رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الملكة الحمراء ع الأسفلت!

الملكة الحمراء، هو لقب فوساكو شيجينوبو، زعيمة ومؤسسة منظمة «الجيش الأحمر اليابانى»، التى تم إطلاق سراحها، أمس السبت، بعد ٢٢ سنة قضتها فى أحد سجون العاصمة اليابانية طوكيو، والتى كانت إحدى نجمات سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، بسبب عمليات إرهابية عديدة نفذتها منظمتها فى دول مختلفة: احتجاز رهائن، خطف طائرات، سطو على بنوك، وهجمات على سفارات فى دول آسيوية وأوروبية.

بلافتة مكتوب عليها «نحن نحب فوساكو»، حيّاها عدد من مناصريها، قبل أن تستقل سيارة سوداء مع ابنتها «ماى». ولم تمض دقائق حتى قالت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، فى بيان، إن «الشعب الفلسطينى لن ينسى ما قدمته هذه المناضلة ورفاقها فى الجيش الأحمر من أجل فلسطين والقضية». ودعت الجبهة من وصفتهم بـ«الأحرار فى العالم» إلى «الاقتداء بهذه المناضلة الثورية اليابانية، التى جسدت انتماءها الفكرى والثورى المبدئى واقعًا من خلال تأدية واجبها الأممى العابر للجغرافيا تجاه النضال إلى جانب فلسطين والجبهة الشعبية». وطالبت اليابان بـ«تكريم المناضلين الثوريين الأمميين بدلًا من مطاردتهم وملاحقتهم واعتقالهم»!

علامة التعجب من عندنا، وسببها أن المذكورة عوقبت عن ضلوعها فى جريمة لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية من قريب أو بعيد: جريمة اقتحام السفارة الفرنسية فى لاهاى، واحتجاز السفير وعشرة موظفين لمدة ١٠٠ ساعة، لإجبار فرنسا على الإفراج عن سجين ينتمى إلى الجيش الأحمر ودفع ٣٠٠ ألف دولار، وهو ما حدث بالفعل، وغادر السجين مع محتجزى الرهائن على متن طائرة إلى اليمن ثم إلى سوريا.

لم تعترف «فوساكا» بتورطها فى تلك الجريمة، التى وقعت سنة ١٩٧٤، لكنها أبدت أسفها عن «الكفاح المسلح لتحقيق مُثلها الثورية». وكتبت فى رسالة نشرتها جريدة «جابان تايمز» سنة ٢٠١٧: «آمالنا لم تتحقق والنهاية كانت قبيحة»، وأشارت إلى أن أفعالها، وأفعال آخرين، جعلت اليابانيين أقل اكتراثًا بالقضايا السياسية.

المولودة، سنة ١٩٤٥، لضابط شارك فى الحرب العالمية الثانية، وساءت أحواله بعد هزيمة اليابان، انضمت إلى الحركة اليسارية الطلابية فى الستينيات، وصارت واحدة من قادتها، والتحقت بالجيش الأحمر المتحد، ثم غادرت بلادها وهى فى الخامسة والعشرين، إلى لبنان، لـ«تعزيز التحالف الثورى الدولى ضد إمبرياليى العالم»، وانضمت إلى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، وأسست الجيش الأحمر اليابانى. وبعد ٣٠ سنة، عادت سرًا إلى اليابان سنة ٢٠٠٠، باسم مستعار، لكن سرعان ما تم إلقاء القبض عليها. 

من زنزانتها أعلنت عن حل «الجيش الأحمر»، سنة ٢٠٠١، غير أن شرطة طوكيو، نشرت مقطع فيديو منتصف فبراير الماضى، لعدد من أعضاء تلك المنظمة، قالت إنهم ما زالوا مطلوبين، من بينهم كوزو أوكاموتو، الناجى الوحيد من منفذى عملية مطار «اللد» الإسرائيلى، سنة ١٩٧٢، التى أسفرت عن مقتل ٢٦ وإصابة نحو ٨٠ آخرين، وفقًا لعشرات المراجع، بينما قال بيان «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، الصادر، أمس، إنها «أسفرت عن مقتل ٤٠ صهيونيًا وجرح ٩٠ آخرين». ويُقال إن «فوساكا» أطلقت على ابنتها، المولودة سنة ١٩٧٣، اسم «ماى» تيمنًا بشهر مايو، الذى جرت فيه تلك العملية.

الملكة الحمراء، إذن، هى النسخة الأنثوية من الفنزويلى إليتش راميريز سانشيز، الشهير بـ«كارلوس»، الذى بدأ أيضًا، مشواره مع «النضال» تحت راية «كارل ماركس» وأنهاه فوق سجّادة «أسامة بن لادن»، واستطاع مثلها الإفلات من مطاردات أجهزة مخابرات عديدة، إلى أن حملته طائرة خاصة من الخرطوم إلى باريس، فى ١٤ أغسطس ١٩٩٦ ليعاقب بالسجن مدى الحياة ثلاث مرات، كان أحدثها فى سبتمبر الماضى، عن هجوم نفذه فى باريس، بالتزامن مع جريمة الجيش الأحمر فى لاهاى، أسفر عن مقتل اثنين وإصابة ٣٤ آخرين.

.. وتبقى الإشارة إلى أن «الملكة الحمراء»، الملقبة أيضًا بـ«إمبراطورة الإرهاب»، جمعتها علاقات قوية بعدد من القيادات الفلسطينية، وتزوجت من قيادى فى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، هو والد ابنتها الوحيدة، وعملت فى مجلة «الهدف» الناطقة باسم الجبهة، مع الصحفى والروائى غسان كنفانى، الذى اغتالته المخابرات الإسرائيلية، سنة ١٩٧٢، فى العاصمة اللبنانية بيروت.