رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صوت الناس.. عودة «المسرح المجتمعى»: ضرورة قصوى لدعم التنمية المحلية

المسرح
المسرح

 

دعا عدد من النقاد إلى عودة المسرح المجتمعى أو مسرح المجتمعات المحلية، الذى يتسم بدور تنموى ويعمل على التوعية المباشرة وتعزيز السلوك الإيجابى، ومعالجة القضايا المحلية المرتبطة بالبيئة التى ينتج فيها المسرح، خاصة أن هذا النوع من المسرح ينتشر فى العديد من دول العالم.

وقال الدكتور أيمن الخشاب، أستاذ التمثيل والإخراج، إن مسرح المجتمعات المحلية هو مسرح يقدمه الهواة، وكل جمهوره أو معظمه لا يدفع مقابلًا ماديًا لمشاهدة العروض المقدمة، كما أنه يمنح الفرصة لأفراد معظمهم من غير المشتغلين بالمسرح لتقديم عروض مسرحية وإشباع حاجتهم لأن يكونوا فنانين فاعلين فى المجتمع.

وأضاف: «معظم أفراد الفرق فى هذا النوع من المسرح يحترمون قوانين وقيم مجتمعهم المحلى، كما تتيح تلك الفرق لأفرادها تنمية مهاراتهم وحساسيتهم الفنية، وتمنح الفرصة لتأليف أعمال مسرحية أصلية نابعة من البيئة المحلية، خلافًا للفرق المحترفة، التى تعتمد على مسرحيات معروفة».

وتابع: «عادة ما يكتب أعمال الفرقة كتاب محليون، لذا يكون لديهم إحساس قوى بمجتمعهم المحلى، ما يجعل أعمالهم مرتبطة بمجتمعهم وبجمهورهم، لذا يمكن لهذا المسرح أن يسهم فى حل المشكلات المرتبطة بالمجتمع المحلى على وجه الخصوص، خاصة أن بنيته الفنية تسمح بالمناقشة والحوار بين الصالة والمنصة، هذا إن كان هناك فاصل بينهما، لأن معظم تجاربه تقدم فى ساحة لا فصل فيها بين المتفرج والجمهور، كما أنه يتيح فرصة لتوطيد العلاقات بين أفراد المجتمع المحلى، وذلك من خلال توحدهم فى مناقشة قضاياهم».

وعن أبرز التجارب من هذا النوع، قال: «كانت فرقة شبرا باخوم بالمنوفية هى التجربة الأبرز والأكثر امتدادًا، وهى نموذج مثالى لهذا النوع من المسرح، لأنها منذ نشأتها ارتكزت على خصائص مسرح المجتمعات المحلية».

وأضاف: «نشأت الفرقة من أبناء القرية، وارتبطت بمشاكل مجتمعهم، وأتاحت الفرصة لغير المشتغلين بالمسرح لتنمية مهاراتهم وإشباع حاجاتهم الفنية، والقيام بدورهم الاجتماعى، وخلقت منتدى للحوار والتعبير الذاتى، لذا لم تتعرض للانتقاد ولم تكن موضع سخرية، رغم أنها فرقة من الهواة، بل حظيت باحترام وتقدير بالغين من أهالى القرية».

وعن كيفية دعم هذا النوع من المسرح قال «الخشاب»: «الهيئة العامة لقصور الثقافة هى الجهة الوحيدة القادرة على تبنى مسرح المجتمات المحلية، لما لها من امتدادات فى عمق قرى مصر ومدنها، وهناك ضرورة لإنشاء إدارة بحثية خاصة بالإدارة العامة للمسرح لدراسة التجارب المسرحية المهمة التى تنتجها الهيئة، وكذلك إدارة فرعية تختص بمسرح المجتمعات المحلية تضم باحثين فى مجالات الجغرافيا البشرية وعلم الاجتماع، لتقديم أطلس بشرى للتجمعات السكانية بمصر وطبيعة التركيبة السكانية بكل جوانبها، والتفرقة بين المجتمعات المحلية التقليدية والجديدة ورصد خصائص كل منها».

فيما رأى الناقد أحمد عبدالرازق أبوالعلا أن مسمى المسرح المجتمعى هو المسمى الأكثر دقة لذلك النوع من الفن الذى يتطلب علاقة مباشرة مع المجتمع، ويكون ناتجًا عن بيئة معينة وواقع محدد.

وقال: «هذا المسرح يختلف عن المسرح العادى، لأنه لا يقدم داخل مسرح مغلق ولكن يقدم خارجه، سواء فى الشارع أو فى الحدائق والنوادى وغيرها، كما أنه يتطلب تقنيات خاصة لا يتم الوصول إليها إلا بعد إقامة ورش للتدريب عليها، لذا يرتبط هذا المسرح فى الأساس بورش التدريب، لأنه ليس مسرحًا تقليديًا». وأضاف: «نستطيع أن نقول بكل صراحة إن هذا النوع من المسرح لم يعد موجودًا الآن، وهذه مشكلة كبيرة، وقد رصدتها فى كتابى الأخير (التجريب فى مسرح الثقافة الجماهيرية)، لأن الثقافة الجماهيرية كرافد من روافد المسرح المصرى هى التى اعتنت بهذا النوع من المسرح، وقدمته فى الأماكن البعيدة، خاصة تلك الأماكن التى لا تمتلك تقنيات البناء المسرحى مثل القرى والنجوع».

وأوضح أن المسرح المجتمعى، فى رأيه، هو مسرح احترافى، خلافًا لما يظن البعض، لأنه يحتاج إلى إشراف من محترفين، كما يتطلب ورشًا للتدريب على الأداء الصوتى فى الأماكن المفتوحة، وكذلك على حركة الممثل وطبيعة النص المسرحى المناسب. وأضاف: «أبرز التجارب فى هذا المجال هى تجربة المخرج أحمد إسماعيل فى قرية شما بمحافظة المنوفية، وتجربة المخرج حسن الوزير متعاونًا مع الكاتب هشام السلامونى فيما سمى (بمسرحة المكان) فى ميدان الأربعين، فى نفس المكان الذى شهد المقاومة الشعبية أثناء حرب ٧٣، وكذلك تجارب مسرح الشارع بالسويس، ومسرح السرادق، ومسرح الفلاحين، وتجربة الفنان عبدالعزيز مخيون فى إحدى القرى». وتابع «أبوالعلا»: «لقد وضع المخرج بهاء الميرغنى أسسًا نظرية مكتوبة عن كيفية التعامل مع النص واختيار الفكرة المسرحية التى يقوم عليها، وظلت تلك الأوراق مجرد أوراق تتحدث عن نظرية ولم تُطبق فى العروض التى قدمها، ثم قدم المخرج أحمد إسماعيل أيضًا تجربته فى مسرحة المكان، وقدم فيها أوراقًا نظرية، حددت التقنيات وطبيعة النص، وكيف يستطيع المسرح اختيار المكان والتعبير عنه ونقل خصائصه، وهذه التجارب تحتاج إلى دراسة حتى لا تظل مجرد تنظيرات فقط».

أما الناقد عبدالناصر حنفى فقال إن المسرح فى ذاته هو تجربة شديدة المحلية، سواء من حيث الموضوع، أى طبيعة ونوعية القضايا التى يتناولها فى علاقتها بالمحيط السكانى، أو من حيث تحليل الظاهرة المسرحية نفسها، بوصفها حالة من حالات التجمع الإنسانى حول فعل مشترك فى زمان ومكان بعينه».

وأضاف: «باستثناء بعض عناصر ما قبل العرض مثل النص المسرحى وما بعده مثل النقد، فإن بقية عناصر العمل المسرحى تتمتع عادة بسمات محلية لافتة، باعتبارها لا تكون إلا بوصفها حدثًا يحدث هنا والآن، وفى ظل هذا التوصيف يمكن التمييز بين محلية العرض المسرحى، التى تشير إلى تلك العلاقة الطارئة بين ليلة العرض والمكان الذى تقدم فيه، ومحلية العمل المسرحى، بوصفها تشير إلى علاقة العمل بجميع مراحله وأغلب عناصره، بما فى ذلك ليالى عرضه بمحيط سكانى بعينه».

وتابع: «هذا التصنيف قد لا يهم أصحاب النظر النقدى التقليدى، الذى يركز على فحص وتقييم العطاء الجمالى للعرض، لكنه يمثل أمرًا بالغ الأهمية لمن يهتمون بالعطاء الاجتماعى للمسرح، خاصة إذا ما أخذنا فى الاعتبار خصوصية الظاهرة المسرحية، التى تجعل عطاءها الاجتماعى غير مرهون بعطائها الجمالى».

واستطرد: «السياسة الثقافية المصرية المتعلقة بمسرح المحافظات أو الأقاليم قدمت ما يثبت تفهمها للفارق الكبير بين حالتى محلية العرض ومحلية العمل، ففى بداية مشروع (المسرح الشعبى) فى العهد الملكى كان الأمر يقتصر على فرقتين، تجهز كل منهما عرضًا فى القاهرة ثم تذهب به إلى المحافظات».

وأكمل: «لكن هذه السياسة تحولت من الانتصار لـ(محلية العرض) إلى (محلية العمل)، بحيث أصبحت العناصر المحلية باستثناء المخرج هى التى تقوم بتنفيذ العمل فى جميع خطواته، مثلما أصبحت كل التجهيزات والبروفات تتم داخل نفس المحيط السكانى الذى يستهدفه العرض، وهو ما منحنا ما نطلق عليه اليوم اسم (مسرح الثقافة الجماهيرية)، الذى كان أشبه بعملية استصلاح للأرض المسرحية فى الفترة بين ستينيات وتسعينيات القرن الماضى، حين تم غرس ظاهرة الممارسة المسرحية فى كل محافظات مصر».

من جانبها، رأت الناقدة عبلة الروينى أن السؤال عن حضور المسرح ودوره داخل بيئته ومجتمعه المحلى يبدأ أولًا من توافر المناخ المسرحى والمجتمعات الحية والحيوية القادرة على الحوار، والوعى المنفتح والحركة والنشاط المسرحى الفاعل، ومن ثم استعادة الفرق المسرحية نشاطها وإنتاجها المسرحى مع دعم المشاريع والتجارب والمغامرات الفنية. 

وأوضحت أن الدعم المقصود لا يقتصر على وزارة الثقافة وهيئة قصور الثقافة فقط، لكن على الجميع أن يدعم المسرح والثقافة والفن فى المحليات والمحافظات، وكذلك مؤسسات المجتمع المدنى، بهدف خلق حركة مسرحية تسهم فى تنمية الوعى، ويمكن أن تبلور دورها وتطور صيغها الجمالية.

وأضافت: «أسباب كثيرة كانت وراء تقلص النشاط المسرحى، وربما تراجع دور وأهمية المسرح، وكثير من التجارب المسرحية الخاصة توقفت ولم يتحقق لها الاستمرار، والبعض أيضًا فقد الشغف والإصرار على مواصلتها، مثل تجربة مسرح الجُرن وتجربة شبرا باخوم والفرق المستقلة».

وتابعت: «عندما نتكلم عن استعادة الوعى بالمسرح بالتأكيد لا نعنى المسرح من أجل الترفيه، ولا المسرح التجارى، ولا مفهوم السلعة فى التعامل مع المسرح، فمجتمعاتنا لا يمكن أن تخرج فيها الثقافة عن دورها التنموى، بل يجب أن تكون بالضرورة خدمة للبناء والوعى».