رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألم لا ينتهى.. ضحايا العنف الأسرى: «لن ننسى ما عانيناه من أذى نفسى وجسدى»

العنف الأسرى
العنف الأسرى

فوجئ سكان ميدان "الحجاز" بمنطقة مصر الجديدة، فى الثامنة من صباح الأحد الماضى، بسقوط فتاة "سارة" من أعلى شرفة شقتها فى الطابق الخامس، ليتبين لهم بعدها أنها طبيبة الأسنان البالغة من العمر ٢٥ عامًا.

خرج أهالى الفتاة وقالوا إنها انتحرت بإلقاء نفسها من الطابق الخامس، لكن صديقاتها فجّرن مفاجأة غير متوقعة، بتأكيدهن تعرض صديقتهن إلى عنف أسرى وربما احتمالية القتل، وفق ما قالت المحامية بالاستئناف العالى نسمة الخطيب، بعد تواصلهن معها لتولى القضية.

واستدلت صديقات "سارة" والمحامية على صدق روايتهن بوجود شهود على تعرضها إلى عنف أسرى على مدار فترة طويلة، ومشاهدة البعض كدمات وجروحًا على مناطق متفرقة من جسدها بعد الوفاة، فضلًا عن سقوطها وهى مرتدية حقيبة الخروج، ما جعلهن يستبعدن رواية الانتحار، مشددات على تعرضها إلى عنف أسرى قد يرقى إلى جريمة القتل.

وبغض النظر عما حدث مع «سارة» وستؤكده أو تنفيه التحقيقات، تتعرض عشرات أو حتى المئات من الفتيات والسيدات إلى عنف أسرى بشكل يومى، قد ينذر بتكرار مثل هذه الحادثة فى الفترة المقبلة، وهو ما سنعرضه فى السطور التالية.

مريم:تعرضت للضرب والإهانة من والدى وزوجى.. وفكرت فى الانتحار

حين قضت المحكمة لـ"مريم. ك" بالطلاق، بعد معاناة طويلة مع زوجها، لم تتذكر سوى العنف الذى مُورس عليها طوال عمرها، والذى انتقل معها من بيت أهلها إلى عش الزوجية، ولم تنسه حتى الآن، رغم تعدى عمرها الـ٢٥ سنة. بدأ الأمر بعنف الأب وهى فى العاشرة من عمرها، تقول: "كان كل شىء لا يتم إلا بالعنف والضرب، رغم أننى الابنة الوحيدة، ورغم محاولات أمى صد الأذى عنى، لم يمنع هذا والدى من فعله". وعندما كبرت وانتهت من الثانوية العامة، أُجبرت "مريم" على الالتحاق بكلية التجارة، على الرغم من رغبتها الشديدة فى دخول كلية الآداب، وكان ذلك الإجبار بـ"علقة سخنة" لا تزال آثار حروقها تدمى يديها وجبهتها من الجهة اليسرى، وتضيف: "لا أزال حتى هذه اللحظة أحلم بوالدى يصفعنى ويؤذينى رغم مرور كل تلك السنوات". أشد صور الإيذاء التى تعرضت لها "مريم" كانت إجبار والدها لها على الزواج وهى لا تزال فى السنة النهائية من كليتها، ورغم أنها رفضت بشدة، ضربها وصفعها عدة مرات، ووصل الأمر إلى لكمها وكأنها رجل، وفق ما حكت لـ"الدستور"، لتصاب وقتها بجروح وكدمات عديدة، ولم تكن الأم تقوى على أكثر من محاولة منع الأب.

لا تنكر "مريم" أنها فكرت فى الانتحار عدة مرات، لكنها لم تنفذ ذلك، بينما فعلت "سارة" طبيبة الأسنان سالفة الذكر، التى أجمعت روايات صديقاتها على أنها كانت دائمة الشكوى من الضرب الذى تتعرض له من والديها وشقيقها، ما دفعها إلى ترك المنزل، وعندما عادت قررت الانتحار، بعدما تعرضت إلى عنف لا يُطاق بسبب محاولة أهلها إجبارها على ارتداء الحجاب، وفق ما كتبته صديقة لها على مواقع التواصل الاجتماعى. ربما كانت "مريم" ستلقى نفس المصير، خاصة أنها بعد زواجها جبرًا لم تجد سوى عنف مماثل من زوجها لمدة عام كامل، حتى اتخذت قرارًا بالطلاق، تقول: "رفض زوجى وأبى والجميع مسألة طلاقى، إلا أننى فاض بى الكيل، فقررت ترك المنزل ورفعت قضية ضد زوجى". استطاعت "مريم" خلع زوجها منتصرة، كما تصف، وأصبحت الآن تعيش بمفردها دون عنف والدها وإيذاء زوجها المستمر، مختتمة بقولها: "ما زالت كل الأمور عالقة فى ذهنى، لأن الأذى النفسى والجسدى لا يمحى من الذاكرة".

رحاب: أبى عذبنى 3 سنوات.. فانفصلت عنه

"رحاب. هـ"، ٢٥ عامًا، تقول إن والدها اعتاد ضربها منذ وفاة والدتها قبل ٣ أعوام، موضحة: "تعرضت لكل أنواع العنف والإيذاء دون سبب".

وأضافت "رحاب": "ظننت فى البداية أن أبى يتصرف هكذا بسبب حزنه على وفاة أمى، فصبرت، لكن الأمر استمر لسنوات، وذات مرة ضربنى حتى تقيأت دمًا، وترك فى جسدى علامات كثيرة".

وتابعت: "تأثرت صحيًا ونفسيًا، وأُصبت برعشة فى يدى لا تزال تلازمنى حتى الآن، وأصبحت أخاف من أى رجل، وأرفض الزواج لأننى أرى أن أى رجل قد يفعل بى ما فعله أبى.. وحينما تخرجت فى الكلية قررت أن أعمل وأعيش بمفردى بعيدًا عنه".

وأوضحت: "أعمل الآن فى قسم العلاقات العامة بإحدى الشركات، وأعيش فى سكن مغتربات، ولا يعرف أبى أين أنا، ولن أسمح له بأن يعرف يومًا ما".

رباب:شقيقى عاقبنى لأنه تم التحرش بى

"رباب. م"، فتاة تعرضت للعنف الأسرى بواسطة شقيقها، الذى كان متشددًا ويفرض عليها ارتداء الحجاب، وذات مرة ضربها لأنها تعرضت للتحرش.

تقول "رباب": "كنت أسير فى وسط البلد بالقاهرة ذات مرة، وتحرش بى شخص، فدافعت عن نفسى وضربته، وأبلغت الشرطة وجرى حبسه، ورغم ذلك عاقبنى أخى وألقى اللوم علىّ".

وأضافت: "كانت ليلة لا تُنسى، فقد ضربنى حتى أصبت بارتجاج فى المخ وجرى نقلى للمستشفى، لأنه رأى أن ملابسى هى السبب فى تعرضى للتحرش.. أصبت الجانى بعاهة مستديمة، وبدلًا من أن يشجعنى عذبنى".

محامٍ: القانون يعطى للأب والزوج سلطة التحكم فى المرأة

رضا الدنبوقى، محامٍ حقوقى، قال إن فئات كثيرة فى المجتمع ترى أن العنف ضد الفتيات مبرر، وإن الرجال عليهم معاقبة النساء دائمًا والتحكم فيهن، وإنه كلما زاد العنف زادت الرجولة، مشيرًا إلى أن بعض الرجال يرون النساء ملكًا لهم.

وأضاف "الدنبوقى": "القانون يمنح الأب سلطة التحكم فى ابنته، ويمنح الزوج سلطة التحكم فى زوجته، والتمتع بها كما يشاء حتى إن رفضت ذلك، وفقًا للمادة ٦٠ من قانون العقوبات".

وتابع: "يُطبق فى مصر قانون العقوبات العام على العنف ضد المرأة، وفى العام ٢٠١٥ صدرت استراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد النساء، لكن حتى الآن لم تنفذ تلك الاستراتيجية".