رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المفكر السياسى عبدالمنعم سعيد: الدعوة للحوار الوطنى جاءت فى ظرف تاريخى ملىء بالأزمات (حوار)

 الدكتورعبدالمنعم
الدكتورعبدالمنعم سعيد ومحررة الدستور

قال الدكتور عبدالمنعم سعيد، المفكر السياسى وعضو مجلس الشيوخ، إن دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، للحوار الوطنى، جاءت فى ظرف تاريخى ملىء بالأزمات العالمية، موضحًا أن الحوار لن يكون بين حكومة ومعارضة، وإنما بين الجماعة الوطنية التى شاركت معًا فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لا مع من تلطخت أيديهم بالدماء أو هاجموا الدولة المصرية. وأوضح، خلال حواره مع «الدستور»، أن نجاح الحوار الوطنى فى وجهة نظره مرهون بألا يزيد عدد المشاركين فيه على ١٠٠ شخص، مع تحديد مدة للنقاش لا تزيد على ٣ أشهر، على أساس وثيقتى دستور ٢٠١٤ ورؤية مصر ٢٠٣٠، لمناقشة ٣ ملفات أساسية هى: الأمنى والاقتصادى والسياسى، للوصول إلى توصيات محددة موجهة لرئيس الجمهورية والمواطنين، خاصة أن بعض تلك التوصيات قد يتطلب إجراءات قاسية، فى ظل الأزمات العالمية.

■ بداية.. كيف رأيت دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لرموز المعارضة لحضور حفل إفطار الأسرة المصرية فى شهر رمضان الماضى؟

- دعوة المعارضة للإفطار مع الرئيس السيسى، وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسى، وخروج بعض المحتجزين، كلها أمور تجعل المناخ السياسى أكثر رحابة، وإن كنت أتحفظ على لفظ «معارضة»، لأن كل هؤلاء كانوا جبهة وطنية شاركت معًا فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، واللقاء بينها ليس لقاء بين معارضة وحكومة أو معارضة وموالاة، وإنما لقاء للحوار بين الجماعة الوطنية، فى ظل وجود ما نستطيع أن نصفه بأنه «اختلاف فى وجهات النظر».

■ وكيف رأيت الدعوة الرئاسية للحوار الوطنى؟ 

- دعوة رئيس الجمهورية للحوار الوطنى جاءت فى ظل ظرف تاريخى ملىء بالأزمات العالمية المتتالية والمركبة، وتلك الأزمات تشمل الإرهاب وأزمة كورونا، والحرب الروسية- الأوكرانية وأزمة الغلاء العالمى، وكل هذا له تأثير واضح على المجتمع.

والحوارات السياسية جزء من الحياة السياسية لأى دولة ناضجة، وضرورة بين الحكومة والمجالس النيابية والأحزاب، لكن تكون هناك حاجة إلى حوار سياسى خاص عندما يكون هناك منعطف أو أزمة أو وضع استراتيجى يتطلب التشاور مع بقية أركان الأمة.

■ هل ترى أن توقيت الدعوة للحوار كان مناسبًا فى ظل الأوضاع المحلية والعالمية؟

- التوقيت أمر خاص برئيس الدولة، وهو من الأدوات التى يمتلكها للتعامل مع المواقف المختلفة، ومصر فى السنوات الماضية مرت بأزمات كثيرة، كذلك بأوقات جيدة، ففى الفترة الماضية وفى ظل التنمية الجارية بمصر، حتى يناير الماضى، كان معدل النمو يزيد على ٩٪، ثم حدثت ارتباكات كثيرة بعد ذلك فى أمور استدعت تعاملًا معينًا لمواجهة بعض الأسئلة والقضايا، مثل وضع العملة المصرية أمام الدولار، وأزمة الغلاء، وغيرهما.

كما أن التوقيت الحالى يأتى تقريبًا فى منتصف تنفيذ رؤية مصر ٢٠٣٠، فقد مر منها ٧ سنوات ويتبقى ٨، لذا فإن هناك ما يدعو لتقييم الموقف، وما كان وما سيكون.

■ ما تقييمك للإجراءات المتبعة لإقامة الحوار الوطنى؟

- الجماعة الوطنية لديها وثيقتان هما دستور ٢٠١٤ ورؤية مصر ٢٠٣٠، وهما أساسيتان لبدء النقاش والحوار الوطنى، فنحن لن نخترع مصر من جديد.

والحوار السياسى يعنى أننا نتحدث عن ثمن وزمن، فالكلام هنا ليس كلام مؤتمرات نحدد من خلاله مواقف، أو كلام ندوات نحدد به أصول المسائل والفلسفة القائمة عليها، بل نحن هنا نتحدث عن أمور ذات تكلفة ومدة زمنية معينة، وهذه هى المسئولية السياسية للدولة والأحزاب وأعضاء البرلمان والجمعيات الأهلية، للتعامل مع الملفات الأساسية.

وفى تقديرى، حتى يكون الحوار ناجحًا، فلا بد أن يكون العمل محددًا، وألا يزيد عدد المشاركين فى الحوار على ١٠٠ شخص من الرجال والنساء، والنقاش لمدة محددة قد تستمر شهرين أو ثلاثة.

على سبيل المثال، تجب دعوة الأحزاب الـ١١ التى لها ممثلون فى البرلمان، ليكون لكل حزب ممثل واحد فى الحوار الوطنى، لا دعوة الـ١٠٧ أحزاب الموجودة، لأن الحزب الذى ليس له أعضاء فى البرلمان، فى نظرى وتقديرى هو حزب فى طور التكوين. 

كما يجب ألا يقتصر الحوار على السياسيين فقط، لكن يجب أن يشمل ممثلين عن الهيئات الوطنية المضطلعة بقضايا معينة، فهناك المجلس القومى للمرأة والمجلس القومى لحقوق الإنسان وبعض المجالس القومية الأخرى، مثل مجلس الأمن القومى والجمعيات الأهلية، ويجب أيضًا أن يضم متخصصين وممثلين عن البنك المركزى ومراكز البحوث والجامعات.

ومن هؤلاء يدور الحوار بين ١٠٠ عضو، لأنه يمكن لهذا العدد أن يعمل فى ٣ مجموعات، تتواصل فيما بينها وتدرس المشكلات لمدة ٣ أشهر، ثم تخرج للرأى العام بتوصيات محددة، موجهة لرئيس الجمهورية والمواطنين، لأن بعض التوصيات قد يتطلب إجراءات قاسية.

وهنا يجب التأكيد على ضرورة أن يشمل الحوار الوطنى أطراف الجماعة الوطنية، وليس أشخاصًا أيديهم ملطخة بالدماء، أو هاجموا الدولة المصرية من قبل.

■ ما أبرز الملفات التى تجب مناقشتها فى جلسات الحوار الوطنى؟

- الملف الأمنى، والملف الاقتصادى، والملف السياسى، فهذه الملفات الثلاثة تعالج الأزمة التى تواجهها مصر.

فعودة ظهور الإرهاب وتنفيذ عمليتين متتاليتين معناه أن هناك أوضاعًا جديدة تتعلق بالملف الأمنى، رغم أن الأمر فى الحقيقة كان متوقعًا حدوثه لأسباب كثيرة، منها تشرذم أكبر تكتل إرهابى فى العالم بعد هزيمة ما يسمى بـ«دولة الخلافة»، وإعادة تنظيم جماعات مثل «القاعدة» و«داعش» وغيرهما. 

كما أن ملف المياه هو أحد الموضوعات الأساسية التى تؤثر على الأمن القومى وبقاء الدولة المصرية، مثل الإرهاب. 

■ ماذا عن الملف الاقتصادى؟

- الملف الاقتصادى هو الأكثر تعقيدًا، فأى اقتصاد فى العالم يقوم على الموارد والنفقات، وأنا من أنصار منح الأولوية لإدارة الثروة على إدارة الفقر، خاصة أن الدعم يستنفد الطاقة القومية.

والجديد فى هذه المسألة أننا، ومنذ عام ٢٠١٥، بدأنا فى إدارة الثروة والأصول، فما تم تنفيذه فى السنوات السبع الماضية من طرق وكبارى ومدن ومشروعات، تعد أصولًا جعلت من مصر دولة غنية، وفى فترة التعويم كان إجمالى الناتج المحلى المصرى أقل من ٣٠٠ مليار دولار، أما اليوم فيصل إلى ٤٥٠ مليار دولار، وذلك نتيجة هذه الأصول

والسؤال هنا هو: كيفية استغلال هذه الأصول؟، وهنا يظهر دور القطاعين العام والخاص والقوات المسلحة، إلى آخره، لأن استغلال هذه الأصول جيدًا سيقلل من شكاوى البعض من الغلاء، لأنه سيستفيد من تلك المشروعات القومية.

إلى جانب ذلك، فإن هناك قضايا مزمنة طويلة المدى، وهناك قضايا آنية يجب التعامل معها حاليًا، منها قضية التضخم وزيادة الأسعار، وهى ذات طبيعة فنية تحتاج إلى اقتصاديين ليخبرونا كيف نتعامل مع الغلاء، الذى هو أزمة عالمية، وما الخطوات المتبعة للتعامل معها، وتحديد النقاط التقنية البحتة، مثل: هل نرفع سعر الفائدة أو نخفضه؟.

وعلينا هنا ألا ننسى موجة الغلاء العالمية الناتجة عن الحرب الروسية- الأوكرانية، وأن أزمة كورونا لم تنته بعد وفقًا لجميع التقارير الدولية، وذلك رغم التراجع فى أعداد الإصابات والوفيات، خاصة أن الفيروس لديه قدرة كبيرة على التحور، وهناك بعض الأماكن فى العالم، على رأسها مدينة شنجهاى فى الصين تعانى الإغلاق مجددًا، لذا يجب أن نكون على استعداد لأى تكلفة موجعة.

■ ماذا عن الملف السياسى؟

- الملف السياسى يشمل ملفات حقوق الإنسان والمجال السياسى، وجلسات الحوار الوطنى ستحدد إلى أى مدى سيكون المجال السياسى متسعًا أو ضيقًا، كما يجب أن يدرس دور الإعلام والمؤسسات الإعلامية، لأن الأمر يحتاج إلى مراجعة حقيقية، خاصة أن تلك المؤسسات لم تشهد تحديثًا، بالإضافة إلى انتشار الإعلام الرقمى، لذا فملف الإعلام ومحتواه يحتاجان إلى عمل كثير، وأرجو أن تشمل الدعوة للحوار الوطنى الجميع، بما فيها المؤسسات الصحفية.