رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تطهير مصر من الكتب ذات الفكر المتطرف والتكفيرى

لأننا نتجه إلى إعلان الجمهورية الجديدة التى نتمنى أن تكون بها مصر دولة متقدمة وآمنة، وأضيف إلى هذا أننا نتمنى دولة تناصر الفكر المستنير وتعمل على نشره فى كل ربوعها، خاصة بين الشباب الذين يشكلون نسبة كبيرة من تعداد السكان.. نتمنى دولة خالية من الفكر المتطرف والتكفيرى، والفكر الذى يحض على الكراهية والقتل والفتن، دولة فيها المواطنون متساوون رجالًا ونساءً، وليس فيها تعصب لجنس أو دين أو عقيدة.

هذه الجمهورية الجديدة من الضرورى أن تكون فيها حماية للحريات ما دامت تصب فى مصلحة الدولة، ودولة فيها حماية للمرأة لا يتم فيها قهرها أو اضطهادها أو التحقير من مكانتها، دولة فيها المسلم والمسيحى متساويان أمام القانون ومتساويان فى المعاملة فى المجتمع، وليس فيها مَنْ يحض على الفتن ويحض على كراهية غير المسلم، دولة تحترم القانون وتطبقه بعدالة ولا تُستباح فيها الفتاوى لمن يشاء أن يفتى فى الدين ويلقب نفسه بالداعية.

ولهذا فإننا إذا ما أردنا صياغة العقل المصرى على التنوير والحريات والمساواة والعدالة واحترام الأديان ليتناسب ويتسق مع الجمهورية الجديدة، فإنه لا بد من أن تقوم الدولة بإصدار قرارات تمكننا من تطهير مصر من الكتب ذات الفكر المتطرف أو التى تحض على الكراهية والقتل والفتنة وتكفير الآخرين، وأن يتم منع الفتاوى المتطرفة التى تنتشر فى الإعلام وفى مواقع التواصل الاجتماعى وفى الدروس الدينية بلا خوف من قانون يحظر تلك الفتاوى التى تحاصرنا بالفكر المتطرف، وتشن الهجوم على كل من يبدى رأيًا فى حقوق المرأة أو فى شأن عام أو الدعوة لاحترام الحريات، وكأنما الاجتهاد فى تجديد الخطاب الدينى قد أصبح من المحظورات إلا لفئة المتشددين والمتطرفين الذين يملأون الفضائيات وينشرون فكر التطرف والكراهية وتحقير المرأة، وقد أصبح من شأنهم فقط.. والآن أعتقد أنه قد حان الوقت فى مصر لأن يتم تطهير الكتب والمكتبات ودور النشر والكتب الدراسية من خطاب التطرف والعنف والقتل والكراهية وتكفير الآخرين، آن الأوان لتتم مراجعة جميع ما يُقدم للطلبة فى جميع الكليات وفى جميع المدارس.

والحقيقة التى لا بد من ذكرها هى أنه حتى الآن لم يتم تنفيذ ما وجّه إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ سنوات بتجديد الخطاب الدينى، ولم تتم تنقية الكتب الدراسية فى بعض الجامعات من الكتب ذات الفكر المتطرف.. إن توجيه الرئيس من الضرورى أن يصبح أمرًا ملموسًا على أرض الواقع، ولا بد من منع الكتب الدينية ذات الفكر الذى يدعو للتطرف والكراهية من التداول فى المكتبات، ولا بد من مراجعه المناهج الدراسية التى بها خطاب تكفيرى أو متطرف، سواء فى الجامعات أو المدارس، ولا بد من الالتفات من وزارة التربية والتعليم إلى المدارس التى تنشر الفكر المتطرف وتجبر البنات منذ سن صغيرة «٦ أو ٧ سنوات» على ارتداء الحجاب إجبارًا وقهرًا لهن.

كما أننى أدعو إلى أن تتم تنقية وتطهير الكتب ذات الاتجاهات التكفيرية والمتطرفة فى جامعة الأزهر.. وفى تقديرى أن الكتب التى تحض على القتل والتطرف والتشدد والعنف هى سلاح يدمر العقول ويجعل منها سيفًا مسلطًا على الآخرين باستخدام الدين الإسلامى، والدين منها براء.. وإن دعوتى لمصادرة الكتب ذات الاتجاه التكفيرى أو المتطرف لا تعنى أننى أدعو إلى رفض حرية التعبير والفكر والإبداع التى أقرها الدستور المصرى، أو أننى أدعو إلى الحجر على حرية الإبداع أو حرية الفكر، وإنما حقيقة الأمر فقط أننى أرى أننا فى مرحلة يجب فيها أن ندعو إلى الاستنارة والانفتاح الفكرى، وإلى حرية الإبداع، وإلى القراءة لكل ما نرغب، ولكن على ألا يكون بين المناهج الدراسية أو بين المكتبات ما يدعو إلى القتل والكراهية والتشدد وتكفير الآخرين باسم الدين الإسلامى، أو استغلال الدين الإسلامى للوصول لأهداف سياسية ولتنفيذ مشروع سياسى دولى لطمس الهوية المصرية، لأننا شعب وسطى يحب الحياة والفنون، وهو أبوالحضارة وأصل التقدم فى العلوم والفنون وحقوق المرأة منذ آلاف السنين. 

إننا فى مرحلة نحتاج فيها إلى صياغة عقل جديد يتناسب مع الجمهورية الجديدة، ومشروع للإصلاح الدينى ينشر قيم التسامح والسلام والمحبة والاستقرار فى بلدنا.. وأرى أن توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بتجديد الخطاب الدينى هو توجه نحو المستقبل، وقائم على ما رأيناه من أهوال ومن سفك دماء المصريين فى عمليات إرهابية كلها تستند إلى استخدام الدين، والدين الإسلامى منها براء، ورفضها الشعب المصرى حينما قام بثورته الشعبية الهادرة ضد الظلاميين فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.

وقد سبقتنا دول أخرى منذ بضعة أيام بشأن منع كتب التطرف فى ربوعها، ففى المملكة العربية السعودية صدر أمر ملكى بذلك، وهو يعد من وجهة نظرى ثورة إصلاحية فى اتجاه التحرر من الفكر المتطرف، وأرى أنه من أفضل ما تم إعلانه من أوامر ملكية فى الآونة الأخيرة من أجل مستقبل مشرق للمملكة العربية السعودية الشقيقة، حيث صدر الأمر الملكى بسحب كتب القرضاوى وسيد قطب وحسن البنا من المكتبات ودور النشر، ويتم تنفيذ هذا الأمر الملكى السبّاق وغير المسبوق الآن حتى يتحرر المجتمع السعودى من أسر الفكر المتطرف والتكفيرى.

والأمر الملكى هناك لا بد أن يتم تنفيذه، ولا بد أن يُحترم، ما سيجعلنا نرى تطورًا فى المجتمع السعودى إلى الأفضل، وهى قد بدأت هذا الطريق نحو التقدم وإلى فكر أكثر رحابة، حيث بدأت المملكة العربية السعودية فى إعطاء حقوق للمرأة وفى الانفتاح على الفنون والإبداع بشكل غير مسبوق، وصدرت مؤخرًا عدة أوامر ملكية لتطوير وجه السعودية إلى دولة عصرية متقدمة، وهى تسير بخطى سريعة نحو ذلك، وهذا أمر أرى أنه يستحق كل التقدير والاحترام.

وفى المغرب، أيضًا، تنبّه المغاربة، خاصة عاهل المغربى، إلى خطورة تداول كتب ذات فكر متطرف ومتشدد، فقد أصدر العاهل المغربى مؤخرًا قرارًا ملكيًا بحذف جميع آيات الجهاد والقتل والكراهية من المناهج الدراسية.

هذا يحدث فى المملكة العربية السعودية الشقيقة وفى المملكة المغربية الشقيقة، وفى مصر أتطلع، أو أتمنى، أو أطالب، بأن نتجه نحو تحرير العقل المصرى من الكتب التى تدعو إلى القتل والكراهية وتكفير الآخرين.

كما أطالب بالتنبه إلى توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بتجديد الخطاب الدينى وتنفيذه على أرض الواقع.. وفى تقديرى أن تجديد الخطاب الدينى يعنى بالضرورة البحث فى كتب التراث التى بها دعوة للقتل أو دعوة للعنف أو دعوة لتكفير الآخرين، وأظن أننا سنجد الكثير منها متداولًا وموجودًا، سواء فى بعض المناهج الدراسية أو فى المكتبات.

إننى هنا أتذكر وأعود فأذكّر القارئ بمخطط السياسى الأمريكى برنارد لويس، الذى وضعه فى سن ١٩٨٣، لتقسيم الشرق الأوسط ولتفتيت الدول العربية إلى دويلات متصارعة، والذى وافق عليه الكونجرس الأمريكى، ثم وضع فى الأدراج إلى أن حان موعد تنفيذه فى عهد الرئيس أوباما، وأُطلق عليه «ثورات الربيع العربى».

ولم يكن سوى مخطط شيطانى لتدمير الدول العربية وتقسيمها إلى دويلات صغيرة متحاربة، ومنها بلدنا الذى حماه شعبه وجيشه وشرطته فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ من الفكر الظلامى، الذى كان يعمل بمخطط دولى لتفتيت مصر وتدمير المجتمع المصرى وطمس الهوية المصرية.. والحمد لله أن مصر نجحت فى الانتصار على مخطط التقسيم، وأن كان هذا المخطط ما زال فى الأدراج، وهو يعمل على بث الأفكار الإرهابية ونشر الكراهية والتطرف باستخدام الدين الإسلامى حتى يتقاتل المسلم العادى والمسلم الذى يعمل لتنفيذ المخطط، من مرتزقة وأتباع للمخطط.. ولا تزال هناك محاولات للعودة مرة أخرى بأشكال مختلفة، والهدف أن يتحول الوطن العربى إلى منطقة قتال وتدمير باستخدام مرتزقة ينفذون المخطط الدولى، وتكفيريين ومتطرفين يقتلون المسلمين الآخرين، وأيضًا يبثون خطاب الكراهية والفتنة بين المسلم والمسيحى.

كل هذا كان ضمن المخطط الخطير الذى أدركه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فتصدى له بشجاعة فذة، وفهمه قادة الجيش المصرى وفهمه الشعب المصرى ورفضه، وبالتالى حينما نقول إننا فى حاجة إلى حماية مصر من الفكر المتطرف فإننا أيضًا نعرف أنها مهمة صعبة وليست مهمة سهلة، ولكنها يمكن أن تتم من خلال قيام الحكومة باختيار مجموعة من المفكرين المستنيرين، ومعهم دعاة مستنيرون للدين الإسلامى، يبحثون ويرصدون ويمنعون جميع الكتب التى تدعو للتطرف والتشدد، والتى تدعو إلى القتل والتكفير وإلى كل صور الإرهاب الفكرى.

لقد استطاع الشعب المصرى أن يتغلب على الإرهاب، وأن يرفض التطرف والتشدد والعنف، ونحن نسير نحو جمهورية جديدة حديثة عصرية ذات فكر مستنير، أتمنى ونحن نقوم بهذا، أو ندعو لهذا، أن يتم تشكيل مجموعة لتنفيذ توجيه سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى بتجديد الخطاب الدينى، وأن يبدأ ذلك فى الإعلام فورًا، وأن يتم أيضًا حذف أو منع الكتب وحذف الآيات الجهادية، من المناهج الدراسية، التى تدعو إلى الجهاد بالقتل أو تكفير الآخر أو التى تدعو إلى التطرف الفكرى أو تدعو إلى احتقار المرأة أو العودة بها إلى زمن الجاهلية.

لدينا الكثير والكثير مما يمكن أن تتم تنقيته وتطهيره، ولكن الخطوة الأولى فى حاجة إلى التنفيذ، وإلى وضع خطة زمنية لتنفيذها لأن مصر فى حاجة إلى أن تُرسى دعائم دولتها الحديثة أو جمهوريتها الحديثة العصرية الحرة المستقلة الآمنة المستقرة التى نتمناها ونأملها جميعًا، والتى يتساوى فيها الرجل مع المرأة، ويتساوى فيها جميع المصريين بما يقدمونه من خير أو من عمل وإنتاج لبلدهم.