رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البطريرك مار أغناطيوس أفرام الثانى: الرئيس السيسى وفر الظروف ليعيش أبناء مصر من مسيحيين ومسلمين فى محبة وإخوة دائمة

البطريرك مار أغناطيوس
البطريرك مار أغناطيوس أفرام الثانى،

قال البطريرك مار أغناطيوس أفرام الثانى، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، إن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال لقائه رؤساء كنائس الشرق الأوسط، منذ أيام، كان مبنيًا على الصراحة والصدق، مشيرًا إلى أن الرئيس السيسى فاجأ الجميع بمبادرته للحديث عن أهمية الوجود المسيحى فى الشرق الأوسط، وسياسات الحكومة من أجل تحقيق المواطنة.

وأوضح بطريرك السريان الأرثوذكس، خلال حواره مع «الدستور»، أن هجرة المسيحيين هى أحد أبرز التحديات التى يواجهها مجلس كنائس الشرق الأوسط حاليًا، خاصة بعدما أدى «الربيع العربى» لهجرة ٥٠٪ من مسيحيى سوريا، وتهجير ٩٠٪ من مسيحيى العراق، بالإضافة إلى ضعف التأثير المسيحى فى لبنان، نتيجة الانقسام السياسى.

■ بداية.. ما أهم القضايا التى ناقشها مجلس كنائس الشرق الأوسط فى اجتماعه الأسبوع الماضى بالقاهرة؟

- الاجتماع الـ١٢ للجمعية العمومية لمجلس كنائس الشرق الأوسط، الذى انعقد بالقاهرة الأسبوع الماضى، كان مقررًا أن ينعقد قبل ذلك، لأن الاجتماع ينعقد كل ٤ سنوات، لكنه تأجل بسبب انتشار فيروس كورونا، واستضافته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الشقيقة، وقداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، الذى جمع رؤساء معظم كنائس الشرق الأوسط.

وما يميز هذا المجلس أنه يمثل تقريبًا كل الكنائس المسيحية، ويضم ٤ عائلات رئيسية، هى: الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، من الأقباط والسريان والأرمن، والكنائس الأرثوذكسية البيزنطية، والكنائس الكاثوليكية، والكنائس الإنجيلية، ما يعنى أنه منبر جامع لكل كنائس الشرق الأوسط، ويعمل على توحيد كلمتها، والتنسيق بينها فى كل الأمور العامة، إلى جانب تحقيق وحدة الكنيسة؛ لأن هذا هو الهدف الرئيسى منه.

وخلال الاجتماع، تحدثنا فى قضايا وأمور كثيرة تهم جميع البشر، من بينها قضايا المسيحيين فى الشرق الأوسط، فنحن بالتأكيد نتألم كثيرًا مما نتج عن الحروب فى الشرق الأوسط، وتداعيات ما يسمى بـ«الربيع العربى»، التى أدت إلى هجرة عدد كبير من المسيحيين، خاصة من بلاد الشام، ونحن هنا نتحدث عن هجرة ٥٠٪ من مسيحيى سوريا و٩٠٪ من مسيحيى العراق، وذلك منذ بداية الحرب العراقية فى ثمانينيات القرن الماضى.

وهكذا أصبحت أعداد المسيحيين تقل يومًا بعد يوم فى الشرق الأوسط، وهذا يؤلمنا كثيرًا، لأنه لا يصب فى صالح المسلمين أو المسيحيين، لأن التعددية والانفتاح من سمات منطقتنا، ويجب أن تستمر فيها، حتى يحيا كل إنسان بمحبة وانفتاح على الآخر.

■ التقيتم الرئيس عبدالفتاح السيسى بحضور رؤساء الكنائس.. فما أبرز الموضوعات التى تناولها اللقاء؟

- زيارة رؤساء كنائس الشرق الأوسط الرئيس بروتوكولية، لإطلاعه على أعمال المجلس، لكننا فوجئنا بأن الرئيس عبدالفتاح السيسى يبادر بالحديث عن أهمية الوجود المسيحى فى الشرق الأوسط، والتركيز على أهمية الانفتاح والتسامح والحوار. 

والحقيقة أن الرئيس السيسى طمأننا كثيرًا بكلامه الطيب، خلال اللقاء، وحديثه عن سياسات الحكومة المصرية كى يكون جميع المصريين متساوين فى الواجبات والحقوق على أساس المواطنة، وليس على أى أسس أخرى.

وقد كانت تلك الزيارة مريحة جدًا وموفقة، وفيها كثير من المصارحة والحديث الجاد والصادق، والرئيس السيسى كان يتحدث بكل صراحة وصدق وانفتاح، ونحن نشكر الله الذى ألهم الرئيس السيسى والحكومة المصرية أن توفر الظروف الجيدة لجميع أبناء مصر من المسلمين والمسيحيين حتى يعيشوا معًا بمحبة وألفة وأخوة، لأن هذه الظروف ضرورية من أجل مستقبل البلاد وازدهارها.

■ ما أبرز التحديات التى تواجه المجلس حاليًا؟

- أبرز التحديات تتمثل فى الظروف المعيشية الصعبة التى تمر بها المنطقة، ونشترك فيها مع أشقائنا المسلمين دون فرق بيننا، فى ظل ظروف الفقر والبطالة، التى تدفع كثيرًا من شبابنا للهجرة إلى أوروبا وأمريكا وغيرهما؛ للحصول على فرص عمل وحياة أفضل.

أما التحدى الأبرز للمسيحيين فيتمثل فى مسألة الهجرة المسيحية من الشرق الأوسط، لأن أعداد المسيحيين قليلة، ووجودهم أصبح مهددًا بسبب الظروف الصعبة الناتجة عن الحروب، وكذلك عن الأيديولوجيات التى لا تؤمن بالعيش المشترك والتعاون بين الأديان، وتريد أن يكون المجتمع لونًا واحدًا، وهى تمثل خطورة، ليس على المسيحيين فقط، وإنما على الجميع، لأن تلك الحركات الأصولية والإرهابية التى تحاربها الحكومات تلجأ لحمل السلاح من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها غير المقبولة.

■ كيف ترى أوضاع المسيحيين فى مصر حاليًا؟

- ليس عندى شك فى أن الدولة المصرية، منذ تولى الرئيس السيسى، أطلقت كثيرًا من المبادرات والسياسات لحماية حقوق جميع مواطنيها، من بينهم المسيحيون، وقد سمعت كثيرًا من إخوتنا المسيحيين المصريين يؤكدون أن هناك فرقًا كبيرًا بين ما يحدث حاليًا، وما كان يحدث فى الماضى.

وصحيح أن التحديات لا تزال موجودة، لكن الأمور تتغير للأفضل، والرئيس السيسى أوضح أن تغير الأوضاع يأخذ وقتًا طويلًا، لأن التغيير لا يكون فقط بالسماح ببناء كنيسة، وإنما يقوم على تغيير فكر الإنسان وثقافته، وهو ما يستغرق وقتًا.

■ ماذا عن مسيحيى العراق ولبنان؟

- الوضع يختلف فى تفاصيله من بلد لآخر، ففى لبنان مثلًا اعتدنا أن نرى أغلبية مسيحية، فى ظل طبيعة النظام الطائفى فى الدولة، كما اعتدنا أن يكون الوجود المسيحى فى لبنان فعالًا وبناء، ويمكن القول إنه كان الأنشط ثقافيًا واجتماعيًا، لكن الانقسام الحالى- أقصد بين السياسيين- أضعف الحضور المسيحى كثيرًا، والأمور بدأت تتغير عندما ازدادت هجرة المسيحيين كثيرًا.

أما فى العراق، فإن الوضع يختلف، لأن المسيحيين كانوا دائمًا قلة، لكنهم مع ذلك كانوا يسهمون علميًا واجتماعيًا حتى سياسيًا، ومع الأسف لم يبق فى العراق اليوم أكثر من ١٠٪ من المسيحيين الذين كانوا موجودين قبل سقوط الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، أى أن أعدادهم لا تتجاوز حاليًا ٣٠٠ ألف شخص، وأغلبهم موجود فى شمال العراق. 

وفى زيارتى الأخيرة إلى العراق فرحت بالتأكيد بعودة المسيحيين إلى قراهم وبلدانهم فى سهل نينوى وشمال الموصل، بعد تهجيرهم على يد «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى منذ عام ٢٠١٤، كما أنهم لم يعودوا فقط، وإنما بدأوا فى بناء الكنائس والمؤسسات والمدارس والملاعب والمراكز الثقافية والاجتماعية.

وتلك الأمور علامة أمل على أنهم مستمرون فى أرض آبائهم وأجدادهم الموجودين فى العراق منذ القرن الميلادى الأول، فالمسيحيون جزء أصيل من العراق، وهم أبناء الأرض من أحفاد الآشوريين والبابليين والكلدانيين، ويجب أن يبقوا فيها.

أما من هاجروا بالفعل إلى بلاد الغرب، فأظن أنهم لن يعودوا إلى بلادهم مرة أخرى، رغم أنى أتمنى ذلك، لأن من سيعودون قليلون، وهم من يرغبون فى الاستثمار ببلادهم وبعض كبار السن ممن يرغبون فى استكمال حياتهم فى أرضهم، لكن من هاجروا من الشباب فأظن أنه من المستحيل عودتهم مجددًا.

■ ماذا عن الأوضاع فى سوريا عمومًا وأوضاع المسيحيين خصوصًا؟

- بشكل عام يمكن القول إن الوجه العسكرى للصراع تغير كثيرًا للأفضل، فالأمن أصبح متوافرًا فى معظم أنحاء سوريا، رغم أن بعض المناطق لا تزال خارج سيطرة الدولة، ونحن نصلى لأن تعود تلك المناطق إلى الدولة السورية، لأن من يحمى جميع السوريين هى دولة مركزية قوية، تعامل كل أبنائها بعدالة ومساواة.

وسوريا تجاوزت وضعًا صعبًا جدًا، بعدما شهدت مجىء مئات الآلاف من الغرباء إليها حتى يحاربوا على أرضها، مع مشاركة عشرات الدول فى هذه الحرب، ووصول عدد كبير من الإرهابيين الذين جاءوا لتدميرها، ونجحوا مع الأسف فى تدمير كثير من أراضيها، وليس فقط المدن والقرى والصناعات، بل الروح التى كانت موجودة بها، ما كان سببًا فى هجرة كثير من المسيحيين والمسلمين، بسبب الأوضاع السيئة وعدم الاستقرار.

كما أننا، فى سوريا حاليًا، نعيش ظروفًا اقتصادية صعبة جدًا، ليست ناتجة عن آثار الحرب فقط، لكنها نتيجة مباشرة للعقوبات التى فرضت على سوريا، وهى عقوبات أحادية وغير قانونية تحرم الإنسان من أبسط حقوقه، ومن قوته واحتياجاته اليومية، فالدولة، على سبيل المثال، لا تستطيع أن توفر أكثر من ٥٠٪ من المواد النفطية التى تحتاجها، فيما يعانى كثيرون من البرد وقلة الخبز وارتفاع الأسعار.

وكل ذلك ناتج عن العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على سوريا، ونحن نطالب برفع هذه العقوبات، لأنها لا تحسن أوضاع السوريين ولا تفيدهم، كما يدعون، بل تزيد من معاناتهم.

أما عن أوضاع المسيحيين السوريين بشكل خاص، فإن الحكومة السورية، ومنذ عشرات السنين، كانت دائمًا ما تقف إلى جانب جميع السوريين، بينهم المسيحيون، فنحن فى سوريا لم نعانِ أبدًا من التفرقة أو الاضطهاد، بل على العكس كانت الأمور دائمًا ما تسير بسلام، ويُعامل المسيحيون كسوريين أولًا ومسيحيين ثانيًا، ولذلك وقف المسيحيون السوريون، أثناء الحرب، إلى جانب الدولة وإلى جانب إخوتهم المسلمين. 

ومع الأسف، فقد ضعف الحضور المسيحى كثيرًا فى سوريا حاليًا بسبب الهجرة، لأن أكثر من ٥٠٪ منهم تركوا البلاد، لأنه أصبح مطلوبًا منا أن نضاعف جهودنا كى يبقى وجودنا قويًا، خاصة أن الوجود المسيحى فى سوريا كان طوال التاريخ مصدر استنارة وتواصل، من خلال المدارس والمؤسسات الاجتماعية والأدبية والنشاطات التى قاموا بها.

■ كيف ترى الصراعات الجارية فى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وفى فلسطين بشكل خاص؟

- منطقة الشرق الأوسط لم يتوقف فيها الصراع منذ آلاف السنين؛ لأنها منطقة غنية فى الأساس وموطن الحضارة والمدنية، وعندما نتحدث عن منطقة الشرق الأوسط فنحن نقصد بلاد ما بين النهرين وسوريا والأراضى المقدسة فى فلسطين ومصر، وهذه الأرض هى مركز ميلاد الحضارة فى العالم، وبالتالى فهناك صراع دائم على المنطقة والثروات الموجودة بها.

أما القضية الفلسطينية فهى الصراع الأطول فى العالم، لأنها تبقى دون حل نهائى، ولا يزال الشعب الفلسطينى، مسلميه ومسيحييه، ومقدساته الإسلامية والمسيحية، يتعرضون للاضطهاد من الإسرائيليين والجماعات اليهودية المتطرفة. 

وبالتأكيد نحن نستنكر كل هذه الأعمال، ونطالب بأن تظل القدس، وجميع الأماكن المقدسة عند المسلمين والمسيحيين واليهود، مقدسة ومصانة، وأن يتم الحفاظ على حقوق كل طائفة بها، وتثبيت وضعها دون تدخلات أو مساس، لأن المساس بالمقدسات يمكن أن يؤدى إلى حروب وصراعات أقوى من التى نعيشها حاليًا.

■ درست فى مصر لفترة من الوقت.. فما ذكرياتك عن تلك الأيام؟

- مكثت فى مصر فترة غير قصيرة، حيث درست فى الكلية الإكليريكية المصرية، فى عهد البابا الراحل شنودة الثالث، وتعلمت فيها الكثير من الدروس الروحية، من خلال أساقفة وكهنة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وزرت خلال فترة الدراسة العديد من الكنائس والأديرة القبطية، كما زرت دير السريان، الذى رأيت فيه جانبًا أثريًا مهمًا يبرز تاريخ وآثار الكنيسة السريانية.

وبالتأكيد أشعر بالسعادة لقضائى تلك الفترة فى مصر، لأنها أسهمت فى توطيد علاقتى بالكنيسة القبطية، وانعكست إيجابيًا على حياتى الروحية والرعوية.