رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفضل يعود لأخيه.. هكذا كانت بداية محمود درويش مع الشعر

محمود درويش
محمود درويش

"إذا كنت شاعرا مكرسا، فأنا مكرس في الحياة الثقافية، أو لدى القارئ، ولكن في العلاقة بيني وبين نفسي لست مكرسا، أنا لم أكرس نفسي حتى الآن، وقد يبدو هذا الكلام إدعاء للتواضع، ولكن هذه حقيقة ما أشعر به، أنا لم أكرس نفسي في معنى، أننى لم أطمئن إلى تجربتي الشعرية، لم أطمئن إليها أبدا، وما زلت أعتقد بأنها في حاجة إلى تجربة وتجريب جديدين، وإلى تطوير دائم، وإلى التمرد على ما نسميه الإنجاز الراهن".. هكذا تحدث الشاعر محمود درويش (13 مارس 1941 - 9 أغسطس 2008) عن تأثير السلطة الشعرية عليه، مشيرا إلى أنه يخشى أن يتوقف ذات يوم عن الكتابة، فهذه خشية دائمة، خصوصا عندما ينهي عملا جديدا، فيكون دائم الخوف من هذه القضية، إنما بمثابة هاجس.

وعن نشأة محمود درويش الشعرية، أوضح في حوار له بمجلة "مشارف" بعددها رقم 3 الصادر بتاريخ 1 أكتوبر لعام 1995 أن العائلة ليس فيها شعراء ولا كتاب، وذلك في حدود معرفته لشجرة العائلة، وردا على سؤال "من أين جاءك الشعر" قال: لا أدري من أين.. حاولت مرة أن أبحث في تربيتي عن نسب شعري داخل أسرتي ففكرت في أمي، أمي كانت تكره الأعراس ولا تذهب إليها، لكنها تحضر كل جنازة، صادقتها مرة في جنازة وهي تندب، سمعتها تقول كلاما كله شعر، إذا بحثنا عن أصل وراثي للشعر، فقد يكون منشأ شعري من الكلام الصامت والمخزون لأمي، لكن الذي ساعدني شعريا وأخذ بيدي ورعاني هو أخي الأكبر، وهو الذي شجعني على أن أطور تأتأتي الشعرية الأولى، مستطردا: أنه قد تخلى عن الكتابة واكتفى بأن يشجعني، معلمي الأوائل ساعدوني أيضا على تطوير نفسي.

أول شعر تأثر به محمود درويش هو الذي كان يسمعه في مجالس البيت من سيرة عنتر والملاحم الشعبية عامة، وعن السير الشعبية قال إنها مليئة بالشعر، متابعا: كان صوت الراوي يخطفني ولا أدري لماذا.. كنت ولدا صغيرا يستمع ويندهش في المدرسة علمت أن الشعر لا يروى فحسب، بل يكتب أيضا، هناك قرأت القصائد المقررة وكانت مختارات من المعلقات، من المتنبي وجرير والفرزدق، لكن أول شعر حاولت تقليده كان الأندلسي والمهجري لأنه أسهل على التقليد، بعد ذلك غدت صلتي بالشعر أكثر مباشرة، أعني أنهم باتوا يحضرون لي كتب شعر.

وعن ذكريات محمود درويش في فترة الطفولة كشف: أنا من أسرة ريفية، عائلتي تملك أرضا، وتشتغل في الأرض وتعيش من إنتاج الأرض، عائلة متوسطة الحال من الطبقة الوسطى الفلاحية، لذلم طفولتي مليئة بصور "ورشة" الأرض، كان جدي هو الأب الحقيقي بسبب انشغال أبي في التربة، وملاحقة الفصول، يخرج في الصباح ويعود في المساء، ويتركنا أنا وإخوتي في رعاية جدي، كان هو أبانا الحقيقي، يدللنا ويأخذنا في نزهات ويصحبنا إلى المدن، أبي ككل المزارعين مستغرق في عمله في الأرض حتى كأنه قطعة منها، أمي امرأة جميلة جدا، هي أيضا اشتغلت في الأرض.