رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دموع مريم تتحول إلى ابتسامة تفوق وكرامة

أخيرًا وبعد ٦سنوات ظهرت الحقيقة لتثلج صدرى وصدر ملايين ممن كانوا يتعاطفون مع مريم ملاك تادرس، تلميذة الثانوية العامة التى شغلت الرأى العام فى سنة ٢٠١٥، بصدمتها المفاجئة من ظهور نتيجة الثانوية العامة وحصولها على صفر فى الامتحان وكانت حينذاك تلميذة بمدرسة صفط الشرقية بمحافظة المنيا، وإذا بها منذ أيام تحصل على درجة الامتياز، مع مرتبة الشرف، فى امتحان الترم الأول بكلية الصيدلة.

ذكرتنى واقعة مريم وما حدث لها بمثل إنجليزى يقول: «قد يختفى بعض الحقيقة بعض الوقت عن بعض الناس، ولكن الحقيقة لا تختفى كل الوقت عن كل الناس».

إن  هذا المثل الإنجليزى يؤكد أن الحقيقة لا بد أن تظهر ذات يوم، وحتى إن تأخر ظهورها، فإنها حينما تظهر تكون كالضوء الساطع الذى يلمع فى السماء فيراه كل الناس.

ولقد كنت أتابع محنة مريم ملاك بعد حصولها على الصفر، فى سنة ٢٠١٥ وكنت واحدة من الذين اندهشوا لما حدث لمريم وقتها، حيث كتبت مقالًا فى «الدستور» أطالب بالتحقيق وإظهار ما حدث لمريم، لأنه بمتابعتى محنتها كانت هناك مفارقة فى تقديرى لا ينبغى إغفالها، وهى أن مريم كانت متفوقة طوال سنوات دراستها، فما الذى جرى لتحصل فى الثانوية العامة على صفر؟.. إذ معنى ذلك أنها تركت أوراق الامتحان بيضاء تمامًا، بينما هى من ناحية أخرى تؤكد بإصرار أنها قد أجابت فى ورقة الامتحان، وعندما أعلنت هذه النتيجة الغريبة أصيبت مريم بصدمة شديدة وحزن عميق، جعلها تنهمر فى البكاء بدموع متواصلة وغزيرة فى كل لقاءاتها الإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، وظلت تبكى بلا انقطاع، ولم أستطع أن أغفل أو أنسى صورة مريم التى ظهرت فى وسائل الإعلام، وفى مواقع التواصل الاجتماعى وظلت لا تفارق ذهنى تعاطفًا وإشفاقًا على تلك الفتاة المصرية المتفوقة التى وصفوها بكل قسوة بلقب طالبة الصفر، مما يمكن أن يدمر مستقبلها ومستقبل أى تلميذ أو حتى رجل ناضج  آخر غيرها، لم تفارق ذهنى صورة مريم ولا محنتها، وحتى الآن ما زالت ماثلة أمامى، فأنا لدىّ قناعة بأن إحساسى لا يخيب فى معظم الحالات.

وأنا أيضًا أرفض إطلاق الألقاب القاسية، ولا أحب القسوة نهائيًا فى التعامل مع الفتيات الصغيرات، وتابعت محنة مريم التى أجبرت على إعادة السنة الدراسية وإعادتها فى مدرسة بشرق الدلتا، ونجحت فى الإعادة بمجموع ٩٤٫٥ فى المائة، ومنذ أيام عمت الزغاريد فى قرية صفط الشرقية بحصول مريم على الامتياز مع مرتبة الشرف فى الترم الأول بالصيدلة، ورفضت أسرتها التعقيب أو الإدلاء بأحاديث للإعلام، وهكذا أثبتت للعالم كله أنها طالبة متفوقة وكشفت وفضحت الأيادى الملوثة  التى بدلت أوراقها فى ٢٠١٥، وردت اعتبار نفسها وكرامتها واسمها.

وأظن أن هذه النتيجة المشرفة لمريم قد أكدت بما لا يدع مجالًا للشك أن هناك فسادًا قابعًا فى وزارة التربية والتعليم، وأتمنى أن يقوم وزير التربية والتعليم بكشف الفساد، لأنه يشير إلى تشدد وتطرف ظلامى، لا بد من تطهيره، لأن مريم ملاك مسيحية، وفى تقديرى أن وراء ما حدث لها كان فسادًا من أيادٍ متطرفة.

وما زلت أقول، وكما كتبت فى مقالات سابقة، إن هناك ظلاميين فى وزارة التربية والتعليم، وأيضًا فى مؤسسات حكومية أخرى، والحقيقة أن أخاها وقتها أكد كلام مريم أنها كانت متفوقة تفوقًا باهرًا طوال سنوات عمرها، مما يجعلنا لا نصدق أنها تحصل على صفر. 

وأعتقد أنه سواء أكانت مريم مسلمة أو مسيحية، فإنه من حقها أن تحصل على الدرجة التى تستحقها، ولا بد من معاقبة من قاموا باستبدال أوراق امتحانها فى ٢٠١٥ وعدم السكوت عن هذه الجريمة، التى يمكن أن تتكرر مع تلميذات أخريات إذا ما سكتنا عن هذه الجريمة المدبرة، والبحث عن الأيادى التى لا تزال تدين بالولاء للتطرف والتشدد، وتكفير كل من تراه على غير الدين الإسلامى، وهم يمثلون بالنسبة لنا الوجه القبيح الذى نريد أن تتطهر منه وزارة التربية والتعليم وفى سائر المؤسسات الحكومية الأخرى.

إن وراء ما حدث لمريم فى رأيى دروسًا مستفادة لا بد أن نستوعبها وأن نعيها، وأولها: إنه لا يأس ولا استسلام مع الحياة وعدم الخضوع، أو الانهزام أمام من يحاولون إحباط تفوق البعض، فمريم لم تنهزم رغم الدموع الغزيرة، ورغم أن سنها صغيرة، وإنها لا تزال زهرة جميلة تتفتح فى سماء مصر، وكان يمكن أن تستسلم أمام أعدائها الذين قهروها ونعتوها بما ليس فيها، فإنها لم تستسلم.

ثانيًا: هناك وراء مريم أسرة تساندها وأم وأب وأخ، لأنها أجبرت على أداء الامتحان مرة أخرى، وساندوها فى إعادة الامتحان، ولكن فى منطقة أخرى، أما الذين غيروا إجابات مريم وبدلوا أوراق الإجابة قرر البعض معهم فى وزارة التربية والتعليم ألا يكشفوهم، وبالتالى أجبرت على إعادة الامتحان مرة أخرى.

الرسالة الثالثة التى وراء واقعة مريم: إن الإنسان المتفوق عليه أن يتمسك بالتفوق ويتمسك بقناعاته، إذا ما كانت قناعات أكيدة وصادقة، لأن اقتناع مريم وتمسكها بتفوقها جعلاها تصر وتستكمل طريق التفوق دون هوادة، حتى حصلت بعد ٦سنوات على صك تفوقها، أى صك براءتها من الصفر.

إن هذه الدروس المستفادة من محنة مريم ملاك تجعلنى أطالب الأسر المصرية بدعم أبنائها ومتابعة دراساتهم، والاقتراب منهم فى سنوات الدراسة ليتفوقوا، وحتى تضمن حصولهم على الدعم الكافى والمحبة الكافية والتفوق.

إن الأسرة وخاصة الأم  التى تتمسك بتفوق أبنائها وتشجعهم وتعطيهم الثقة وتعطيهم الحب ومظلة الحماية والأمان تفرز أبناء متفوقين، أما الأسر التى تهمل أبناءها فهى تتركهم للضياع والتشتت والتردد وعدم الاكتراث بالتفوق.

إن فى تفوق مريم ما يجب أن يعطينا أملًا فى أن هناك من التلاميذ والطلبة النوابغ فى مصر الكثيرين، وأن نهر عطاء النبوغ والتفوق فى مصر مستمر.

ويبقى ضرورة إعلان تفوق مريم ملاك فى كل وسائل الإعلام ونطالب وزير التربية والتعليم د. طارق شوقى بكشف وفضح ومعاقبة الذين عبثوا بأوراق مريم سنة ٢٠١٥ وأظن أنه من حقها بعد إثبات تفوقها أن تعرف من الذى بدل أوراق مريم فى سنة ٢٠١٥، كما أطالب مريم بأن تكمل مسيرتها بتفوق وبسعادة وبفخر، فربما اكتشفت لنا دواءً جديدًا يخفف آلام مرضى قريبًا. 

وأقول لأى فتاة مصرية تفوقى واثبتى أنك بنت مصر الأصيلة والمتفوقة، إن بنات مصر زهور تبشر بالأمل، ومصر ستمضى إن شاء الله إلى الأفضل ببناتها ونسائها وشبابها وكبارها وخبرات الآباء والأمهات، ولا بد أن تتواصل الأجيال وأن تقترب الأسر من أبنائها وتدعمهم ليتفوقوا فى التعليم، حتى يصبح عندنا ملايين المتفوقات مثل مريم ملاك، وألف مبروك لمريم التى  تستطيع أن تقول الآن بعد النجاح الباهر أنا طالبة الامتياز مع مرتبة الشرف وابحثوا وعاقبوا من أعطانى الصفر منذ ٦ سنوات.