رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رشاقة الفقر وسِمنة القهر

حتى فى زمن كورونا لا يزالون يتكلمون عن الوزن الصحى المثالى للجسم وعن الأعشاب التى تذيب الدهون وتخفف من السمنة، أصبح التخلص من زيادة السعرات الحرارية التى تدخل أجسامنا وتتفق مع الجسم المثالى، مادة للإعلام حتى فى زمن الوباء العالمى الذى يقتل الجسم حتى لو كان يتمتع بالوزن الصحى المثالى.
أنا لست ضد الحفاظ على جسد صحى، نشيط، يساعد الناس على المزيد من الاستمتاع بالحياة،  لكننى ضد تناول أى مشكلة أو ظاهرة دون أبعادها المتكاملة ودون تحديد ما هو رئيسى وما هو فرعى، بين ما هو السبب وما هو النتيجة.
يتم إظهار الناس على أنهم ليسوا فقط مخطئين فى حق أنفسهم ولكنهم أيضًا يضرون مجتمعهم، فالشعب المريض لن يكون أداة إنتاجية مُثلى.
كذلك تغيب مسئولية المجتمع عن أمراض الشعب، أو لماذا يلجأ إلى عادات غذائية مضرة.
كل البرامج الإعلامية تتكلم عن أمراض الناس واضطرابات الأفراد وأنماط الحياة غير المتزنة للرجال والنساء، ولا نجد برنامجًا واحدًا يتكلم عن أمراض المجتمع.
لا أقرأ ولا أسمع ولا أرى، أى مواد إعلامية بالكثافة نفسها يناقش الأضرار الصحية والاضطرابات النفسية والعصبية والجسمية الناتجة عن ضوضاء مكبرات الصوت فى الجوامع والمساجد عند الصلاة وتلوث الهواء بالعادم وتلوث الخضروات والفاكهة بالمبيدات وتلوث الشوارع والحوارى بالقمامة والفضلات والنفايات، لا أحد يقول لنا كيف نتأقلم مع تلوث الازدواجيات الفكرية والثقافية والأخلاقية، وكيف نتخلص من المادة الثانية من الدستور التى تمنح الفرصة والتبريرات الدستورية للوصاية الدينية وقوانين الحسبة وازدراء الأديان أن تعامل اختلافات الرأى المسالمة، مثلما تعامل عتاة الإجرام الجنائى والجواسيس والخيانة الوطنية.
وكلها حزمة واحدة متشابكة مترابطة، تدعم وتسعد تيارات الدولة الدينية والمتحالفين معهم محليًا ودوليًا وانتصرت مصر عليهم وأجهضت أحلامهم فى الحكم الدينى بالحديد والنار، وقال الله وقال الرسول فى 30 يونيو 2013.
ولا أحد يكلمنا عن كيف أن غشاء البكارة هو الآمر الناهى الجبار فى الحكم على فضيلة النساء، وكيف أن شرف الذكور العرب من المحيط إلى الخليج يتركز فى هذا الغشاء الذى يستوجب فقدانه ذبح وقتل وسحل وتجريس المرأة وأسرتها وعائلتها وختمها بالفجور والفسق والانحلال حتى تزف إلى قبرها وسط مباركة الثقافة الذكورية العفنة التى تكيل بمكيالين علنًا فى وضح النهار.
نحذر الناس من الإفراط فى الأكل وننسى أن الذين يفرطون فى الأكل نسبة ضئيلة، حيث ما يزيد على ٤٠٪ من الشعب المصرى تحت خط الفقر، فكيف إذن يفرطون فى الأكل وهم أصلًا "فى منتهى الرشاقة" لأنهم لا يتحصلون إلا على الفتات اللازم فقط للبقاء؟.
أما الأغنياء الذين يعانون السمنة الزائدة لأن لديهم أشهى المأكولات بوفرة ويقدرون على الإفراط فى الأكل فهم إما مرضى بداء عضوى يجعلهم يأكلون أكثر من احتياج الجسد، أو يعانون من أمراض نفسية مثل الاكتئاب أو يشعرون بالإحباط والملل وانعدام الهدف وخيبة الأمل والندم على قرارات وسلوكيات فات أوان تصحيحها.
إن المرأة مثلًا التى تُفرض عليها أدوار حددتها الثقافة الذكورية لن تسعدها، لن تنفعها، طرق التخسيس المشكلة ليست فى الأكل ولكن مع منْ تأكل هذه المرأة؟ وفى أى إطار تأكل؟ وما الثمن الذى تدفعه لتأكل؟.
لو اتبعت كل نصائح التغذية السليمة وزوجها يعاملها وفقًا للشرع كجارية كل وظيفتها الطاعة العمياء تحتمل الوطء والتنظيف والغسل وتربية الأطفال، هل يمكن لهذه المرأة أن تصبح حقًا "رشيقة"؟. 
والرجل مثلًا الذى يشعر بالتعاسة وخيبة الأمل بعد زواجه بامرأة كان يحبها واتضح أنها قيد على حريته وعبء نفسى ومادى ثقيل خانق سوف يفرط فى الأكل تعبيرًا عن هذه الحالة وتنفيسًا عن عجزه فى إنهاء هذا الزواج.
إن الإنسان الذى يعيش حياة ضد إنسانيته وضد كرامته وضد تحققه، يستحيل أن يكون سليم العقل أو رشيق الجسم، ولن تنفعه أدوية العالم ونصائح أكثر الأطباء مهارة.
ننام ونصحو على أخبار الإرهاب والحروب والمجاعات والجرائم البشعة من أجل الفلوس أو الانتقام أو الشرف أو الثأر ويتكلمون عن الجسم المثالى والرشاقة! ماذا عن المجتمع المثالى والقيم المثالية والعدالة المثالية؟
نعاصر عدم العدالة والفساد الذى يتحايل على القانون والازدواجية الأخلاقية التى ترسخها العادات والتقاليد البالية والتعصب العنصرى والدينى الذى أصبح متأصلًا فى الوجدان والفن المتدنى، وإذا أضفنا زمن الكورونا وما ينتج عنه من اكتئاب وقلق وعنف أسرى متزايد سندرك كم من الصعب أن نقدم للناس نصائح تقليل الوزن والحفاظ على جسم مثالى.
هل يمكن أن نعيش وسط كل هذه الأمراض ولا نمرض؟ هل يمكن أن نتواجد على كوكب محترق دون أن تمسنا النار؟
السلاح أهم من الإنسان، والمال أهم من الإنسان، السُلطة أهم من الإنسان، أهذا عالم نستطيع فيه أن نتمتع بوزن صحى؟ أى جسم مثالى نلهث وراءه فى زمن يفتقد الحد الأدنى من المثالية؟ 
من المستحيل أن نكون أسوياء على كوكب مريض والجسم الرشيق وهم وسط قيم مترهلة مصابة بالتخمة، من الصعب أن نشعر بالسعادة فى عالم يعيش على جثث الفقراء والمهمشين والنساء والضعفاء والنازحين من أوطانهم والمهددين فى كرامتهم وأمنهم وسمعتهم بسبب اختلافهم عن القطيع. 
من المستحيل أن نكون عقلاء فى حضارة مختلة من أعراض الصحة، أن نمرض ونحن نتنفس هواء ونأكل طعاما ونلتهم اعلام حضارة ليست مثالية فى أى شىء إلا الكلام والصخب والتضليل والترقيع والازدواجيات.  


من بستان قصائدى 
- لن أخذل أمى أبدًا
- بهدوء وصمت وابتسامة
- أنسحب لو لم أجد نفسى دائمًا
- فى مقدمة الصفوف
- الصف الأول بالتحديد هذا مكانى
- أنجبتنى أمى له
- لن أخذل أبدا أمى 
- وجيناتى الوراثية
- لأحصد سعادة الجوارى والعبيد