رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرب الجوع فى الساحل الإفريقى.. نتائج حروب وأزمات الأمم


لأنها الحرب، تداعيات تتوازى مع أزمات وحروب داخلية تنهش قارات العالم، تضخم قياسى ووقف لسلاسل الإمداد التى تشتمل على المواد الغذائية الأساسية، كل ذلك يتوقف فى «نظرة خطيرة» تطال البشرية فى كل مكان. 
مؤشرات استمرار وانفتاح مسارات الحرب الروسية الأوكرانية، على المجهول، كشر «الجوع الحاد» عن أنيابه، وبات، بحسب تقارير الأمم المتحدة ومنظماته الدولية المعنية، يخيم على، العديد من المناطق والقرارات، ويتركز، وفق مأساة، فى منطقة الساحل الإفريقي، إذ تزداد حالات المجاعة لتشمل 18 مليون إنسان سيواجهون انعدامًا شديدًا للأمن الغذائى فى الأشهر المقبلة.

الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، التى تعمل لسنوات طوال، فى جهات القارة الإفريقية، بسبب مزيج من انعدام الأمن وجائحة كورونا والصدمات الناجمة عن تغير المناخ والارتفاع القياسى لأسعار المواد الغذائية، وترهل الزراعة الإنتاجية، عدا عن الأوضاع السياسية والأمنية والهجرات الداخلية واللجوء العشوائي. 
 

*الخوف فى بوركينا فاسو وتشاد ومالى والنيجر

فى اطلاع على تقارير مذهلة، فرضت التحذيرات المتواصلة من مجاعات متباينة، وصل الوضع إلى مستويات مقلقة فى بوركينا فاسو وتشاد ومالى والنيجر، حيث من المتوقع أن يعانى الناس من مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائى خلال موسم حالات القحط والجفاف، أو ما تصفه الأمم المتحدة بـ«العجاف» وهى أشهر موات بيئى وشح فى المياه بين يونيو وأغسطس.

المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا)، «يانس لاركيه»، كشف خلال مؤتمر صحفى فى جنيف، عن أن «ما يصل إلى 18 مليون شخص فى منطقة الساحل الإفريقى سيواجهون انعدامًا  شديدًا  للأمن الغذائى خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وهو أعلى رقم منذ عام 2014 وفقًا لتوقعات الأمم المتحدة».
 

* حلول عاجلة..

«لاركيه» قال  إن مكتب التنسيق سيوفر 30 مليون دولار أمريكى من الصندوق المركزى للاستجابة للطوارئ للبلدان الأربعة «لمساعدة الناس وتلبية احتياجاتهم العاجلة من الأمن الغذائى والتغذية»، ويشمل ذلك 6 ملايين دولار لبوركينا فاسو و8 ملايين دولار لكل من تشاد ومالى والنيجر.

وهى عملية ضخ السيولة التى تلزم مرحليًا، لمنح وكالات الإغاثة، العاملة على الأرض، لتوسيع نطاق الاستجابة للطوارئ على الفور.
لم تكن المجاعة، وإنذارات الجوع  جديدة، بقدر ما أنها باتت ظاهرة مستشرية، وهذا يعكس أن: «فى منطقة الساحل، تعيش توقعات  مؤسفة، وتدل على أن الحال فرز معاناة   حوالى  7.7 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية. ويعانى 1.8 مليون شخص من سوء التغذية الحاد، وإذا لم يتم توسيع نطاق عمليات الإغاثة، فقد يصل هذا العدد إلى 2.4 مليون بحلول نهاية هذا العام».
ومن ضمن الحلول السريعة العاجلة، يأمل برنامج الأغذية العالمي «الإفراج الفوري» عن 30 مليون دولار من الصندوق المركزى لمواجهة الطوارئ لبوركينا فاسو ومالى وتشاد والنيجر، وهو أمر بالغ الأهمية لعملياته فى منطقة الساحل. وأكد تومسون فيري، المتحدث باسم البرنامج، أن «الاحتياجات مرتفعة للغاية، والموارد فى الحضيض. إن ضخ الأموال فى الوقت المناسب من صندوق الأمم المتحدة المركزى لمواجهة الطوارئ، برغم انفتاح الحاجة إلى كل  دعم أو مصدر إغاثة؛ ذلك أن شح الموارد الأممية تسبب، فى حالة مربكة من النقص الحاد فى التمويل، ما أدى إلى  خفض الحصص الغذائية للاجئين والنازحين إلى النصف فى أجزاء من منطقة الساحل الإفريقي المنكوبة».

* انعدام الأمن الغذائي

تصدمنا تقارير محكمة عن اضطرار برنامج الأغذية العالمى إلى خفض الحصص الغذائية ونقدم المساعدة بنسبة 75 بالمائة فى المناطق التى يصعب الوصول إليها فى بوركينا فاسو، والتى تعانى من انعدام الأمن الغذائي، وتم  عمليًا، خفض الحصص الغذائية إلى النصف للنازحين واللاجئين فى تشاد، وتتكشف الحقائق التى أعلنها برنامج الأغذية العالمي، بالقول: «إذا لم يتم تلقى مساهمات إضافية كما أوضحنا، فلن يكون أمامنا خيار سوى تقليل الحصص الغذائية بشكل أكبر اعتبارًا  من يوليو 2022، ولا تنسوا أن هؤلاء أناس تم تشريدهم. هؤلاء نازحون وبعضهم لاجئون».
* تقاطع وتزامن طرح الجوع على الطاولة.

ليس جديدًا هذا الوضع المأساوى الرابط منذ عقود، ويتقاطع، متزامنًا مع الحرب الروسية الأوكرانية، ما خلق أزمة اقتصادية فى الدول الفقيرة فى إفريقيا، والعالم الثالث، عدا عن دول المنطقة والشرق الأوسط، لاعتبارات سياسية اقتصادية، فكان الارتفاع الجنونى فى الأسعار وحركة الاقتصاد العالمى والتجارة والنقل، لهذا يهدد الارتفاع الأخير فى أسعار المواد الغذائية الناجم عن الصراع بين روسيا وأوكرانيا بتحويل أزمة الأمن الغذائى إلى كارثة إنسانية كون هذين البلدين هما المنتجين الرئيسيين للقمح والشعير والمنتجات الزراعية الأخرى.
وازداد الوضع سوءًا بسبب «النزاعات فى منطقة غرب إفريقيا وجائحة كوفيد-19 التى ما زالت مستعرة هناك،» بالإضافة إلى صدمات ناجمة عن تغير المناخ وارتفاع الأسعار، وكلها تصطدم لجعل الوجبات الأساسية بعيدة عن متناول ملايين الناس، وتكشف الحقائق عن أنه من المؤكد أن الوضع سيزداد سوءًا  قبل أن يتحسن، خاصة مع اقترابنا من موسم العجاف السنوي، الذى يبدأ من يونيو إلى سبتمبر.

بين كل ذلك من تداعيات، ولاستمرار جائحة الجوع، مكتب تنسيق الشئون الإنسانية قد أطلق نداء فى وقت سابق من هذا العام تبلغ قيمته 3.8 مليار دولار لتقديم المساعدة فى عام 2022 لمنطقة الساحل. تم تمويلها بنسبة أقل من 12 فى المائة حتى الآن.

* التحذير.. وحد المجاعات

تأتي صورة  الأوضاع مع حراك دبلوماسى وسياسى وأممي، يتابع ما حذر منه  برنامج الأغذية العالمى من ارتفاع عدد الأشخاص الذين هم على شفا المجاعة فى جميع أنحاء منطقة الساحل بما يقرب من عشرة أضعاف خلال السنوات الثلاث الماضية، والنزوح بحوالى 400 فى المائة فى ظل أزمة غذاء مروعة فى المنطقة، والحقائق تراوح مكانها.
الحقيقة الأولى
الأزمة الإنسانية فى النيجر تؤثر على حوالى 2.1 مليون طفل، ويحتاج الساحل الإفريقى لإنقاذ 15 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة والصراع يدفع الملايين إلى ظروف بائسة.
 

الحقيقة الثانية
قال وكيل الأمم المتحدة للشئون الإنسانية ومنسق الإغاثة فى حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، إن ما يقرب من 15 مليون شخص فى مالى والنيجر وبوركينا فاسو بحاجة إلى المساعدة، بزيادة قدرها أربعة ملايين شخص منذ يناير 2021 وهى «زيادة غير عادية خلال عام واحد فقط».

الحقيقة الثالثة 
أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه العميق من الانقلاب الأخير فى بوركينا فاسو. وقال فى حديث مقتضب مع الصحفيين إن دور العسكريين يجب أن يكون الدفاع عن بلدانهم وشعوبهم، لا الهجوم على حكوماتهم والقتال من أجل السلطة.
فى دلالة لطبيعة المأساة الإنسانية، وأوضحها المتحدث باسم الأمم المتحدة «ستيفان دوجاريك»، لافتًا إلى أن الأمين العام يتابع «بقلق بالغ التطورات فى بوركينا فاسو»، وهو الصراع الذى خلق المجاعة، منذ أكثر من  10 سنوات على الصراع فى منطقة الساحل، دعوة أممية لإنهاء النزاع الذى تسبب فى نزوح 2.5 مليون إنسان. 

الحقيقة الرابعة
دعت مفوضية شئون اللاجئين إلى بذل جهود دولية متضافرة لإنهاء النزاع المسلح فى منطقة الساحل الأوسط فى إفريقيا، والذى أجبر أكثر من 2.5 مليون شخص على الفرار من ديارهم، خلال العقد الماضي.

الحقيقة الخامسة
تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين إلى النيجر ومالي، وتشاد، والعكس، هربًا من العنف فى بلدانهم.
وخلال الأشهر الأربعة الماضية، شهدت النيجر تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين الجدد الفارّين من هجمات الجماعات المسلحة فى البلدان المجاورة. فبين يناير إلى منتصف أبريل 2022، سجّلت النيجر أكثر من 36000 وافد جديد من نيجيريا ومالى وبوركينا فاسو، بمعدل أكثر من 2500 وافد جديد كل أسبوع.

الحقيقة السادسة
مفوضية اللاجئين، أشارت إلى ارتفاع أعداد الفارين من بوركينا فاسو، مما يزيد الضغط على منطقة الساحل الهشة. 
وفى عام 2021 وحده، فرّ حوالى 19200 شخص من بوركينا فاسو إلى كوت ديفوار ومالى والنيجر وبنين وهى زيادة بنسبة 50 فى المائة عن العام الذى سبقه. ويعيش أكثر من 34000 شخص الآن خارج بلدهم، فى جميع أنحاء المنطقة.

الحقيقة السابعة
عن فارق يصل لـ4 ملايين، قال وكيل الأمم المتحدة للشئون الإنسانية ومنسق الإغاثة فى حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، إن ما يقرب من 15 مليون شخص فى مالى والنيجر وبوركينا فاسو بحاجة إلى المساعدة، بزيادة قدرها أربعة ملايين شخص منذ يناير 2021 وهى «زيادة غير عادية خلال عام واحد فقط».


الحقيقة الثامنة
برغم أكثر من دعوة  أممية لإنهاء النزاع الذى تسبب فى نزوح 2.5 مليون شخص  14 يناير 2022 السلم والأمن دعت مفوضية شئون اللاجئين إلى بذل جهود دولية متضافرة لإنهاء النزاع المسلح فى منطقة الساحل الأوسط فى إفريقيا، والذى أجبر أكثر من 2.5 مليون شخص على الفرار من ديارهم، خلال العقد الماضي.

* قمة مجلس الأمن
وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، أنتونى بلينكن قال فى قمة جلسة مجلس الأمن للأمن الغذائي: نلتقى فى لحظة جوع عالمى غير مسبوق يغذيها، كما سمعنا، تغير المناخ، وبكوفيد -19، ويزداد سوءًا بسبب الصراع.

وتدفع النزاعات حول العالم هذه الأزمة بشكل متزايد. وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمى ، ارتفع عدد الأشخاص المتضررين من انعدام الأمن الغذائى بسبب الصراع من حوالى 100 مليون شخص فى عام 2020 ، إلى 139 مليونًا أو نحو ذلك فى عام 2021، إلى ما يقدر بنحو 161 مليون شخص فى عام 2022. يعتقد البنك الدولى أن حرب روسيا فى أوكرانيا يمكن أن تضيف 40 مليون شخص إلى هذا المجموع.

ومع مؤشرات الجوع القاتل فى الساحل الإفريقي، ودول عديدة، تابع: كان لدينا وزراء من أكثر من 30 دولة يجتمعون هنا فى الأمم المتحدة لمعالجة العوامل المحركة لانعدام الأمن الغذائى العالمى - وإيجاد حلول متقدمة له، بما فى ذلك من خلال تلبية الحاجة الملحة للغذاء والأسمدة والتمويل الإنسانى، وزيادة الاستثمار فى صمود الزراعة والسكان الضعفاء. من جانبنا، أعلنت الولايات المتحدة عن 215 مليون دولار أخرى كمساعدات غذائية طارئة تضاف إلى 2.3 مليار دولار كمساعدات غذائية إنسانية منذ فبراير. أود أن أشكر جميع البلدان التى تقدمت، وأريد أن أشجع الآخرين على الانضمام إلينا.

وعاد فى إشارة إلى  عام 2018،  عندما اعتمد، فى مجلس الأمن (القرار 2417)، الذى أدان استخدام تجويع المدنيين كأداة حرب، وأشار إلى أن مثل هذا الاستخدام قد يشكل جريمة حرب.
ويبقى الجوع، تلك الحرب التى تغتال الحاجات الأساسية للإنسان فى كل مكان. 
حرب الجوع، نتائج حروب وأزمات الأمم، فى متاهة لا حل لها، فى آفاق سوداء مظلمة.