رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المسرح المجتمعى قاطرة للتنمية

مثلما تحتاج قُرانا ومدننا للبنية الأساسية يحتاج الإنسان أيضًا إلى بناء، وإن كان بناء الإنسان أصعب، والعمل على تكوين مفاهيمه وأفكاره وسلوكه تكوينًا يجعله فعالًا فى مجتمعه وقادرًا على المشاركة فى تنميته- أمرًا فى غاية الصعوبة، ولن يتم إلا بتضافر العديد من الجهود من الدولة والمجتمع المدنى والقطاع الخاص. 

والمسرح هو أكثر الفنون قدرة على إحداث الأثر الاجتماعى والتغيير الإيجابى، كونه يأتى من لحظة تفاعل وحوار مباشرة ومفتوحة بين الجمهور ومنتجى العرض المسرحى فى لحظة لا تنفصل إطلاقًا عن البيئة المحيطة بالعمل، والوعى بأن الأثر الاجتماعى للمسرح هو أكبر من الأثر الفنى، مسألة تجعلنا بالضرورة نعيد النظر فى تأطير دور المسرح فى عملية التنمية الشاملة الجارية حاليًا فى الدولة المصرية.

والمسرح المجتمعى، أو مسرح المجتمعات المحلية، هو الذى يجرى تكوينه فى إطار محلى «فرقة للقرية- للمنطقة- للحى»، ويكون دور هذه الفرقة تقديم عروض مسرحية لأهالى تلك المنطقة تناقش مشاكلهم المحلية «التحرش- المخدرات- البطالة- الصرف الصحى» وتحفزهم على التفكير فى مخارج وحلول وتدعم الجوانب الإيجابية لديهم وتعمل على تنمية الهوية والانتماء، وتكوين مثل تلك الفرق يتم بالضرورة تحت إشراف مسرحيين خبراء فى مجالات التكوين المسرحى. 

وهناك نماذج عديدة لهذا النوع من المسرح حول العالم تُخصص لها أماكن بسيطة ومجهزة بما يفى بمتطلباتها ويمكنها من تقديم عروض فى الأماكن غير التقليدية «فضاءات غير مسرحية»، ويتم دعمها عادة من مخصصات الثقافة بالمحليات، نظرًا لكونه مسرح مجتمع محلى ويساعد على حل المشكلات المحلية، وفضلًا عن النماذج الدولية، هناك نماذج محلية غاية فى الأهمية بل هى بالفعل نماذج وصلت للعالمية، أتذكر دومًا الفنانين الذين كانوا يأتون من كل صوب من العالم لزيارة قرية «شبرا باخوم» بالمنوفية، لمعاينة تجربة مسرح الجرن التى امتدت قرابة الأربعين عامًا، ووفق معلوماتى هى التجربة الأكثر امتدادًا فى مجال المسرح المجتمعى فى العالم كله.

لماذا لا نستلهم تجربة بأهمية تجربة «شبرا باخوم»، لماذا لا نوظف المسرح كوسيلة توعوية وتنموية مضمونة الأثر فى مبادرة مهمة كمبادرة حياة كريمة؟، ليس على نحو استهلاكى يقتصر على تقديم عروض مسرحية فى القرى لليلة أو لاثنتين، لأنه، على أهميته، يجعلنا كمن يسقى أرضًا عطشى ثم يتركها ثانية لتجف، علينا أن نحفر نبعًا صغيرًا، نبعًا لا ينضب بما يكفى لنزرع الجمال والوعى والرحابة وتقبل الآخر فى عقول أهالينا فى كل القرى والنجوع والمناطق المهمشة والفقيرة.