رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدين المعاملة

روي لي صديق عزيز يهوي السفر والترحال أنه في إحدي رحلاته لإحدي المدن الأوروبية لاحظ وقوف سيارة أجرة بصفة دائمة أمام الفندق الذي يقيم فيه.
من باب الفضول اقترب منها فسمع صوت الراديو ينبعث من داخلها بصوت المطربة شادية فتأكد أن السائق لابد أن يكون عربيًا .
وفي اليوم التالي قرر أن يستقل نفس التاكسي في جولة سياحية، ولطول المسافة دار بينه وبين السائق العربي حوار عن الأحوال المعيشية والاقتصادية فشكا له السائق من قلة الرزق وتردي الحال، لاحظ صديقي ترقرق الدموع في عيني السائق فلما سأله ماذا يبكيه ولماذا كل هذا الحزن؟ قال له السائق أنا أعيش وحيدًا في منزلي مع كلبي ولا أطيق فراقه.
وفي الآونة الأخيرة لاحظ الجيران أن كلبي صار كثير النباح، وتشككوا أنني لا أقدم له الطعام بانتظام نظرًا لضيق ذات اليد فأبلغوا الشرطة التي حضرت في اليوم التالي وتأكدت بالفعل من صدق روايتهم وعدم قدرتي علي إطعام الكلب، فما كان منهم إلا أن قاموا بأخذ الكلب مني لإحدي دور الرفق بالحيوان وسمحوا لي بزيارته مرتين في الأسبوع.
ذكرتني تلك القصة العابرة بكلب الصيد النادر الذي كنت أقتنيه وأنا طفل في العاشرة، بمدينتي الجميلة بورسعيد وكان لطيفًا غير مزعج علي الإطلاق ورغم ذلك دس له أحد الجيران السم في الطعام، ومن شدة الصدمة والحزن عليه صممت أن أصطحب والدي لقسم الشرطة للإبلاغ عن جارنا الجاني واتهامه بقتل الكلب عمدًا، وما زلت حتي الآن أذكر الكلمات المحفوفة بالسخرية والتندر من ظابط القسم المسئول عن تحرير المحضر، وبالطبع لم يهتم أحدًا بإجراء التحقيق الذي تم حفظه لعدم كفاءة الأدلة أو ربما لغرابته.
انتهت القصة ولم تنته العبرة منها، فتلك الدولة الأوروبية تهتم جدًا بالتكافل الاجتماعي ليس فقط لمواطنيها ولكن أيضًا للحيوانات التي تعيش علي أرضها، وصدق من قال الدين المعاملة.