الحكام ووزراء الثقافة العرب، فإن التكريم الرسمى فى بلدى له مكانة خاصة ونكهة أخرى. وتعد هذه الجائزة بمثابة اعتراف رسمى من الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة بتقدير إسهاماتى المسرحية وتميزها، خاصة أن الجائزة قد مُنحت لى عن مجمل أعمالى الأدبية فى النقد والـتاريخ والتأليف، مع الإشارة أيضًا إلى إسهاماتى كمخرج. وما أسعدنى جدًا فى هذا التكريم وحصولى على الجائزة أننى لم أسع إليها بل رشحت لها من قِبل مجلس إدارة اتحاد الكتاب بالإجماع. ومظاهرة الحب التى انطلقت بعد إعلان النتائج والتهانى الصادقة من هذا العدد الكبير جدًا من المسرحيين، هى دليل وتعبير عن ذلك الحب الحقيقى والتقدير الكبير لشخصى ولإسهاماتى على مدى نصف قرن من الزمان.