رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مهمة صعبة».. هل تصمد حكومة بينيت أمام الصراعات الحزبية؟

الحكومة الإسرائيلية
الحكومة الإسرائيلية

تمر الحكومة الإسرائيلية، خلال الأسابيع الأخيرة، بفترة غير مسبوقة من التوتر والاضطراب، أصبحت فيها على وشك التفكك والانهيار أكثر من مرة، فى ظل الخلافات المستمرة بين رؤساء الائتلاف الحاكم.

فيما يهاجم وزير العدل، جدعون ساعر، زعيم حزب «الأمل الجديد»، قرارات وزير الدفاع بينى جانتس، زعيم حزب «أزرق- أبيض»، الخاصة بالسماح بعبور العمال من قطاع غزة، فإن الأخير يوجه سهامه لرئيس الحكومة نفتالى بينيت، زعيم حزب «يمينا»، بحجة أنه لا يعترف بفضله، فى الوقت الذى يواصل فيه زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، رئيس حزب «الليكود»، توجيه الضربات إلى الحكومة، بحجة إهمال التهديد الإيرانى. 

ورغم التصريحات المؤكدة على استمرار الحكومة، فإن تحركات رؤساء الائتلاف الحاكم تبرز استعدادهم لجولة جيدة من الانتخابات، فى ظل استمرار الاختلافات التى نرصدها فى السطور التالية.

خلافات بين نواب اليمين والعرب.. واستقالات غير مبررة لكبار المستشارين تهدد بانفجار داخلى

الخلافات بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية ترجع لأسباب فكرية فى المقام الأول، ففى الأسبوع الماضى نشبت أزمة مع غيداء ريناوى، عضوة الكنيست عن حزب «ميرتس» اليسارى، التى أعلنت عن انسحابها من الائتلاف الحاكم، ثم عادت عن ذلك بعد لقائها يائير لابيد، وزير الخارجية نائب رئيس الوزراء، والضغوط التى مُورست عليها.

وعللت «ريناوى» انسحابها من الائتلاف بأنها لم تنجح فى تحقيق إنجازات للمجتمع العربى، لذا كتبت رسالة وجهتها إلى رئيس الحكومة ووزير الخارجية قالت فيها: «للأسف، اختار قادة الائتلاف فى الأشهر الأخيرة، ومن منطلق اعتبارات سياسية ضيقة، الحفاظ على الجناح اليمينى وتعزيزه».

وأضافت: «لم يعد بإمكانى دعم ائتلاف يضايق المجتمع الذى أتيت منه، خاصة فى قضايا ذات أهمية، مثل الأقصى وقبة الصخرة، والشيخ جرّاح، والاستيطان والاحتلال، وهدم المنازل ومصادرة الأراضى فى النقب، وطبعًا قانون المواطنة».

أزمة «ريناوى» تزامنت مع مفاوضات أجراها وزير الخارجية «لابيد» مع القائمة المشتركة وعضو الكنيست أحمد الطيبى، لتمويل بناء طرق فى بلدات عربية مقابل التعاون فى الكنيست، وهى المفاوضات التى لم يعلم عنها «بينيت» شيئًا، حسب موقع «كان» الإسرائيلى.

ورأى البعض أن تحركات «لابيد» هى محاولة لدمج القائمة المشتركة فى الحكومة، أو كسب دعمها لتمرير القوانين، خاصة أنها جاءت بعد استقالة النائبة عيديت سليمان من حزب «يمينا»، وفقدان الائتلاف الحاكم لأغلبية الكنيست.

وتسلط أزمة «ريناوى» وتحركات «لابيد» الضوء على ثغرة داخل الحكومة، التى تتمثل فى صعوبة تكيف الأحزاب العربية وأعضاء الكنيست العرب مع الجناح اليمينى داخل الحكومة، فمن ناحية يجد النواب العرب صعوبة فى دعم الحكومة، ومن ناحية أخرى يجدون صعوبة أكبر فى تفككها.

وبالتزامن، أعلن تال غان تسفى، رئيس ديوان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، استقالته، وذلك بعد نحو أسبوعين من مغادرة شمريت مئير، المستشار السياسى لـ«بينيت»، دون توضيح أسباب الاستقالة المفاجئة.

وقال «تسفى»، الذى وصفه «بينيت» بأنه «إحدى ركائز إنجازاته»: «فى نهاية عقد من العمل المشترك والمكثف، وبعد عام فى الدور الصعب لرئيس الديوان، طلبت إنهاء مهامى.. لقد كانت خطوة مهمة وغير عادية».

وبرر الاستقالة بأنها تأتى بسبب الإرهاق، وحاجته لمنح أسرته مزيدًا من الوقت، فيما قال كثيرون إنها تأتى اعتراضًا على سياسات الحكومة، وأنها ستؤثر على أداء «بينيت» فى الأيام المقبلة.

مواقف متناقضة من القوانين.. وصعوبات فى تمرير الموازنة لفقدان الأغلبية

بعيدًا عن التوجهات العامة، تواجه حكومة «بينيت» أيضًا خلافات بسبب القوانين المقرر تمريرها فى الكنيست، فى الوقت الحالى.

وجاء الخلاف الأول فى ظل معارضة إيليت شاكيد، وزيرة الداخلية عضو حزب «يمينا»، إجراء أى تعديل على «قانون القومية»، الذى يعرف إسرائيل بأنها دولة قومية لليهود، أو أى قانون مشابه تم الاتفاق عليه أثناء تشكيل الائتلاف الحكومى.

وكتبت «شاكيد»، فى تغريدة على حسابها بموقع «تويتر»: «أنصح أعضاء الائتلاف بالتوقف عن التفكير فى إجراء تعديلات غير متفق عليها على قوانين أساسية، هذا لن يحدث مثلما نص على ذلك الاتفاق الائتلافى، وإذا ما كنا مضطرين فإن (يمينا) سيستخدم حق الفيتو، ويفضَّل أن نركز فى التحديات الاقتصادية والأمنية الماثلة أمامنا».

جاء ذلك بعد اقتراح أفيجدور ليبرمان، وزير المالية رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» فى الكنيست، إجراء تعديل على «قانون القومية»، وهو ما عارضه نواب «يمينا» و«أمل جديد»، فيما رحب به نواب «ميرتس» و«القائمة المشتركة». 

وتزامن اقتراح «ليبرمان» مع مطالبة وزير الدفاع، بينى جانتس، بسن قانون أساسى حول المساواة فى إسرائيل، وعدم المساس بحقوق الفرد على خلفية الدين أو العرق أو الجنس أو أى أسباب أخرى.

أما الخلاف الثانى الذى تواجهه الحكومة فيتمثل فى حاجة الائتلاف الحاكم إلى الأغلبية لتمرير الموازنة، وهو ما أصبح حاليًا مهمة صعبة ومعقدة، لأن الائتلاف، وحتى بعد عودة «ريناوى» إليه، لم يعد لديه إلا ٦٠ صوتًا فقط فى الكنيست، متساويًا فى ذلك مع المعارضة، ما يعنى صعوبة بالغة فى الفوز بالتصويت على الميزانية المقرر عرضها للتصويت فى يونيو المقبل.

إلى جانب ذلك، فإن القانون، الذى طرحه بينى جانتس، والمعروف بقانون «من الزى العسكرى إلى المقعد الدراسى»، والهادف لتمويل ٦٦٪ من الأقساط الجامعية للشبان الإسرائيليين الذين أنهوا خدمتهم العسكرية، يواجه صعوبة فى تمريره، رغم إعلان ٨ نواب من «الليكود» المعارض دعمهم له، خلافًا لما نادى به بنيامين نتنياهو، زعيم الحزب، الذى أعلن صراحة عن معارضته ذلك.

وأوضحت تقارير إعلامية أن تكتلًا من أحزاب المعارضة، ورؤساء أحزاب «شاس» و«التوراة اليهودية» و«الصهيوينة الدينية»، طلبوا من «نتنياهو» معارضة القانون وإسقاطه رغم ميل بعض نواب «الليكود» إليه، ما يمثل ضربة قوية لـ«جانتس» وحكومة «بينيت».

صراع بين قائدى الحكومة وتبادل الاتهامات حول تفكيك الائتلاف 

وفقًا للاتفاق الذى تأسس عليه الائتلاف الحاكم فى إسرائيل، فإنه فى حال عمل «معسكر بينيت»، المؤلف من حزبى «يمينا» و«أمل جديد»، على إسقاط الحكومة، فإن «لابيد» سيتولى فورًا منصب رئيس الحكومة الانتقالية حتى تشكيل حكومة جديدة، أما فى حال عمل «معسكر لابيد»، المؤلف من أحزاب «هناك مستقبل» و«أزرق- أبيض» و«العمل» و«ميرتس» و«إسرائيل بيتنا»، على إسقاط الحكومة، فإن «بينيت» يكون رئيس الحكومة الانتقالية.

لذلك، ومنذ استقالة النائبة عيديت سليمان، من حزب «يمينا»، من الائتلاف، وفقدان أغلبية الكنيست، فإن الخلاف بين «بينيت» و«لابيد» يلوح فى الأفق مع اقتراب شبح الانتخابات. 

ويرى المراقبون أنه إذا كان هدف «بينيت» حاليًا هو أن يحول دون إجراء انتخابات جديدة، مع اقتناعه بإمكانية استمرار الحكومة، فإنه سيكون عرضة لابتزاز شركائه من أجل الحفاظ على الائتلاف، لكن إن أصبح استمرار الحكومة مستحيلًا وأصبحت الانتخابات حتمية، فإنه سيدفع بنفسه لتفاقم الخلافات وانهيار الحكومة.

ويميل البعض إلى أن «بينيت» أصبح يعتقد أن الحكومة الحالية وصلت إلى نهايتها، لذا يدرس حاليًا إمكانية حل الكنيست، خاصة أن ذلك يسمح له بالاحتفاظ بمنصبه لنحو ٥ أشهر، وهى المدة المطلوبة لإجراء الانتخابات ومفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة. 

ويوضح المراقبون أن حقيقة الوضع الحالى تخلق حالة من الشك بين رئيسى الحكومة، الفعلى «بينيت» والبديل «لابيد»، فى ظل تفكير كل منهما فى تفكيك الحكومة، وتحميل الآخر مسئولية ذلك.

ويشيرون إلى أن المخرج الوحيد من ذلك هو دفع القائمة العربية الموحدة للعمل على تفكيك الحكومة، وهو ما يجعل الطرفين يميلان لاتخاذ خطوات أكثر يمينية، حتى لا يكون أمام القائمة إلا الانسحاب من الائتلاف، والإعلان عدم دعمها الحكومة الحالية والتوقف عن التصويت لدعم أى من القوانين التى تطرحها أمام الكنيست.