رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احتضنت رابطه معاهد الشرق.. محطات في تاريخ تأسيس «الكلية الإكليريكية» بالمعادي

كنيسة
كنيسة

اختضنت الكلية الإكليريكية التابعة للكنيسة الإنجيلية بالمعادي، اليوم الأحد، لقاء رابطة الكليّات والمعاهد اللاهوتية في الشرق الأوسط.

«الدستور» يرصد في التقرير التالي أبرز المعلومات عن الكلية الإكليريكية بالمعادي..

ما هي الإكليريكيّة؟

“الإكليريكيّة” هي المكان الذي يدرس ويتخرّج فيه طالبو الكهنوت وهذه الكلمة تأتي من اللغة اللاتينية وتعني المشتل حيث تشير إلى البيئة الملائمة لنموّ الدعوات الكهنوتيّة والخدميّة.

ولإكليريكيّة الأقباط الكاثوليك لإكليريكيّة الأقباط الكاثوليك تاريخ طويل يمتدّ حتّى القرن السابع عشر وفيما يلي لمحة تاريخيّة عن إكليريكيّة الأقباط الكاثوليك

الإكليريكية بحي الموسكي 1878

كان عدد الكهنة المتخرجين، من كلية انتشار الإيمان محدوداً وضئيلاً، ولم يكن كافياً لسد احتياج الكنيسة إلى العديد من الكهنة المثقفين والملمين بجميع احتياجات الوطن. لذا فقد كلّف مجمع انتشار الإيمان، الآباء اليسوعيين في عام 1878م بتأسيس إكليريكية للأقباط الكاثوليك بمصر، والقيام بإدارتها، فقدم إلى القاهرة الأب نورمان، رئيس إرسالية الآباء اليسوعيين في سوريا في يناير 1879م، بصحبة الأب هنري اليسوعي، ونزلا ضيفين لمدة شهر طرف الآباء الفرنسيسكان، إذ لم يكن حينذاك مرسلون يسوعيون في مصر.

في 3 فبراير 1879، استأجر منزلاً صغيراً في حي الموسكي، وبعد أن تفقد الأب نورمان الحالة وأتم مهمته، ترك الأب هنري في القاهرة ورجع إلى بيروت، وأوفد من هناك إلى القاهرة الأب جرنييه والأخ يوحنا سيمرلي وانتقل هؤلاء اليسوعيون الثلاثة، في شهر مايو من نفس السنة، من منزلهم الصغير بالموسكي، واستأجروا منزلاً فسيحاً ليس ببعيد عن الأول، هو قصر باغوص باشا، في حديقة روزيتا بالموسكي، الذي صار بعد قليل المقر الأول للمدرسة الإكليريكية للأقباط الكاثوليك.

فتحت المدرسة الإكليريكية أبوابها في أول أكتوبر عام 1879م، وكان قد تم الاتفاق على أن تكون هذه المدرسة، إكليريكية صغرى يتلقى فيها إكليريكيو الأقباط الكاثوليك دروسهم الثانوية، ويرسلون من بعدها إلى الكلية الشرقية للآباء اليسوعيين ببيروت ليواصلوا فيها علوم الفلسفة واللاهوت وأن يصرّح لمن يشاء من الطلبة، أن يتلقنوا الدروس في نفس المدرسة مع الإكليريكيين.

بدأ العام الدراسي، وقد ضمّت المدرسة بين جدرانها ثمانية إكليريكيين وأربعة عشر طالباً خارجياً وعين لها رئيساّ هو الأب إدوارد سلزاني، عوضاً عن الأب هنري وأصبح الأب جرنييه مساعداً له. 

وحققت هذه المدرسة الإكليريكية نجاحاً باهراً ونمواً مشجعاً إلا أن ثورة عرابي باشا عام 1882م، أرغمت الآباء اليسوعيين- الذين وصل عددهم آنذاك في القاهرة إلى حوالي سبعة عشر راهباً- على الرحيل مع الإكليريكيين إلى بيروت، ولم يبق منهم إلا الرئيس الجديد الأب ميشيل جوليان وأربعة من اليسوعيين ومعهم أكبر الإكليريكيين سناً وهو حبيب سبع الليل. ولكن نظراً لتزايد حدة الثورة اضطر حتى هؤلاء أن يرحلوا إلى بيروت في 15 يونيه 1882 ولم يرجعوا إلا في أعقاب ثورة عرابي باشا. بعد هذه المحنة البسيطة عادت المدرسة بالقاهرة لتفتح أبوابها في شهر نوفمبر 1882م وتواصل الإكليريكية سيرها على ما يرام. وفي عام 1883م أي بعد ثلاث سنوات فقط من تأسيسها، بلغ عدد طلاب المدرسة ثمانية عشر إكليريكياً وثلاثة وستين طالباً خارجياً.

الإكليريكية بحي الفجالة 1889م

في عام 1888م شرع الآباء اليسوعيون، في بناء مدرسة كبيرة في حي الفجالة بالقاهرة، وهي مدرسة «العائلة المقدسة» للآباء اليسوعيين حالياً. وتم افتتاحها الرسمي في عام 1889م، فترك الآباء حينذاك قصر باغوص يصحبهم الإكليريكيون إلى جناح خاص بهم بجوار مدرسة العائلة المقدسة، وظلت المدرسة الإكليريكية الصغرى بالقاهرة تحت إدارة الآباء اليسوعيين إلى عام 1907م، حيث أغلقت المدرسة أبوابها من جديد على أثر استقالة، مثلث الرحمات غبطة الأنبا كيرلس الثاني عام 1908وتعيين الأنبا مكسيموس صدفاوي نائباً رسولياً للبطريركية فسافر طلابها الإكليريكيون إلى بيروت لمواصلة دراساتهم الثانوية والفلسفية واللاهوتية، في الكلية الشرقية للآباء اليسوعيين. ثم افتتحت ثانية في عهد الأنبا مرقس خزام حتى سنة 1947حين انتقل كل الإكليريكيين إلى طنطا.

إكليريكية المنيا الكبرى المؤقتة 1895-1896م

لما كان عدد الكهنة المتخرجين من بيروت، قليلاً جداً بالنسبة إلى احتياج الكنيسة، اتجهت الفكرة في عام 1894م إلى افتتاح مدرسة إكليريكية، في دير الآباء اليسوعيين بالمنيا، تقبل الراغبين في الكهنوت والحاصلين على السن القانوني للرسامة الكهنوتية، حتى من المتزوجين. يتلقى هؤلاء- في مدة وجيزة- ما هو ضروري من معارف الكهنوت يشمل: شرح العقائد الدينية وكيفية الاحتفال بذبيحة القداس، وطقوس خدمة الأسرار المقدسة، ولم يتمّ هذا المشروع إلا بهمة النائب الرسولي الجديد، الأنبا كيرلس مقار، الذي افتتح هذه المدرسة في 7 مايو 1895م واضعاً إياها تحت إدارة الآباء اليسوعيين، وعين مدرساً لها الأب بولس قلادة، الذي صار فيما بعد الأنبا أغناطيوس برزي.

وظلت هذه الإكليريكية عامرة لمدة سنة، تخرّج منها أربعة عشر كاهناً، ثم أُغلقت هذه المدرسة لأن أساقفتنا، كانوا يطالبون الكرسي الرسولي بتأسيس مدرسة إكليريكية خاصة بالأقباط الكاثوليك، متكاملة، على مثال الإكليريكيات الأوروبية، منظمة في قوانينها ودروسها، بحسب ما تتطلبه الشرائع الكنسية.

إكليريكية القديس لاون بطهطا 1899م

في أوائل شهر مايو عام 1896م، وعلى إثر اجتماع لأصحاب النيافة الأساقفة الثلاثة: الأنبا كيرلس مقار والأنبا مكسيموس صدفاوي والأنبا أغناطيوس برزي، أرسلوا إلى الكرسي الرسولي تقارير عن حالة إيبارشياتهم، ليُعلموا البابا لاون الثالث عشر باحتياج الكنيسة القبطية لمدرسة إكليريكية أخرى، يكون التدريس فيها باللغة العربية وتكون مدة الإقامة بها قصيرة، وذلك لشدة احتياج الكنيسة إلى كهنة. وعرض الأساقفة على البابا مدينة طهطا لأنها الأصلح في ذلك الوقت لتؤسس فيها المدرسة الإكليريكية لكونها مركز الكثلكة في الصعيد ولأن كرم نخلة بك يسى أحد أعيان طهطا تبرع بقطعة أرض مساحتها ألف ومائتان متر مربع ملاصقة للأولى لتكون حديقة للمدرسة. وشُرع للحال في بناء المدرسة الإكليريكية تحت إدارة وإشراف الأب جوليان اليسوعي. أما حفل وضع حجر الأساس الذي تم في 25 يناير 1897، فحضره أربعة أساقفة وهم أساقفتنا الثلاثة ونيافة المطران فرانسيسكو سوجارو (النائب الرسولي في السودان) وخرج المحفل من الكاتدرائية بالترانيم حتى وصلوا إلى موضع البناء. فوضع الحجر الأساسي الأنبا كيرلس مقار.

الافتتاح الرسمي 

في 15 نوفمبر 1899م تم الافتتاح الرسمي برئاسة غبطة البطريرك الأنبا كيرلس مقار ودعيت هذه المدرسة الإكليريكية باسم القديس لاون الكبير، عرفاناً بالجميل لمحبة البابا لاون الثالث عشر ورعايته للكنيسة القبطية. واهتم المجمع الإسكندري، المنعقد من 18 يناير إلى 3 يونيه 1898، بوضع قوانين هذه الإكليريكية وعين الأب أثناسيوس سبع الليل رئيساً لها والأب أنطون بسطوروس مساعداً له. وأخذت الإكليريكية تسير سيراً حسناً وتبشر بمستقبل زاهر علق عليه أبناء الكنيسة جميع آمالهم.

نقل الإكليريكية الكبرى والصغرى إلى مدينة طنطا 

لما كان احتياج الكنيسة إلى كهنة عديدين ملّحاً، ولما كانت دار المدرسة الإكليريكية الصغرى لا تتسع لأكثر من خمسين إكليريكياً، بحث الرؤساء إذ ذاك عن دار مناسبة صالحة لإيواء ما يزيد عن مائة إكليريكي. 

وتحقق أملهم هذا في سبتمبر 1947م. إذ نقلت الإكليريكية الكبرى من طهطا والصغرى من القاهرة، إلى مدينة طنطا بالوجه البحري في جناح فسيح رحب من مبنى كلية القديس لويس للآباء المرسلين الأفريقيين.

المعهد الإكليريكي للأقباط الكاثوليك بالمعادي 1953م

ولما كان المعهد الإكليريكي بطنطا في مبنى القديس لويس مؤجراً، فكّر آباء السينودس في تشييد مبنى كبيرٍ يضم إكليريكيين من جميع الكنائس الكاثوليكية بالقطر المصري والتحق به فيما بعد بعض الإكليريكيين من الموارنة والسريان وبعض الرهبان الفرنسيسكان وفي عام 1952م قامت الدار الجديدة في شارع من أجمل شوارع حي المعادي. على مساحة عشر أفدنه والمبنى مستطيل يبلغ طوله 117م وعرضه 67م وتحيط به حدائق وأُعِدَّ المعهد لاستقبال إكليريكيي القسم المتوسط (إعدادي وثانوي) وإكليريكيي القسم العالي (الفلسفة واللاهوت).

وافتتح المعهد رسميًا في 3 نوفمبر 1953م بحضور الكاردينال أوجين تيسيران مندوباً عن البابا بيوس الثاني عشر وجمع غفير من أبناء وإكليروس الطوائف المسيحية وعلى رأسهم البطريرك الأنبا مرقس الثاني خزام ومعاونه الأنبا إسطفانوس سيداروس الذي صار مديراً للإكليريكية الجديدة على رأس مجموعة من الكهنة الأقباط الكاثوليك وبعض الرهبان اللعازريين حتى عام 1954م. وحين اُنتخب الأنبا إسطفانوس سيداروس بطريركاً في يونيو 1958 أُسنِدَت الإدارة إلى الآباء اليسوعيين بالتعاون مع مجموعة من كهنة الأقباط الكاثوليك واستمر هذا الوضع حتى سنة 1969 عندما عُيّن الأب لويس أبادير مديراً للمعهد الإكليريكي على رأس مجلس إدارة من كهنة الكنيسة.

وأعلن البابا لاون الثالث عشر في جلسة 19 يونيو 1899 بصفته صاحب الرئاسة العليا، كيرلس مقار بطريركاً على الكرسي الرسولي الإسكندري لما رأى فيه من العلم والتقوى وحسن الإدارة وتم تجليسه بالإسكندرية في الكاتدرائية الجديدة في 31 يوليو 1899. وقدّم استقالته في 30 مايو 1908م وقبلها البابا بيوس العاشر. وتنيّح في بيروت في شهر مايو 1921م، ودُفن تحت المذبح الرئيسي في الكنيسة الكاتدرائية بدرب الجنينة بالقاهرة- ثم نُقل جثمانه إلى مدفنة الكاتدرائية الجديدة بمدينة نصر.