رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أين وماذا حدث لحركية المعرفة فى الواقع العربى؟

فى كتابه «حركية المعرفة ومستقبليات الشارع العربى»، الصادر عام ٢٠٢١ عن سلسلة كراسات مستقبلية، وهى كراسات غير دورية تهتم بنشر الاجتهادات والكتابات الفكرية والعلمية المعنية بالمستقبل، يبحث العالم الدكتور: محمد رءوف حامد موضوع المعرفة باعتبارها الجسر المؤهل للانتقال من حالة أدنى إلى حالة أرقى، بما تمتلكه من القدرة على إصلاح وتغيير الأوضاع المجتمعية إلى ما هو أحسن وأكثر تقدمًا.

ويقصد بالمعرفة أنها الفهم النظرى أو العملى لموضوع ما، أو أنها جملة الحقائق و/أو المعلومات و/أو القدرات و/أو الإدراكات التى يمكن أن تُكتسب من خلال الممارسة والخبرة، أو عن طريق التعليم والتأهيل. 

ويرى الكاتب أن لـ«حركية المعرفة» دورًا كبيرًا فى أحداث الربيع العربى التى شهدتها المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات، حيث لعبت دورًا كبيرًا فى تأهيل الشارع السياسى العربى لاستيعاب الإرادة الجماعية الجديدة لجماهير المواطن العادى، حيث إن للمعرفة ذاتها طاقة تؤدى بمالكها كفرد، أو ككيان «جماعة أو مؤسسة أو أمة.. إلخ»، إلى دعم القدرة على الإنجاز، وقد يتمثل الإنجاز فى صياغة لرؤية «أو سياسة» أو فى اقتراح البدائل، أو فى تصميم لمخططات وبرامج.. ويحدث التحول من مجرد المعرفة بالشىء إلى تحقيق الإنجازات. 

وينبّه الكاتب على أن جوهر حركية المعرفة يتجسد فى عمليات «التقييم وإعادة التقييم» لأى إشكالية، فى أى مجال، ما من شأنه إحداث تطويرات فى المعارف الموجودة بالفعل، وفيما هو قائم من رؤى ومفاهيم وبرامج وآليات وتطبيقات وخبرات. 

وتمر حركية المعرفة بعدة مراحل: 

١- مرحلة التنقيب عن المعرفة «ونقلها..».

٢- مرحلة استخدام المعرفة «وتقييمها..». 

٣- مرحلة تطوير المعرفة «وتوليد معرفة جديدة».

يرى الكاتب أن حركية المعرفة فى أى مجتمع تؤثر فيها عدة عوامل تقليدية مثل: السياقات والأنشطة التى تتعلق بالتعليم والثقافة، وتتحدد بمدى فاعلية أدوات مثل الحوار والشفافية. وأنه يستحيل الاقتراب من إنجاز استقرار مجتمعى حقيقى بغير حركية معرفية تتأسس على دعامتين رئيسيتين، هما «المنظومية» و«الحرية»، وأن الأوضاع الحياتية لن تتحول لمصالح الشعوب فى المنطقة بغير أنظمة حكم ناضجة، تتأسس، وتتطور، وتتداول السلطة بالاعتماد الأساسى على هاتين الدعامتين.

ويحلل الكاتب ظاهرة الربيع العربى فى ظل مفهوم حركية المعرفة فيجد:

١- إن هذه التظاهرات، فى إخلاصها الوطنى، وفى جماعيتها، قد جاءت بعد طول معاناة «لعقود عدة»، وأنها كانت المنفذ الوحيد الممكن لإزالة بعض الأنظمة أو خلع بعض رءوسها.

٢- إن البعد الثورى الحقيقى لهذه التظاهرات يتجسد فى ثورة الإنسان العادى على صمته، مما أدى به إلى التشابك «فى التظاهر الجماعى» مع الآخرين من جموع الإنسان العادى فى وطنه.

٣- إن تدخلات العناصر الخارجية «الأجنبية» مع حركيات التظاهرات قد جاءت بعد اكتمال قدر كبير من عزم الجماهير على التصدى للسلطات، أو بعد بدء التظاهر بالفعل.. بمعنى أن هذه التدخلات لم تكن مولدة «أو صانعة» للعزم الثورى لجماهير المواطن العادى فى شتى البلدان العربية، وإنما جاءت لتركب هذا العزم، بحيث تتمكن من توجيهه لما يخدم مصالحها بقدر ما تستطيع.

٤- ضعف قدرة الجماهير العربية على تنظيم نفسها، بل أيضًا فيما يختص بتشتت القوى السياسية الوطنية/ التقليدية وتواضع قدراتها على التعامل مع بعضها بنضج وتوافق.

٥- إن الجماهير والقوى السياسية قد حُرما لزمن ليس بالقصير من ممارسة السياسة، بفعل رعونة، وأنانية، وبطش أنظمة الحكم، التى مرضت بالغواية المزمنة للسلطة.

ويحلل العالم الدكتور محمد رءوف حامد عبر كتابه المهم عددًا من الوقائع التى شهدها العالم، مثل: احتجاجات ذوى السترات الصفراء فى باريس، وجائحة كورونا من منظور حركية المعرفة، ويجد أن التطورات الإيجابية لحركية المعرفة تؤدى إلى مخرجات نفسية، واجتماعية، وسياسية تكون فى حد ذاتها صانعة لسياقات حاضنة وسامحة للتقدم.

من أبرز هذه المخرجات ما يلى:

- رفع مستويات الثقة المتبادلة بين أفراد وكيانات المجتمع.

- زيادة مستويات اليقينية ودرجات الطمأنينة، ومن ثم تقليل القلق المجتمعى.

- تحسين فى عموم الممارسات السياسية والجماهيرية للحكومة والأحزاب والنقابات وجماعات العمل المدنى.. إلخ.

- زيادة إمكانات وفرص التشاركية «من الأفراد والكيانات» فى إدارة الشأن المجتمعى على كل المستويات.

- رفع مستويات الوعى بالمستقبليات. 

كتاب «حركية المعرفة ومستقبليات الشارع العربى» هو كتاب قيّم يفتح الباب للتساؤلات عما آلت إليه حركية المعرفة فى المجتمع المصرى فى اللحظة الراهنة، وكيف يمكن تعظيم حركية المعرفة لتحقيق المستقبل الذى نرجوه لبلادنا والخروج من مأزق الثبات والجمود.