رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأحوال الشخصية.. التربية والتوعية قبل القانون

تابعنا جميعًا الجدل الحاصل حول قانون الأحوال الشخصية والأصوات التى ارتفعت مطالبة بتغييره، وما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى حول ضرورة طرح قانون أحوال شخصية جديد يختصر معاناة النساء فى المحاكم ويختصر إجراءات التقاضى؛ سعيًا لتقليل معاناة النساء فى المحاكم.. 

على هامش هذا الجدل كان مسلسل «فاتن أمل حربى» للنجمة نيللى كريم قد طرح دور الأم فى زرع «الثقافة الذكورية» داخل ابنها.. بمعنى أن الموضوع يبدأ من جدران البيت مع امرأة «أنجبت» وينتهى على باب المحكمة مع امرأة «تزوجت»، الأولى تلك الأم المتكررة فى جميع أزمنة مجتمعاتنا العربية، هى التى زرعت عرف الذكورة على رأس ذلك الديك، الذى أنجبته، فأصبح يمشى مختالًا كونه ذكرًا تم تمييزه فى مجتمعه الأول «أسرته»، فهو بين أخواته البنات حقوقه مصونة وطلباته أوامر، وبالتالى يتعود الابن على أن دور المرأة هو أن تخدمه وتلبى أوامره، مع إقرار الأسرة بحق الابن فى أن يراقب سلوك شقيقاته أو «يؤدبهن» إذا لزم الأمر!

من هنا «من التربية فى الطفولة» تبدأ مشكلة الأحوال الاجتماعية وليس الشخصية.. فالمشكلة منذ بدايتها سببها أن الأسرة لم يتم إعداد البنت والولد فيها على قيم التشارك والتراحم.. والمودة.. والتساوى فى العطاء.. كل ما تقدم سرعان ما تظهر آثاره عند أول مشكلة تحدث فى البيت الثانى، الذى ينتقل له الابن أو «الذكر»، وهو بيت الزوجية.. فهذا «الرجل» الذى وُضع فجأة تحت اختبار التعامل مع «أنثى» مختلفة عن شقيقاته البنات أو والدته التى تؤمن بتميزه كـ«ذكر».. سرعان ما يستعرض عضلات «ذكوريته» أمام زوجته.. وهو فى الغالب حين يفعل هذا يستجيب لضغط مجتمعه وأمه التى تطلب من ولدها تعنيف زوجته وقهرها، لأنه «الرجل»، وكأنها تريد أن تسقى زوجة ابنها من كأس العنف التى أذاقها منها زوجها.. والأم أو «الحماة» غالبًا ما تفعل ذلك دون وعى منها، وتكون النتيجة أن تمتلئ محاكم الأسرة بكل أنواع القضايا من نفقة إلى رؤية إلى خطف للأبناء، وصولًا إلى الحرمان من المسكن للأم، حيث تتفرع كل هذه النزاعات من حالات الطلاق، التى يبلغ متوسطها حالة طلاق كل دقيقتين أو ٦٥١ حالة طلاق يوميًا، حسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.. ومن كل حالة نزاع أو «طلاق غير حضارى» تتفرع العشرات من قضايا النفقة والرؤية والحضانة وإسقاط الحضانة... إلخ.

وتبقى القضايا لسنوات بين أخذ ورد وتحايل، فقد اصطدمت العلاقة القائمة على عدم التفاهم بقوانين الأحوال الشخصية، التى برأيى المتواضع تحتاج إلى دراسة وتطوير مستمر لتنصف الأم والمرأة بشكل عام للتماشى مع تغير المعطيات الاجتماعية وليس هذا فحسب، إنما علينا العودة إلى البداية ومن مرحلة الطفولة فإن استمر المجتمع يتربى على تعظيم المذكر وطمس معالم المؤنث سيبقى المجتمع بأكمله فى صراعات بين أروقة المحاكم وحياة المجتمع مرمية فى أدراج قضاء لينصفها، فالحل يبدأ من تغيير مفهوم علاقة الرجل والمرأة فى مناهج التعليم، وأن تفرض على المتأهلين للزواج دورات إعداد وتأهيل تتم فى مرحلة الخطوبة وتفرض، كما فرض إجراء التحاليل قبل الزواج.. وإلى جانب «التربية والتوعية» فعلينا إصلاح الخطاب الدينى الذى يتخذ أحيانًا ذريعة لقهر الزوجة وإشعال نيران الخلافات الزوجية.. فلا يخفى على أحد أن لدينا آراء فقهية كارثية تقول إن من حق الزوج الاستيلاء على مرتب الزوجة العاملة لأن الزوجة كلها ووقتها ملكه، ولا شك أن هذا يسهم فى إشعال نيران الخلافات المادية بين الزوجين، وهى سبب قوى جدًا من أسباب الطلاق.. فضلًا عن الآراء التى كانت تبرر ضرب الزوجة.. وأنا أرى أنه لا بد من تدريس الآراء المضادة لهذه الفتاوى فى مناهج التعليم أو مناهج دورات ما قبل الزواج، التى يجب أن تكون إجبارية وإلزامية قبل عقد القران.. عندها قد نطمئن على استقرار البيوت وعمارها بالمودة والرحمة وتقليص حالات الطلاق وتوقف رحلات السيدات بالأبناء إلى محاكم الأسرة، التى لا شك أنها تستهلك من أوقات واستقرار وإنتاجية عشرات الآلاف من الأسر المصرية، وهو ما لا نحتاجه فى مصر الجديدة، التى نحلم بها جميعًا.