رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبناء الحاج عبدالتواب «الذى رقد بسلام»

من حق أبناء الحاج عبدالتواب أن يظنوا أن الخير اللى كانوا عايشين فيه من شغل العطارة، لكن من حقنا أن نذكّر أبناء الحاج عبدالتواب بأن إمبراطورية والدهم انهارت عندما قرر «كمال» التخلص من الدفاس وأبو دهشوم، واستعان بهواة وارد المدارس الأجنبية الذين يتعاملون بالشوكة والسكينة، فانتهى الأمر فى لحظة.

استعجل «كمال» الورث وقرر أن يكبر سريعًا.. فرح بلقب الأستاذ الذى كان يسبق اسمه من كبارات المنطقة، وفرح بجلساته التى لا تتوقف مع الكبار، الذى اكتشف أنهم يسمعون إليه باهتمام، ويدونون ملاحظاته باعتباره المعلم القادم لسوق العطارة.

الابن «سر» أبيه.. لكن أحيانًا ما يكون «سر» تعاسته الأبدية.. ومأساة الحاج عبدالتواب كانت فى ابنه «كمال» الذى دخل شريكًا له فى إدارة العطارة وخلافة.. باعتباره بيساعده فى إدارة المحل بعد أن كبر فى السن، وظهرت عليه علامات الضجر، وكان بيزهق من أقل حاجة، وانتهى به يريد ركن الحاج نفسه على جنب، باعتباره «طيب» زيادة عن اللزوم ومدلع الناس اللى بتشتغل معاه، لذا كان أول قرارات «كمال» هو الإطاحة بالناس الخبرة، والاستعانة بشلة جديدة لديها فكر جديد فى تسويق كناسة العطار باعتبارها ستعيد اسمه إلى صباه، وهتخلى الحال يزهزه.

«بعض» الظن إثم، لكن معظمه من حسن الفطن، لكن وحدها «روقة» التى كانت تملك مفاتيح «كمال»، كانت تعرف أنه سيرث الجمل بما حمل، وأنه الوحيد اللى فاهم الفولة وعارف «العطار» بيخبى «تجارته» فين، لذا كانت واخداه ع البارد، وكان «كمال» محترمًا وشخصية فى الخارج، لكنه مع «روقة» حاجة تانية، بيسيب لها ضهره تكبّسه وتؤمنه، يد تكبس بها وتفك بها متاعب اليوم، ويد تؤمنه بها وتخفى فيها أموال «العطارة»، خاصة أن عائلتها لديها وكالات عطارة بره مصر قد الدنيا يمكنها أن تخفى فيها لبن العصفور، حتى وإن كان هذا اللبن نتاجًا غير شرعى لـ«الأوف شور». 

لحكمة قديمة تقوم النساء بتحويل الأموال إلى دهب، وهى الحكمة التى استخدمها «كمال» مبكرًا، وقام بتسييل العطارة وفلوسها إلى دهب وياقوت ودولارات وفرانك سويسرى وهاتك يا شركات متعددة الجنسيات وليلة كبيرة، لو تم ضبط روقة بأموال العطارة كان بالتأكيد سيقول «كمال» إنه ما يعرفهاش، لاعتبارات تتعلق بأنه خجول شوية، عمومًا ربنا ستر. 

ولأن القانون الدولى صك قاعدة جوهرية اسمها «الحرامى بشيلته»، ذهب كمال إلى أكبر محامى متخصص فى النوع ده، لينقذ سمعة والده الحاج عبدالتواب الذى كان نفسه يفرح بولاده فى حياته.. ولأن البضاعة اللى كانت فى الملاحة وهى مجرد قشور دابت ولم يعثر لها على أثر، استغل المحامى الموضوع، وطلّع كمال والأسرة الكريمة بل والحاج عبدالتواب نفسه أشرف من الشرف. عمومًا من حق «كمال» أن يعتقد أنه شريف، وأن الموضوع كان «شوية عطارة» فلوسهم حلال، ومن حقه أن يظن كذلك فى والده، ومن حقه أن يتمنى أن يستيقظ والده ليحصد نتيجة إخفاء الأوراق، ومن حقه أيضًا أن يتمنى لوالده أن يرقد فى سلام، من حقه أن يفعل ما يشاء خاصة وأن الدولار ارتفع. لكن عليه أن يدرك شيئًا واحدًا.. أن عطارة الشرق الأوسط كلها لن تحقق له النعيم الذى عاش فيه.. ده لو الحاج بيتاجر فى الكركمين مش هيبقى معاك كل ده يا أبوكمال.