رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مَنْ يملأ الفراغ؟

حادث منفرد كان يُعتبر قبل وقت قليل استثنائيًا يشعل القلوب، قد يتحول إلى سلوك دائم لا يشغل أحدًا.

على مدار سنوات، تابعنا سلسلة هجمات إسرائيلية متتالية ومتتابعة على سوريا، فى مناطق متفرقة، مطار تى فور، محيط دمشق، ومواقع أخرى.. لا أتذكر أن أحدًا منح تلك الهجمات اهتمامًا بما يكفى.

ربما لأنها أصبحت مكررة ومُعتادة، وربما بسبب موافقة الروس الضمنية، وربما لأن إيران ليست مستعدة لاشتباك مباشر وقوى فى هذه البقعة المتوترة فى العالم "سوريا"، وربما لأننا جميعًا مشغولون بأمور أخرى!

الأسبوع الماضى، بدا أن شيئًا جديدًا يحدث، والحادث الذى كان مُكررًا أصبح استثنائيًا، والصمت بات صعبًا، ومن هنا ظهرت تصريحات هنا وهناك.

إسرائيل نفذت هجومين فى دمشق خلال أسبوع واحد، فى غضون ثلاثة أيام، لم تعترف ولم تنكر، لكننا جميعًا "الإسرائيليين والروس والسوريين وأنا" نعرف أن الأيدى أيدى إسرائيل، والهجمات هجماتها.

الغارات قصفت مدارج مطار دمشق الدولى، مما أدى إلى تعطيله بالكامل وتعليق الرحلات الجوية إليه، القصف كان يستهدف شحنات أسلحة إيرانية متطورة نقلها الحرس الثورى الإيرانى إلى سوريا فى طائرات مدنية.

بعد الهجوم الاستثنائى تعالت الأصوات؛ روسيا قدمت اعتراضًا شديد اللهجة للقيادة الإسرائيلية، فيما أصدرت وزارة الدفاع الروسية بيانًا استنكرت فيه ضرب المدرجات المدنية وطالبت إسرائيل بالكف عن هذه التصرفات، وهددت بتغيير قواعد اللعبة فى سوريا والتخلى عن أسس الاتفاق بين البلدين بشأن العمل فى الأجواء السورية.

الاتفاق يسمى اتفاق الـ"٨٠ كيلومترًا" من الشريط الحدودى بين روسيا وإسرائيل، وبموجبه أبعدت روسيا إيران أكثر من ٨٠ كيلومترًا عن حدود إسرائيل مع سوريا، المشهد الحالى يروى قصة أخرى، وهى أن العلاقات بين روسيا وإسرائيل تشهد تراجعًا منذ اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، فالروس بدأوا يسمحون لإيران بالتواجد فى جنوب سوريا خلافًا للاتفاق.

سوريا لم تسارع فى توجيه الاتهام المباشر لإسرائيل، فى البداية أرسلوا شركة الطيران الخاصة "أجنحة الشام" لتعلن للمسافرين عن أن الرحلات تأجلت "بسبب مشاكل تقنية"، وأنهم سينطلقون من مطار حلب، وليس دمشق، ثم لاحقًا انتقد الرئيس السورى بشار الأسد، فى مقابلة تليفزيونية الهجوم، قائلًا إن الإسرائيليين يمارسون الإرهاب، وسوريا هى الضحية التى ستترك مساحة كبيرة لرد كلامى من جانب موسكو، "الأسد أراد أن يقول إن من سيرد هو روسيا".

إسرائيل تصرفت كأن شيئًا لا يوقفها، وحذرت الأسد من أن أحد قصوره سيصبح هدفًا لقوات الجيش الإسرائيلى فى غارته القادمة على سوريا، إذا استمر فى السماح لمحاولات إيران نقل أسلحة عالية الجودة إلى بلاده.

فى هذه النقطة الزمنية، فإن المعركة الآن بين روسيا وإسرائيل التى بدأت بالتحضير لعمليات فى عمق سوريا دون إبلاغ روسيا "تم إبلاغ موسكو قبل العملية بساعات محدودة".

ماذا يحدث؟

الحرب الآن هى معركة على من سيملأ الفراغ، هذه الانعطافة يمكن ربطها بتغيير التحرك الروسى فى سوريا، إذ تحدثت تقارير عن انسحاب القوات الروسية من سوريا وانتقالها إلى جبهة القتال فى أوكرانيا، فى الوقت الذى بدأ فيه الإيرانيون كما يبدو فى استغلال الفراغ الذى تركته روسيا وتعميق وجودهم فى سوريا، مما دفع إسرائيل إلى تعميق الهجمات على سوريا. 

مع حقيقة أن الوجود الروسى فى سوريا كان محدودًا فى الأساس، حيث كانت سياسة موسكو هى "أقصى حد من التأثير، مع أدنى حد من الاستثمار"، ووفقًا لهذا، فإن روسيا لا تحتاج للتواجد المكثف فى سوريا، ولكن فكرة انسحابها حتى لو قليلًا من سوريا ستغذى الوجود الإيرانى، مما سيدفع إسرائيل إلى المزيد من الهجمات.

السؤال الآن: لمن ستسمح روسيا بملء الفراغ؟