رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى القلب

لو كنا نشاهد أحد مسلسلات الإثارة على "نتفليكس" ما كنا سنشاهد أحداثًا مثل هذه، ففى أسبوع واحد كانت هناك ٣ عمليات اغتيال درامية، و٧ حالات خلال الشهر الأخير فى إيران، نُسبت واحدة منها على الأقل إلى إسرائيل، وباقى العمليات تتهم طهران فيها إسرائيل ولكن ليس أمام الكاميرات.

البداية كانت باغتيال القيادى فى الحرس الثورى الإيرانى، صياد خدائى، الذى أطلق عليه النار فى الشارع على يد راكبىّ دراجة نارية فى طهران. 

"خدائى" كان المسئول عن عمليات الانتقام الإيرانية ضد إسرائيل، ومن هنا طهران اتهمت إسرائيل وتوعدت بالرد. بعد ثلاثة أيام، حدثت وفاة غامضة لعالم نووى إيرانى عمل فى منشأة التخصيب فى "نطنز"، عن طريق بضع حوامات قوية من طراز متعدد اللهيب حملت عبوات ناسفة شديدة الانفجار، تفجرت مباشرة فى مبنى داخل المنشأة العسكرية السرية للغاية فى محافظة برتشين، المجاورة لطهران. 

المبنى هو الموقع الذى يعمل فيه رجال وزارة الدفاع الإيرانية على بحوث سرية حول البرنامج النووى، وفى تطوير المُسيرات، من وثائق الأرشيف النووى الإيرانى، الذى سرقه الموساد الإسرائيلى فى ٢٠١٨، وكانت هناك صور من داخل الموقع لمنشآت للتجارب على "مواد متفجرة سريعة"، وهى عنصر حيوى فى تكوين رأس نووى متفجر.

بعد أيام أخرى، توفى عالم طيران إيرانى رفيع المستوى بعد تعرُّضه للتسمم فى ظروف غامضة.

وعلى أثر العمليات الثلاث، تم تحذير السياح الإسرائيليين من السفر إلى تركيا، وتم رفع درجة الطوارئ فى البعثات الدبلوماسية بجميع أنحاء العالم.

علينا الاعتراف: المعركة بين إيران وإسرائيل انتقلت من سوريا إلى عمق طهران، والدوافع الإيرانية للانتقام باتت مرتفعة للغاية، والإشارة الإسرائيلية واضحة لإيران؛ تل أبيب تريد أن تقول لها إنها ستدفع الثمن غاليًا على أراضيها أيضًا إذا ما واصلت أعمالها.

ما يحدث فى طهران مرتبط بدرجة أقل بالنووى، ومرتبط أكثر بالحرب السرية بين إيران وإسرائيل، واللكمات المتبادلة مستمرة وستستمر، ولا يوجد رابط قوى بين اغتيالات الموساد التى تشبه أفلام "نتفليكس" وخطة مهاجمة المنشآت النووية فى إيران، ولكن إجمالًا يدور الحديث عن حرب الظل بين إسرائيل وإيران.

الرابط الوحيد بين العمليات الثلاث هو أنها جميعًا نُفذت فى قلب طهران، فالاغتيال الذى نفذه عملاء الموساد من خلال دراجة نارية، والمُسيرات التى ضربت الموقع فى المنشأة من مسافة قريبة، وعملية التسمم، كلها تعنى أن أيادى الموساد أصبحت داخل طهران.

مَنْ وقف خلف العمليات أرسل عملاءه مرة يتجولون بدراجة نارية، ومرة قاموا بتهريب حوامات، ومرة وضعوا السم فى وجبة طعام، هذا تسلل عميق إلى داخل منظومة الاستخبارات الإيرانية، تسلل يستلزم الرد العنيف.

إيران، من جانبها، هددت بالانتقام "هذا ما تفعله مرارًا"، لكنها تلك المرة نشرت قائمة رجال أعمال مستهدفين، الجنرال عاموس مالكا، الذى شغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، عامير لافينتال، المؤسس والمدير العام لشركة السايبر Cylus، جال جانوت، عسكرى سابق فى الوحدة ٨٢٠٠ ومدير شركة التدريب أناليزا، وعنبال آرئيلى، مؤسسة شركة الهايتك Synthesis، وعميت ملتسر، خبير فى مجال تقنيات السايبر الدفاعية. 

إذا كانت تريد أن تغتال أحدهم فلم تكن ستحذرهم، ولكن التفسير هو أن العمليات الجريئة فى قلب طهران دفعتها إلى محاولة الرد بجرأة مماثلة.. إحراج مقابل إحراج.