رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المجارى المبروكة فى زمزم البحيرة

منذ شهور.. كنا فى أبيدوس.. أمام أقدم معبد فى التاريخ.. حيث علّم المصريون القدماء العالم كله.. وحيث أول موقع للحج فى العالم.. فى المكان نفسه وبعد كل هذه السنوات وقف طبيب مديرية الصحة يشرح لنا، فى حضرة وزيرة الثقافة وعدد كبير من أهل العلم والثقافة والدراسات الشعبية، تفاصيل بحثه ودراسته العلمية عن علاقة الكحريتة بالإنجاب. 

وقفنا شبه مصدومين.. نتأمل تفاصيل عملية الكحريتة أولًا.. وهى باختصار ذهاب عدد من النساء الراغبات فى الحمل إلى جبل بالقرب من مدينة البلينا، ثم الصعود إلى أعلاه، والتزحلق إلى أسفل فيما يشبه الكحرتة.. سيبك من خطورة الأمر الذى قد يعرض صاحبته لتحطيم ضلوعها.. فالمخاطرة أمر طبيعى لدى امرأة تريد الإنجاب فى الصعيد، واللى رماك ع المر.. الغريب ليس توافد هؤلاء النسوة منذ عشرات السنين وحتى هذه اللحظة رغم التطور العلمى الكبير.. وتعدد وسائل الاتصال.. وكثرة الأطباء وأساليب الكشف الحديثة.. ولكن الغريب كان بالنسبة لنا أن يقتنع طبيب نساء بالأمر.. بل ويقوم بإعداد بحث علمى.. والأغرب أنه يزعم أنه وصل إلى صحة الأمر.. من باب أن أحد أسباب تأخر الإنجاب يعود لأسباب نفسية.. من هذا الجانب فقط وجد الرجل طريقه إلى دراسته التى نشرها فى إحدى أهم المطبوعات العلمية.. بل إنه يؤكد أن بعض الحالات تم علاجها بالفعل. 

تذكرت القصة مجددًا، وعجب من سمعوها من الوزراء والمثقفين، وأنا أتابع ما جرى فى إحدى قرى محافظة البحيرة.. حيث انفجرت إحدى مواسير المجارى المرتبطة بأحد المساجد، فما كان من الأهالى إلا أنهم حولوها إلى مزار ومنتجع طبى يتبرّك المرضى به.. ويحصلون على المياه فى زجاجات، وكأنها مياه زمزم المبروكة لعلاج الأمراض، ومنها تأخر الإنجاب أيضًا.

وبعيدًا عن الذين حولوا الأمر إلى نكتة سخيفة ووجدوها فرصة للتندر والهزار البايخ.. فإننى رحت أبحث عن موقف المحليات.. لماذا صمت مسئولو مجلس المدينة وتركوا الماسورة كل هذه المدة دون إصلاح؟.. كيف عرّضوا حياة الناس لخطر شرب مياه ملوثة قد تصيبهم بأخطر الأمراض؟.. كيف تركوا الطفح يستمر حتى تحول إلى مزار مبروك سمع به الجميع وتوافد إليه الآلاف؟.. ألم يسمعوا بالقصة؟.. ألم تثر شغفهم؟.. أم أنهم يصدقون أيضًا أنها مياه مبروكة؟.. أين مديرية الصحة من الأمر؟.. هل ذهب رجالها لأخذ عينة من المياه وإدراك ما بها لتحذير الناس بشكل علمى؟.. وماذا عن رجال الأوقاف ومسجدهم؟.. ألم يخطب الإمام محذرًا، أم أنه هو الآخر يصدق أنها مياه زمزم، وقد انفجرت من تحت قدميه؟. 

الأمر شديد الغرابة.. سواء كان فى البلينا مع الكحريتة وطبيبها.. أو فى البحيرة وأهلها، ومن بينهم علماء ونوابغ.. ألم تكن هى البلد الذى أنجب زويل؟ 

مجددًا، أتامل تلك الحاجة النفسية التى أشار إليها طبيب سوهاج.. هل نحن فى حاجة بالفعل إلى علاج نفسى ونعتقد فى تلك الأشياء بأنها علاجنا حتى لو كنا نعرف الخطر الكامن فيها، مثلنا تمامًا مثل تلك السيدة التى تعشم فى «الحبل». 

أعرف أننا نحب الموالد والأولياء ونؤمن بالقدرات الخارقة لبعضهم وبكراماتهم.. لكن هذه الماسورة ليست من الأولياء.. دى مش ماسورة السيدة زينب... ده مرار طافح لو كنتم تعلمون.