رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«نصب متكرر».. محمد المهدى يكتب: أول دراسة نفسية شاملة عن ظاهرة «المستريح»

محمد المهدى
محمد المهدى

قبل أن تقرأ

من المثير للدهشة أن تتكرر أحداث النصب والاحتيال على فترات متقاربة ويتساقط الضحايا وراء الضحايا، وتذاع هذه الحوادث على كل وسائل الإعلام، ويسمعها ويشاهدها جميع الناس، ومع ذلك يقعون مرات ومرات ضحايا للمستريحين الذين تتغير أسماؤهم وصفاتهم، ولكن الفكرة واحدة، وهى أن النصاب يسعى لكسب سريع وهو مستريح، والضحية ينتهز الفرصة أيضًا لكسب سريع وهو مستريح، إذن فلفظ «المستريح» يطلق هنا من الناحية النفسية على الجانى والضحية، حتى وإن كان الجانى يفعلها بخبث، بينما الضحية يقع فيها ببراءة أو تحت تأثير طمع جامح أو احتياج ملح، وقد تكرر هذا المشهد فى صورة شركات توظيف الأموال قديمًا، وتكرر بعد ذلك فى صور مختلفة، حتى وصلنا إلى الحدث الأخير وهو «مستريحين الصعيد»، مع تغيير نوعى هذه المرة، وهو ظهور عدد من المستريحين بلغ أكثر من عشرة دفعة واحدة فى منطقة جغرافية صغيرة وفقيرة، ووسط أناس بسطاء أغلبهم فقراء أقنعهم هؤلاء المستريحون بشراء مواشيهم بضعف أو ثلاثة أضعاف ثمنها، وأعطوا للناس دفعات كبيرة من الأموال فصدقهم الناس واندفعوا بأعداد كبيرة متهافتين على هذا الكسب الكبير فى ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة، ثم بعد أن وثق فيهم الناس بدأوا يشترون بالآجل على أن يدفعوا المال بعد شهر أو أكثر، فدفع الناس إليهم مواشيهم بلا ثمن، وبلا ضمانات، انتظارًا للثمن الكبير الذى حصل عليه سابقوهم، فجمعوا المليارات واختفوا!.. واشتعلت نار الفتنة والثأر فى الصعيد بما استدعى جهودًا هائلة لوأدها، وربما اختار المستريحون هذه البيئة الفقيرة، فى هذه الظروف الصعبة، ليكون الناس أكثر قابلية للإيحاء والاستهواء والاستلاب. 

قد حدثت عدوى بين النصابين فتوالى ظهورهم طمعًا فى المال، وتوالى أيضًا ظهور الضحايا بأعداد كبيرة، تحت تأثير الاحتياج أو الطمع أو الغفلة أو السذاجة أو الكسل أو تقليد الآخرين، بما نسميه ضغط الجموع أو الهستيريا الجماعية أو سلوك الحشد، حيث يفقد الشخص فى هذه الظروف قدرته على القراءة الموضوعية العقلانية، ويتحرك مع الجموع بمشاعره المتوجهة نحو الكسب السريع والمتوهجة بشائعات وأخبار هذا الكسب الذى حققه آخرون، فيفقد الناس حذرهم المتوقع ويسلمون أموالهم بسلاسة للنصاب الذى نصب لهم الفخ من خلال تقديمه نماذج كسب محدودة كطعم لصيد مئات بل آلاف الناس، وهو يستخدم قاعدة بسيطة جدًا وهى: «يلبس طاقية ده لده». 

والشخص النصاب «المستريح» غالبًا ما يزين نفسه بأشخاص بارزين فى المجتمع ليعطوه مصداقية كاذبة، أو يشيع بأنه جاء بوصية من أحد أولياء الله الصالحين؛ ليساعد الناس، أو يظهر بقناع دينى ويدعو لافتتاح مشروعاته ومباركتها بعض رجال الدين، أو يظهر فى فيديوهات توحى بثرائه وأمانته، أو يقوم ببعض الأعمال الخيرية مثل بناء مساجد أو بيوت للفقراء، ويبالغ فى الحديث عن الأمانة والصدق والإخلاص. وقد ذكر أحد المحامين فى الصعيد أن الأشخاص الذين قاموا بعمليات النصب الجماعى بنفس الطريقة ربما تربطهم علاقة ما، وأن قدراتهم العقلية ربما لا تؤهلهم لهذا التفكير الخطير، وأنه ربما يكون وراءهم مدبر أكثر منهم ذكاءً، وسوف تكشف الأيام والتحقيقات خبايا هذه الأحداث ومن وراءها. 

يجدر بنا فى هذه الظروف أن نستعيد ذكرى أحداث آخر عملية نصب جماعى على المصريين، والتى جرت تفاصيلها فى مصر ودبى من خلال شركة استثمارية «أو شركة أوراق مالية» وراح ضحيتها ٦٨ مصريًا فى داخل مصر و١٣ مصريًا فى دبى «هؤلاء فقط من أعلنوا عن أنفسهم وربما غيرهم كثير يخشون الإعلان لأسباب بعضها معلوم وأكثرها مجهول»، وهم جميعًا ينتمون إلى طبقات اجتماعية عليا، فمنهم رجال أعمال ورياضيون وإداريون وفنانون، بل بعض المسئولين.

وقد نجح صاحب الشركة فى جمع ملايين الدولارات منهم بحجة استثمارها، وأغراهم فى البداية بفوائد عالية بلغت فى بعض الأحيان ٤٠-٥٠٪ فى السنة، ووضع على رأس مجلس الإدارة اسم أحد المسئولين الكبار، ثم فجأة أعلن صاحب الشركة من جانب واحد أن الرصيد أصبح صفرًا، فهاج وماج المودِعون ورفعوا القضايا، ونشطت وسائل الإعلام تستطلع الأمر وتستضيف المودعين ومحاميهم ليصفوا صاحب الشركة بأنه نصّاب ومحتال وانتهازى، ثم تستضيف مدافعين عن صاحب الشركة «لزوم الموضوعية أو حرية الرد، أو قل لزوم تسخين المعركة الإعلامية»، ليقولوا بأن المودعين حصلوا على فوائد كثيرة تفوق أرصدتهم التى أودعوها وأنهم طمّاعون أكثر من اللازم، وأن ما حدث هو نتيجة طبيعية لانهيارات البورصة العالمية، ثم يقف المحللون الاقتصاديون ليقولوا بأنه استحالة فى عالم البورصة أن يصل الرصيد صفرًا، إذ أنه لا يمكن أن يصبح قيمة السهم صفرًا فى أى حال من الأحوال. 

المشكلة ليست فى أن شخصًا خدع آخرين أو نصب عليهم أو استغلهم، فهذا يمكن أن يحدث فى أى مجتمع، ولكن المشكلة هى فى تكرار تلك الحوادث فى المجتمع المصرى بصورة لافتة للنظر «نصّاب مدينة نصر، وقبله شركات توظيف الأموال، وقبلهم وبعدهم عدد كبير من رجال الأعمال نصبوا على البنوك وأخذوا منها المليارات وهربوا»، وبشكل يدعو المتخصصين فى مجالات علم النفس والاجتماع لأن يدرسوا هذه الظاهرة، من كل جوانبها وأطرافها، لمعرفة أسبابها وجذورها ومظاهرها وطرق مواجهتها، وهذا ما سنحاوله فى هذه الدراسة، على أن نعتبرها بداية لمحاولات أكثر تفصيلًا ومنهجية. وسوف نقوم بتأمل عناصر المشكلة، كل على حدة، ثم نرى كيف تتفاعل هذه العناصر لتنشئ حدث «النصب المتكرر» على أفراد الشعب المصرى. وهل القابلية للنصب لدى الشعب المصرى متصلة بقابليات أخرى مثل: القابلية للاستعمار والقابلية للاستبداد؟!..

فى البداية نتساءل: ما الذى يجعل حوادث النصب كثيرة ومتكررة بهذا الشكل فى المجتمع المصرى؟.. ألدينا عدد أكبر من النصّابين.. أم لدينا عدد أكبر من السذج والغافلين والمغفلين.. أم لدينا بيئة محرضة على النصب «كما هى محرضة على الغش فى الامتحانات وتزوير الانتخابات والرشوة والفساد والاستبداد والتحرش، وكلها آفات شديدة الصلة ببعضها»؟.. ولكى نتعرف على الإجابة أو نجد تفسيرًا سنحاول الدخول إلى المعنى النفسى للمال والتملك، ثم نعرج إلى أركان جريمة النصب لنرى العوامل التى تساعد على إتمام الجريمة فى أركانها الثلاثة: النصّاب، والمنصوب عليه، والبيئة التى احتضنت جريمة النصب.

سيكولوجية المال والتملك 

إن دافع التملك هو من أقوى الدوافع النفسية لدى الإنسان، وقد لا يحتاج منا إلى إقامة دليل حيث يبدو وكأنه بديهية من بديهيات الحياة، إذ يكفى فقط النظر بالعين المجردة إلى ما يدور بين الناس من صراعات لنكتشف أنها صراعات حول التملك «حتى وإن أخذت أسماء أو شعارات أخرى». والتملك متصل باكتساب الأشياء المادية بجانب القوة والسيطرة، واكتساب الشعور بالأمن، واكتساب الحب، واكتساب تقدير أعلى للذات، وتمدد الذات فى الزمان والمكان.

وقد عرف إبليس قوة دافع التملك وما يتصل به من رغبة عارمة فى البقاء والخلود، ولذلك حين أراد أن يغوى سيدنا آدم عليه السلام بالأكل من الشجرة المحرمة كان هذا مدخله، وهذا يجعلنا ننظر لإبليس على أنه عالم بخبايا النفس ومواطن ضعفها قبل علماء النفس بكثير، كما سنرى فى الآيات التالية:

«فأزلهما الشيطان عنها، فأخرجهما مما كانا فيه»

وكان هذا أول درس فى الغواية وأول تجربة فى الوسوسة نجح فيها إبليس، حيث استغل بعض خصائص هذا المخلوق الجديد «الإنسان»، ومن هذه الخصائص رغبته فى الخلود وامتداد الملك، تلك الرغبة التى لعب عليها إبليس..

«ألا أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلى»..

ويبدو أن هاتين الخاصيتين «الرغبة فى الخلود، والرغبة فى التملك» ستكونان ثغرتين يخترق من خلالهما إبليس كيان هذا المخلوق الجديد كلما أراد أن يغويه، لكون هاتين الخاصيتين عميقتى الجذور فى البناء النفسى للإنسان، ولكون نجاح إبليس الأول فى الإغواء كان من خلالهما. ويبدو أيضًا أن هذه الخصائص من القوة فى النفس البشرية، بحيث يمكن أن ينسى معها الإنسان العهد حتى وإن كان قريبًا، حتى وإن كان ذلك العهد مع الله، وهذا ما حدث مع آدم عليه السلام، ويحدث بشكل متكرر مع ذريته رغم كل التحذيرات ورغم تجارب الإغواء والسقوط المتكررة.

وجاءت الأديان تترى بعد ذلك لتعالج نقاط الضعف هذه فى النفس البشرية من خلال الحث على الإنفاق فى الخير «الصدقة والزكاة»، وتطهير النفس من الجشع والطمع والحرص والبخل «وكلها آفات نفسية خطيرة»، والبحث عن الخلود والبقاء فى الأعمال الصالحة.

رؤية التحليل النفسى 

يرى التحليليون أن اكتناز المال سمة مرتبطة بالتثبيت عند المرحلة الشرجية، وهو مكافئ لإمساك الطفل عن إخراج برازه ومعاندة الأم فى ذلك، ثم شعور الطفل بقدرته على التحكم والسيطرة والاستمتاع بذلك، وهذا يفسر لنا الرغبة فى جمع المال واكتنازه بشكل شره لدى بعض الناس. وهناك بعض التعبيرات التى ربما تشير إلى الارتباط بين المال والبراز حين نقول مثلًا: «أموال قذرة».. «غسيل أموال»..

والمال من ناحية أخرى هو رمز للقوة والسيطرة والقدرة، وهو من الناحية التحليلية يكون مكافئًا للقوة الجنسية وللقضيب، فالذى يمتلك المال يشعر بقدرة كبيرة ونشوة هائلة، ويشعر بأنه جدير بكل النساء، وبأجمل النساء، وربما يفسر لنا هذا ولع رجال الأعمال بالعلاقة مع نجمات الفن والغناء وإغداق المال عليهن، وحين تخون إحداهن أو تبتعد عن رجل الأعمال الذى اشتراها بماله واعتبرها من مقتنياته يقوم بقتلها، حيث إنها هنا طعنته فى رجولته، وأثبتت له أنه ليس الأقدر ولا الأقوى «راجع قتل المطربة ذكرى والمطربة سوزان تميم». وانتزاع المال من الشخص يكون أشبه بانتزاع قدرته الجنسية أو إخصائه، أما إذا انتزع هو المال من الآخرين- كما هو الحال فى النصابين والمحتالين- فإنه يشعر بالغلبة وبأنه سلب الآخرين قوتهم وقام بخصائهم، وهذا يعطى للنصّاب والانتهازى لذة لا يجدها فى الحصول على المال بشكل طبيعى من الجهد والعمل والمثابرة.

وهناك ملاحظة أن رجال الأعمال الذين يفقدون قدرتهم الجنسية بسبب المرض أو الشيخوخة أو الانشغال الزائد يتوحشون فى جمع المال، وكأنهم يعوضون هذه بتلك، ويقومون بجمع الفتيات الجميلات بجوارهم «رغم عدم قدرتهم على التعامل معهن على مستويات أعمق»، وكأنهم يقولون بلسان الحال: نحن ما زلنا قادرين على جذب النساء واقتنائهن.

وجمع المال قد يكون بحثًا عن الأمان لدى من يفتقدون الأمان، خاصة من عاشوا ظروفًا أسرية صعبة فى طفولتهم المبكرة، فهؤلاء فشلوا فى أن تكون لهم علاقة بأم وأسرة تعطيهم الإحساس بالأمان، فعاشوا يتوقون إليه دون جدوى.

والشراهة فى جمع المال قد تكون مدفوعة بحرمان شديد من الاحتياجات الأساسية للشخص إبان فترة طفولته، وقد يحدث العكس لدى أطفال مدللين ومشبعين إلى حد التخمة، وهم قد تعودوا أن يأخذوا من الآخرين كل شىء، وأن لا يعطوا أى شىء، والأخذ عندهم دليل على الحب من الآخرين.

والمال قد يكون مكافئًا للحب، فالحصول عليه يعوض حرمانًا من الحب والتقدير، وإنفاقه قد يكون بحثًا عن الحب أو شراء الحب، فكثيرون ممن يندفعون نحو تحصيل المال بشكل شره لديهم فقدان للحب فى حياتهم، ويشعرون بأن الناس تلتف حولهم فقط لامتلاكهم المال، فتزيد شراهتهم للمال، والتى هى بالأصل شراهة للحب المفقود.

والمال قد يكون مدخلًا للسلطة وما تمنحه من مزايا خاصة فى المجتمعات التى تتزاوج فيها السلطة مع الثروة، فيجد الشخص أنه جمع كل مصادر القوة والسيطرة فى يديه.

وبما أن الحاجة للشبع والقدرة والقوة والأمان والحب، كلها احتياجات نفسية عميقة، وهى احتياجات محبطة وغير مشبعة لدى المتطلعين بشغف إلى المال، لذلك نتوقع أن يستمر سعيهم الشره نحو المال طول الوقت، فهم لن يشبعوا لأن المسألة ليست احتياجات مالية تهدأ بالحصول على قصر وسيارة ورصيد فى البنك، وإنما المسألة مرتبطة باحتياجات نفسية تم استبدالها بالمال، وهذه الاحتياجات النفسية احتياجات ملحة جدًا ولا تهدأ مع محاولات الإشباع المتكررة.

رؤية المدرسة السلوكية 

يرى السلوكيون أن امتلاك المال يصاحبه القدرة على الشراء والقدرة على الاقتناء لكل ما هو مرغوب، ويصاحبه التفاف الناس حول صاحب المال ويصاحب كل ذلك الحصول على ملذات كثيرة، كل هذا يؤدى إلى حالة من الارتباط الشرطى بين امتلاك المال وحصول المسرات والملذات، وبهذا يتعلق الإنسان بالمال تعلقًا شديدًا، ويصبح فقده للمال شيئًا مؤلمًا جدًا؛ لأنه سيرتبط بفقد كل الملذات والمسرات، ولهذا لا نستغرب حين نرى رجل أعمال يصاب بأزمة قلبية ويموت حين يخسر أمواله فى البورصة، وربما يقتل نفسه أو يقتل أحب الناس إليه «راجع حوادث الانتحار وحوادث قتل الأبناء والزوجات فى السنوات الأخيرة مع انهيار البورصة»، فالحياة دون المال عنده لا تساوى شيئًا، أى أن الحياة هنا اختزلت فى المال. كما أن التعاملات المالية فيها قدر من المخاطرة «خاصة تعاملات البورصة»، وهذه المخاطرة مع ما يتبعها من نتائج تكون مصحوبة بقدر عالٍ من المشاعر سواء الإيجابية أو السلبية، وهذا التماوج فى المشاعر صعودًا وهبوطًا يكون مطلوبًا لدى بعض الناس وممتعًا لهم، وهو أشبه بسلوك المقامرة.

 ما هو النصب والاحتيال؟

«هو استخدام التضليل من أجل الحصول على أموال الآخرين، أو الامتلاك بالباطل لأشياء ذات قيمة مادية عن طريق الغش والخداع والمراوغة والتزييف واختلاق الأكاذيب والمعاذير وتبديل الواقع والمبالغة، والتهويل بجاذبية مصطنعة تشد أنظار وأسماع الآخرين، بما يضمن استثارة دوافعهم وانفعالاتهم وعواطفهم». (التعريف للدكتور أكرم زيدان فى كتابه: سيكولوجية المال، سلسلة عالم المعرفة، مايو ٢٠٠٨).

والنصب والاحتيال له صور كثيرة بعضها بدائى، مثل لعبة الثلاث ورقات التى كان يمارسها النصّابون فى الميادين العامة وساحات الموالد الشعبية، وبعضها شديد التعقيد ويحتوى على قدر عالٍ من الذكاء والابتكار، وهذا الأخير ما نراه فى العصر الحالى حيث يمارس النصّاب عمله ويحتال على ضحايا على قدر كبير من العلم والثقافة والتجربة، ولهذا يحتاج لكم هائل من الغش والخداع والمناورة والمراوغة والكذب المتقن وتبديل الواقع، وشد الأنظار واستثارة الدوافع، واللعب على دوافع التملك والإغراء بالمكسب الهائل والسريع، وإعطاء ضمانات وهمية ولكنها كافية لإقناع مثل هؤلاء الناس بالتسليم له وهم فى حالة خدر لذيذ إلى أن يفيقوا فى يوم من الأيام على الكارثة، ويكتشفوا أنهم كانوا ضحية لنصّاب يفوق ذكاؤه ذكاءهم. ومع تكرار حوادث النصب والاحتيال فإن الناس لا تتعلم، ربما لأن النصّابين يجددون فى وسائلهم المبتكرة، أو لأن الناس لديهم قدر من الدوافع والاحتياجات يجعلهم لا يرون الواقع كما هو، بل يرون احتياجاتهم فيندفعون بلا منطق نحو المصير المحتوم، خاصة أن كثيرًا من النظريات الاقتصادية الحديثة أثبت أن الناس ليسوا دائمًا منطقيين فى التعامل مع المال، بل يحيط تعاملهم الكثير من المشاعر والانفعالات والتحيزات، وهذا ما يلعب عليه النصّابون، فقد عرفوا ذلك بفطرتهم الشريرة قبل أن يكتشفها العلم.