رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مين السفن ومين الرياح؟

المتنبي لما قال: "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"، ما كانش بـ يتكلم عن خيبة أمله، أو إحباطه، ولا حتى بداية البيت "ما كل ما يتمنى المرء يدركه"، يقصد نفسه بـ المرء، بـ العكس، هو كان يقصد خصومه.

خلينا الأول نقول إنه البيت دافي قصيدة "بم التعلل؟"، وهي واحدة من خمس قصايد بـ أعتبرها الأبرز في مسيرة المتنبي، كـ قصيدة، مش مجرد أبيات حكمة أو ما أشبه، والقصيدة ليها سياق:
إحنا عارفين إنه كان عند سيف الدولة الحمداني، تقدر تقول وزير إعلامه، بل إنه العلاقة امتدت إلى ما هو أعمق من ذلك، وكان فيه بينهم تقارب مثير ولافت، صديقين، وربما أكتر من صديقين كمان.

طبعًا التقارب دا كان بـ يغيظ ناس كتير من رجال سيف الدولة وحاشيته، اللي فيه منهم شعرا وأدبا ولغويين كمان، مش بس رجال سياسة.

الناس دول كانوا مستكترين على أحمد عبدالصمد ما هو فيه، أحمد عبدالصمد دا اسم المتنبي، أو بـ الكامل: أحمد حسين حسن عبدالصمد، الشاب اللي اتربى في الكوفة فقيرًا، بـ لا نسب يشرف ولا مال يصون.

بعد سنوات طويلة من التلطيم، اللي وصل لـ السجن أحيانًا، والنفي، والتشرد في البلاد، وعلى حد تعبيره "بيع الشعر في سوق الكساد"، الشاب دا بقى الأقرب لـ الأمير.

فـ يعني هم شايفينه ما يستحقش، وهو كمان كان مغرور جدًا، فـ حتى مش بـ يحاول يلم أموره معاهم، بـ العكس كان دايمًا بـ يحرجهم، فـ بعد 9 سنين من استمرار العلاقة مع سيف الدولة نجحوا إنهم يزرعوا المهموز، وسيف الدولة يتغير ناحية المتنبي، والأمر يوصل إنه ينضرب قدامه (المتنبي انضرب في حضرة سيف الدولة) ودماغه تتفتح، وهو ما ياخدش موقف.

المتنبي طبعًا يقرر الرحيل، (القصيدة اللي كتبها المتنبي وقت الرحيل من أعظم الشعر بـ النسبة لي، اللي فيها "الخيل والليل والبيداء تعرفني").

المهم، المتنبي لما مشي، بعد فترة وجيزة كدا، سيف الدولة بدأ يحس إنه فرط في شخص عزيز، وداعم قوي، وصوت مساند، وصديق مقرب، وحاجات كتير كان بـ يمثلها المتنبي، فـ قعد يسأل اللي حواليه عن أخبار أبوالطيب: 

وصل فين؟ 

عامل إيه؟

جعان ولا شبعان؟

حران ولا بردان؟

طب هو كويس؟

فـ هم طبعًا اتخنقوا أكتر ما كان المتنبي موجود، فـ اتفقوا إنهم يقولوا: المتنبي مات، ويسبكوا الخبر على سيف الدولة، بـ حيث يصدقه، ويبطل يصدعهم بـ السؤال عنه.

الكلام وصل لـ المتنبي، مفيش حاجة بـ تستخبى، وكان هو لسه ما وصلش عند كافور الإخشيدي، وينتقل في الصحارى والبوادي، فـ قرر إنه يكتب قصيدة يوصل صيتها عند سيف الدولة، وفي القصيدة عمال يغيظهم، إنه ما ماتش ولا حاجة، وإنه الإشاعة اللي سبكوها فشنك، وإنه قاعد على قلبهم، وإنه خططهم باظت.

الأبيات بـ يقول فيها بـ وضوح، إنهم بـ يدعوا موته، علشان هم فعلًا بـ يتمنوا موته، مش مجرد كدبة على سيف الدولة، لكن: ما كل ما يتمنى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، يعني حسب البيت الشهير:

هم كانوا السفن، وهو كان الرياح