رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رمز أم سيادة؟

لماذا هناك من ينشغل فى إسرائيل والأراضى الفلسطينية طوال الوقت بالأعلام؟ هل لأن الإسرائيليين يحبون «الرموز» منذ عهد داوود الملك؟ كما أن الفلسطينيين أيضًا بعد سنوات من الصراع أصبحوا يجدون فى الرموز متنفسًا عن الغضب.

خلال الأسبوعين الأخيرين كنا فى ساحة مواجهة جديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، هذه المرة ليست بسبب غزة، ولا الضفة، ولا حتى القدس والأقصى، ولا المدن المختلطة، هذه المرة كانت منافسة مَنْ بإمكانه أن يرفع «العلم» أكثر من الآخر.. مَنْ بإمكانه أن يجعل الأعلام أكثر انتشارًا وأكثر صمودًا.

سمحت الحكومة الإسرائيلية بمسيرة الأعلام المثيرة للجدل، وهى احتفال الصهيونية الدينية بيوم القدس، الذى يمر ويبدأ من الكنيس الكبير غرب القدس وصولًا إلى حائط المبكى، مرورًا بالبلدة القديمة فى القدس، ويشمل على الأقل فى السنوات التى مضت طَرقًا على أبواب المحلات العربية، وإطلاق صرخات وصافرات، وخلالها تم رفع الأعلام الإسرائيلية بالقرب من باب العامود عند الحى الإسلامى فى القدس.

على الجانب الآخر، كانت هناك مظاهرة لطلاب من عرب إسرائيل فى جامعة بن جوريون لإحياء ذكرى النكبة، وتم رفع الأعلام الفلسطينية داخل الجامعة الإسرائيلية.

فى إسرائيل هناك من يجن جنونه لمجرد رفع العلم الفلسطينى، وفى المدن الفلسطينية يعتبرون الأعلام الإسرائيلية استفزازًا.

والحقيقة أن علم فلسطين هو علم رُفع ضد الأتراك وضد الانتداب البريطانى، فكل دولة عربية نالت استقلالها اختارت وصممت علمًا خاصًا بها، هو ليس علم منظمة التحرير الفلسطينية، بل علم شعب بأكمله. 

هناك من ليس لديه مشكلة فى الرموز والإشارات، يجدون فيها شيئًا ما صحيًا يمس القلب، ويذكّر بالحنين لأيام انتهت، لكن هؤلاء كما يبدو ليسوا من الأغلبية، أو ربما لأن الرافضين دائمًا صوتهم أعلى.

وهناك الغاضبون، والحقيقة لا أعرف ما الذى يُغضب فى الأعلام إلى هذا الحد؟ وما المخيف فى رفع العلم؟ ولماذا يرون فى العلم تهديدًا لجوهر وجودهم؟ 

التناقض الحقيقى هو أنه منذ اتفاقات أوسلو، وبدء المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، كان العلم الإسرائيلى بجوار العلم الفلسطينى فى المفاوضات، فى ديوان رئيس الوزراء، فى الكريا «وزارة الدفاع الإسرائيلية»، وفى كل مكاتب التنسيق والارتباط.. وفى العقود الثلاثة الأخيرة، كانت الأعلام جنبًا إلى جنب أثناء اللقاءات، فلماذا يتم قبول الأعلام فى الغرف المغلقة ويتم رفضها فى الساحات؟! العلم ليس مخيفًا إلى هذه الدرجة، لكنه يمس شيئًا فى القلوب، يذكرهم بما يودون نسيانه، هناك من يرى أن رفع العلم ليس رمزًا بل سيادة، ومن يملك الحق فى رفع العلم هو من يملك هذه الأرض حقًا.

وهناك من يرى أن من ينجح فى رفع العلم بقوة وحماسة ولفترة أطول فهو بهذا يلغى وجود الآخر، ولا يريد العيش إلى جانبه، ولا يؤمن بالمساواة. إن وجود شعب مع رموزه يشكل تهديدًا فقط لمن يريدون تأسيس وجودهم على إنكار وجود الآخرين، وإذا كان هنا من يؤمن بوجود دولتين لشعبين لن يخاف من علم جيرانه، كل مَن لديه قلب ينبض ويؤمن بالعدالة، لن تكون لديه مشكلة مع رفع علم جيرانه.