رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طاقة المستقبل.. خبراء لـ«الدستور»: استراتيجية مصر لإنتاج الهيدروجين الأخضر تجلب استثمارات بالمليارات

طاقة المستقبل
طاقة المستقبل

تولى مصر اهتمامًا كبيرًا بـ«الهيدروجين الأخضر»، باعتباره من أهم مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، فى ظل خلوه من الكربون الذى يصيب البيئة بأضرار كبيرة، إلى جانب سهولة تخزينه ونقله إلى أى مكان.

ووقعت مصر العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع عدد من الشركات العالمية، لتنفيذ مشروعات لإنتاج وتصدير «الهيدروجين الأخضر»، ووجه الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخرًا بتنفيذها فى أسرع وقت، خاصة مع استضافة مصر مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «cop ٢٧»، فى نوفمبر المقبل.

وتضمنت هذه الاتفاقيات: مذكرة تفاهم مع البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية لتمويل الأعمال الاستشارية الخاصة بإعداد «الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر»، واتفاقية التطوير المشترك لمشروع إقامة وتشغيل منشأة لإنتاج «الهيدروجين الأخضر» بقدرة ١٠٠ ميجاوات، فى المنطقة الصناعية بالعين السخنة التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

كما تضمنت اتفاقية الشروط الرئيسية لعقد شراء الهيدروجين بين كل من: صندوق مصر السيادى، وشركات: «سكاتك النرويجية» للطاقة المتجددة، و«أوراسكوم» للإنشاء، و«فيرتيجلوب»، علاوة على مذكرة تفاهم مع شركة «ميرسك» العالمية لإقامة مشروع لإنتاج «الوقود الأخضر» لإمدادات تموين السفن، والوصول للانبعاثات الكربونية إلى صفر.

ما الذى يدفع مصر إلى السعى وراء «الهيدروجين الأخضر»؟ وما الفائدة الاقتصادية من وراء ذلك؟.. أسئلة تحاول «الدستور» الإجابة عنها فى السطور التالية، من خلال خبراء فى الاقتصاد والبيئة.

كريم العمدة:التنفيذ بأموال أجنبية.. وأولوية لمنطقة قناة السويس

قال الدكتور كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد السياسى، إن جميع دول العالم بدأت فى الاتجاه إلى استخدام «الهيدروجين الأخضر» خلال الفترة الأخيرة، وعلى رأسها فرنسا وأستراليا وغيرهما الكثير، نظرًا إلى انخفاض أضراره على البيئة، التى يمكن وصفها بـ«المعدومة» مقارنة بنظيره من الوقود الأحفورى المستخدم فى مختلف أنواع التصنيع.

وأضاف «العمدة»: «مصر بدأت فى تنفيذ استراتيجية شاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، من خلال جذب استثمارات أجنبية تخصص لهذا الغرض، وفقًا لتوجيهات من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى إطار عام يتناسب مع التوجه العام للدولة نحو التوسع فى الاقتصاد الأخضر ككل».

وأوضح أن مصر تعتزم إنشاء محطة لتوليد وإنتاج «الهيدروجين الأخضر» باستخدام المياه والكهرباء، عن طريق تقنية معينة تعتمد على فصل الجزيئات، وذلك بما يخدم الاستراتيجية المصرية الرامية إلى التوسع فى إنتاج الطاقة المتجددة بكل أنواعها، والاعتماد على أنواع جديدة أقل تكلفة وأكبر فى العائد الاقتصادى للدولة.

وتوقع أستاذ الاقتصاد السياسى إنشاء محطات إنتاج «الهيدروجين الأخضر» على عدة مراحل، بتكلفة تصل إلى مليارات الجنيهات لكل مرحلة، مع التوسع فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس على وجه التحديد، نظرًا لملاءمة طبيعة المنطقة مع هذه المشروعات.

ونبه إلى أن مشروعات الطاقة النظيفة عامة، وعلى رأسها الخاصة بإنتاج «الهيدروجين الأخضر»، تحتاج إلى استثمار قوى وطويل الأمد، وإجراء دراسات جدوى اقتصادية طويلة المدة، فى ظل عمر هذه المشروعات الذى يتجاوز ٢٠ عامًا وأكثر، ما يتطلب من المستثمرين والدولة وضع خطط مالية واستثمارية تتناسب مع حجمها ومداها الزمنى وتكلفتها العالية جدًا.

حسام محرم:لا يحمل أى كربون ضار.. ويمكن تخزينه ونقله بسهولة

شدد المهندس حسام محرم، المستشار السابق لوزير البيئة، على أن هناك حاجة مُلحة للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، فى ظل التأثير السلبى الكبير على البيئة من الانبعاثات الناتجة عن استخدام الوقود الأحفورى التقليدى. 

وأوضح «محرم» أنه على رأس هذه المصادر يأتى «الهيدروجين الأخضر»، نظرًا لكونه لا يحمل أى نسب من الكربون الضار، بالإضافة إلى سهولة تخزينه بشكل صحيح لمدد طويلة، أو حتى نقله إلى مسافات بعيدة. وتوقع وجود تنوع كبير ووفرة فى مصادر الطاقة المتجددة النظيفة داخل مصر بحلول عام ٢٠٣٠، فى ظل الانتهاء من والعمل على العديد من المشروعات لإنتاج تلك الطاقة، وعلى رأسها مشروع «بنبان» لإنتاج الطاقة الشمسية فى أسوان، بالإضافة إلى مشروعات إنتاج الطاقة من الرياح، وصولًا إلى الاعتماد على «الهيدروجين الأخضر» كأحد مصادر الطاقة التى لا تضر البيئة.

ونوه إلى أن مصر ضمن أبرز الدول التى تستهدف التوسع فى الطاقة النظيفة المتجددة حفاظًا على البيئة والتنوع البيولوجى، خاصةً مع تصاعد أزمة التغيرات المناخية التى تؤثر على مواطنى جميع دول العالم، مشيرًا فى هذا الصدد إلى وضع وتنفيذ استراتيجية شاملة لإنتاج «الهيدروجين الأخضر» فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

أحمد على:يحتوى على 3 أضعاف طاقة الوقود الأحفورى

أشار أحمد على، الخبير الاقتصادى، إلى أن مصر تسعى لجذب الكثير من الاستثمارات إلى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خاصة فى مشروعات الطاقة النظيفة، الأمر الذى يتطلب تكثيف الجهود لتعظيم الاستفادة من الموقع الاستراتيجى والحيوى لمحور القناة.

وأوضح «على» أن المستهدف هو أن تصبح قناة السويس مركزًا لوجستيًا واقتصاديًا عالميًا لا سيما فى مشروعات الهيدروجين الأخضر انطلاقًا من الإمكانيات التى تتمتع بها المنطقة الاقتصادية، خاصة موقعها المتميز على ضفتى المجرى الملاحى الأهم فى العالم؛ الأمر الذى يتيح فرصًا غير مسبوقة لرفع تنافسية القناة وتحويلها إلى مركز عالمى لتموين السفن بالوقود الأخضر.

وأضاف: «المنطقة تلقت عددًا من العروض العالمية لإقامة مشروعات الهيدروجين الأخضر فى إطار التحول الإيجابى الذى يعيشه الاقتصاد المصرى خلال السنوات الـ٦ الماضية، وتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى ووضع الدولة رؤية مصر للتنمية المستدامة ٢٠٣٠، لذا أصبحت هناك ضرورة للتحول نحو تشجيع الاستثمار الأجنبى والمحلى فى السندات الخضراء».

وتابع: «التحول إلى الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة لم يصبح خيارًا بل ضرورة ويعد إحدى سبل زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية فى شرايين الاقتصاد المصرى. وواصل: «لعل التوجه نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر يرجع إلى أن الهيدروجين يحتوى على ثلاثة أضعاف الطاقة التى يحتويها الوقود الأحفورى مما يجعله أكثر كفاءة، كما يمكن اعتباره مضاعفًا للكهرباء، فمع بعض الماء وقليل من الكهرباء يمكن توليد المزيد من الكهرباء أو الحرارة، كما أنه متاح على نطاق واسع». وأشار إلى أنه على الصعيد العالمى يُجرى إنتاج نحو ١٢٠ مليون طن من الهيدروجين سنويًا معظمه باستخدام الغاز والفحم الأحفورى اللذين يمثلان معًا ٩٥٪ من الإنتاج العالمى، وفق تقرير إمدادات الهيدروجين العالمى لعام ٢٠٢١ الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.

على الإدريسى: يساعد فى توليد الكهرباء ويخفف الآثار البيئية

أكد على الإدريسى، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أن الهيدروجين الأخضر هو أبسط وأخف عنصر فى الوجود، وأكثر العناصر وفرة فى الكون، وعلى الرغم من بساطته، يحتوى على أعلى محتوى للطاقة من أى وقود شائع خاصة من ناحية الوزن، ويُعد نوعًا من أنواع الوقود الصديق للبيئة، لذا اتجهت أغلب دول العالم للاستثمار فيه خلال الآونة الأخيرة. ولفت «الإدريسى» إلى أنه فى المستقبل، يمكن استخدام الهيدروجين فى أنظمة كثيرة مثل محركات الاحتراق الداخلى فى وسائل النقل والانتقال، وتشغيل توربينات محطات توليد الطاقة الكهربائية، بديلًا للغاز الطبيعى، وخلايا وقود الهيدروجين لتوليد الكهرباء، لذا ستشهد مصر فى السنوات المقبلة مشروعات عدة توفر طاقات متجددة دون تكاليف باهظة أو انبعاثات خطرة تضر بالمناخ العام.

وتابع: «سيساعدنا أيضًا على توفير الكهرباء من خلال استخدام الهيدروجين الأخضر فى عمليات التحليل الكهربائى بفصل الهيدروجين عن الأكسجين، ومن المتوقع أن يزداد الطلب على الهيدروجين بشكل كبير فى العقود المقبلة، حيث تصبح هذه التكنولوجيات أكثر موثوقية وبأسعار معقولة».

وبيّن: هناك «هيدروجين أخضر وأزرق» يحتاجان لدراسة جدوى شاملة بهدف معرفة العائد الاقتصادى لهما بالتحديد، للحصول على أكبر استفادة من هذا المشروع، فضلًا عن تجنب الأضرار التى يمكن التعرض لها، من أجل الحفاظ على البيئة.

واختتم بأن صناعة الهيدروجين الأخصر مثلها مثل باقى الصناعات، ستوفر فرص عمل للشباب، لكن الهيدروجين سيغير من نمط الحياة فى مصر، سواء فى تشغيل السيارات أو تشغيل محطات توليد الكهرباء وخلافه.

على عبدالنبى:سيغير مستقبل الزراعة ويقينا من أضرار الانبعاثات والاحتباس الحرارى

أوضح الدكتور على عبدالنبى، المدير الأسبق لهيئة الطاقة الذرية، أن استخدام مصر الهيدروجين الأخضر سيغير مستقبل الزراعة، وسيقضى أيضًا على انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، التى تتسبب فى تعرض المناخ لأضرار كبيرة؛ لذا كان من الضرورى اتخاذ خطوة التحول إلى الطاقة الخضراء، والاعتماد بشكل كلى على وقود الهيدروجين.

وذكر «عبدالنبى» أن استخدام وقود الهيدروجين فى إنتاج الكهرباء والطاقة الميكانيكية سيؤثر إيجابيًا فى القطاع الزراعى؛ لأن الآلات الزراعية تعمل بالديزل، وتتسبب فى ارتفاع نسب الانبعاثات الخطرة، ما سيجعل الاعتماد الكلى فى تشغيل الجرارات ومولدات الكهرباء والشاحنات على الهيدروجين، مع تجنب انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون.

وأشار إلى أن الماكينات الكهربائية ستعمل على فترات تشغيل أطول من السابق، وستتحمل أيضًا كميات وقود أكبر؛ نظرًا لاستخدام الهيدروجين بدلًا من البطاريات الكهربائية، وهذا ما يحدث بالفعل داخل بعض الدول الأوروبية، حين اعتمدت على جرارات زراعية تعمل من خلال خلايا وقود الهيدروجين وبطاريات الليثيوم.

وأضاف أن «مولدات الكهرباء» التى تعمل بالهيدروجين ستكون مفيدة للمجال الزراعى الذى يعتمد بشكل أساسى على استهلاك الطاقة الكثيف، فهناك زراعات تتم داخل مبانٍِ سكنية، ولا تعتمد على تربة أو أراض زراعية، لكنها تستخدم الأشعة فوق البنفسجية الصناعية بدلًا من الشمس، لذا من الضرورى أن تعتمد هذه الزراعة تحديدًا على مولدات الهيدروجين لتحقيق أكبر استدامة زراعية.

وأكمل «عبدالنبى» أنه بمجرد تطبيق استخدام الهيدروجين، سيشهد القطاع الزراعى طفرة اقتصادية كبيرة، بعد التخلص من التكاليف الباهظة والانبعاثات الضارة التى كان يعانى منها فى الماضى، وسيصبح من السهل توفير المحاصيل للمواطنين دون حدوث أى ضرر بيئى.