رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

80 يومًا على الحرب.. أين وصلت الأزمة الروسية الأوكرانية؟

الأزمة الروسية الأوكرانية
الأزمة الروسية الأوكرانية

في 24 فبراير 2022، شنت القوات الروسية هجومًا عسكريًا على أوكرانيا، بهدف إقالة حكومتها التي قررت الانضمام إلى حلف الناتو مؤخرًا، بدلًا من الاتحاد السوفيتي الذي يرى الرئيس الروسي أن سقوطه يعتبر تفككًا لروسيا التاريخية.

العملية العسكرية الأولى التي نفذتها القوات الروسية استهدفت البنية التحتية العسكرية لأوكرانيا، فضلًا عن المطارات والمنشآت الرئيسية، وادعت حينها أن ذلك الهجوم كان بهدف حماية إقليم دونباس جنوب شرقي أوكرانيا، لأن الروسيون القاطنون هناك يتعرضون للتمييز العنصري.

لكن ما حدث حينها كان عكس ذلك، فالهجوم لم يكن سريعًا، بل امتد حتى وقتنا هذا، ففي اليوم العشرين من الحرب، تعرضت العاصمة الأوكرانية كييف لانفجارات عدة، أسفرت عن إجلاء أكثر من 4000 شخص من جميع أنحاء أوكرانيا.

80 يومًا مروا على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ومازالت الأحداث تتصاعد في حرب وصفها الجميع بإنها الأقوى منذ الحرب العالمية الثانية، بينما فشلت المفاوضات التي تهدف لإنهاء الحرب بعد الأزمات الناتجة عنها، والتي تأثرت بها جميع دول العالم.

تشير بعض التقديرات الدولية إلى أن نهاية الحرب الروسية الأوكرانية ليست معروفة حتى وقتنا الحالي، ويمكن أن تستمر لسنوات، ما جعل نحو 3 ملايين شخص من أوكرانيا يفرون منذ اندلاع الحرب، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.

الدول الأكثر تضررًا

قالت الدكتورة هدى الملاح، مدير المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، إن روسيا وأوكرانيا يعتبرا مخزن العالم في السلع الاستراتيجية مثل القمح والغاز والأسمدة، وبالتالي الحرب بينهما لها تأثير سلبي للغاية على الاقتصاد العالمي لكافة دول العالم ولكن بدرجات متفاوتة.

 

أوضحت أن الدول الأكثر تضررًا من الحرب الروسية الأوكرانية هي الدول الفقيرة والدول الناشئة والحاصلة على قروض عدة من صندوق النقد الدولي، مثل دول شمال وجنوب الصحراء في أفريقيا منها الصومال، والسودان، السنغال، وغيرها مثل لبنان، وسوريا، ودولة بولندا التي تأثرت بشكل كبير، حيث بلغ حجم تأثيرها حوالي ٤٠ ٪. 

 

وأضافت أن جميع الدول المستوردة للسلع الغذاء ومواد البناء ومواد الطاقة تأثرت بالأزمة؛ لتأثرها بفرق سعر العملة، مما دفعها لزيادة أسعار السلع والمنتجات النهائية، نتيجة ارتفاع معدل الفائدة الناجم عن زيادة معدلات التضخم.

الدكتورة هدى الملاح

ونفت "الملاح" وجود علاقة بين رفع البنك الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة وبين الحرب الروسية الأوكرانية، مشيرة إلى أن السلع شهدت ارتفاعًا في الأسعار قبل الحرب، مما ساهم في زيادة معدلات التضخم، مؤكدة أن ارتفاع الفائدة في البنك الفيدرالي نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة. 

 

وعن تأثر الاقتصاد المصري بالحرب، لفتت مدير المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، إلى تأثره بشكل سلبي؛ كون مصر دولة مستوردة للقمح والطاقة وبعض السلع الاستراتيجية، مشيرة إلى اختلاف درجة تأثيرها؛ لأن الدولة في الفترة الأخيرة كانت تتمتع بالاستقرار الاقتصادي، وتمتلك احتياطي كبير السلع الاستهلاكية.

بداية الأزمة

في عام 1991، كانت أوكرانيا ترغب في التخلص من الاتحاد السوفيتي، بينما روسيا كانت متمسكة بالحفاظ عليه، من خلال تأسيس رابطة الدول المستقلة، وظن الكرملين حينها أنه يمكنه السيطرة على أوكرانيا من خلال شحنات الغاز الرخيصة.

وفي ذلك الوقت، تمكنت روسيا من تأسيس تحالف وثيق مع بيلاروسيا، وتسبب انشغالها بالحرب في الشيشان في ضعف الاقتصاد الروسي، في حين كانت أوكرانيا تسعى للتحول إلى الغرب، لكن الغرب لم يسعى لذلك، حتى اعترفت روسيا بحدود أوكرانيا (شبه جزيرة القرم) في عام 1997.

وفي عام 2004، ظهرت أول أزمة دبلوماسية بين روسيا وأوكرانيا، حين قرر فلاديمير بوتينبشكل مفاجئ بناء سد في مضيق كريتش باتجاه جزيرة "كوسا توسلا" الأوكرانية، وازداد الصراع حين اعترضت أوكرانيا على ذلك، موضحة أن ما حدث يعتبر ترسيمًا واضحًا لحدود جديدة بين البلدين، حتى انطلقت مفاوضات بينهما وتم إيقاف بناء السد.

وفي الوقت الذي انطلقت فيه الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، في عام 2004، ظهر دعم  روسيا للمرشح المقرب منها، فيكتور يانوكوفيتش، لكنه لم يفز حينها، لتقرر روسيا قطع إمدادات الغاز في عامي 2006 و2009، حتى تولى الرئيس المقرب من روسيا حكم أوكرانيا في عام 2010.


حاولت أوكرانيا كثيرًا دمجها بالغرب من خلال اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي، ولكن روسيا كانت رافضة لذلك تمامًا، وفرضت ضغوطاً اقتصادية عليها، ففي عام 2014، خرج ملايين الأوكرانيين في الشوارع احتجاجًا على رئيسهم المدعوم من روسيا، حين رفض التوقيع على اتفاقية سياسية وتجارية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، ليفر هاربًا إلى روسيا في عام 2014.

وكان رد روسيا حينها هو ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية، ما سلط الضوء على بدية الحرب بين البلدين، حين دعمت الانفصاليين الذين قاتلوا القوات الأوكرانية في حرب استمرت 8 سنوات، وأودت بحياة 14 ألف شخصًا.

يوم الحرب

وقبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بيوم واحد فقط، اعترف الرئيس الروسي بوتين، بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، وأمر بنشر القوات الروسية هناك بحجة الحماية، ثم بدأ في شن الهجمات الصاروخية واستخدام مدفعية بعيدة المدى.

كان الهدف الأساسي من الحرب هو السيطرة على أوكرانيا، ومنع حكومتها من الانضمام إلى حلف "الناتو"، وذلك ما طالب الرئيس الروسي به من الولايات المتحدة، منذ ديسمبر عام 2021، لكن الحلف لم يوافق على هذه هذه الطلبات إطلاقًا.

وبعد مرور قرابة 3 أشهر على الحرب الروسية الأوكرانية، يبقى السؤال الأبرز الذي يشغل العالم بأجمعه حاليا: هل هناك نهاية محتملة لهذه الأزمة العالمية؟

سيناريوهات توقف الحرب


دائمًا ما يكون إنهاء الحرب أصعب من بدئها، فبالرغم من مرور 80 يومًا على الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن القوات الروسية مازالت تشن العديد من الهجمات على منطقة دونباس، ففي تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، اتضح أنه تم تدمير أكثر من 90% من مدينة ماريوبول، بالإضافة إلى رشق كييف بالقذائف.
 

وأشار التقرير إلى أن إمكانية إنهاء الحرب تشمل 4 زوايا، أولهم فرض أحد الطرفين هزيمة عسكرية حاسمة، أو حدوث جمودًا عسكريًا مطولًا، يشهد تزايدا تدريجيا في القوات وأيضًا في قوائم الخسائر في الأرواح، ما سيؤدي إلى تسوية دبلوماسية.

والحل الثالث هو حدوث تصعيد يغير من طابع الحرب، سواء من خلال انتشار الحرب إلى الدول الأخرى أو اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية، وأخيرًا اندلاع أزمة في نفس الوقت في مكان آخر في العالم، تشمل مصلحة حيوية للولايات المتحدة والمجتمع الدولي.

وفي ختام التقرير، اتضح أن الوصول إلى تسوية الحرب الروسية الأوكرانية أمر صعب تحقيقه، ولكن البديل هو مواصلة القتال مع إمكانية حدوث توسع جغرافي.
 

السيطرة على معدلات التضخم 

قال الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن جميع دول العالم تأثرت بتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على عدة مستويات، كان أبرزها المستوى الاقتصادي، الذي نراه بشكل ملحوظ في وقتنا الحالي. 

وأوضح أن الحرب أثرت على نظام الاقتصاد العالمي، حيث شهد ارتفاع ملحوظ في معدلات التضخم، وقفزة كبيرة في ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية والحبوب، وتراجع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة عالميًا، وتغير وضعف في معدل النمو الاقتصادي العالمي، وهبوط تضخمي حاد أصاب العديد من الكيانات الاقتصادية الكبرى، فضلًا عن ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا. 

وأضاف "الإدريسي" خلال حديثه مع "الدستور"، أن الحرب أثرت على أسعار مواد البناء والسلع الغذائية بشكل كبير، وذلك نتيجة ارتفاع تكلفة مواد ومستلزمات الإنتاج، التي بدورها تؤثر على أسعار السلع والمنتجات النهائية. 

ولفت إلى أن البنك الفيدرالي الأمريكي قام برفع أسعار الفائدة نتيجة تداعيات الحرب التي أثرت على معدلات التضخم، الذي كان قد وصل في مارس الماضي إلى ٨.٥٪، ويعد ذلك أعلى نسبة تضخم على مدار أربعين عامًا، مما دفع إلى زيادة أسعار الفائدة مرتين مرة، ٢٥٪ و٥٠٪، ومن المتوقع زيادتها الفترة القادمة من ٤: ٥ مرات. 

الدكتور علي الإدريسي

وعن الحلول لمواجهة تفادي الأزمة، أشار إلى وجود مجموعة من الحلول، منها العمل بوثيقة ملكية الدولة، التي تحدد عن طريقها المجالات والقطاعات التي سوف تستمر فيها، لافتًا إلى دورها في كونها نوع من أنواع التقارب وتمنح حرية ومساحة أكبر للقطاع الخاص، كما ينبغي مراجعة  شركات القطاع العام والهيئات الاقتصادية لتعظيم الاستفادة منها ومردوها الاقتصادي.

وأكد على ضرورة ترتيب الدولة أولويتها في تنفيذ المشروعات، ويجب على المواطنين أيضًا ترتيب احتياجاتهم، ويكونوا على درجة كبيرة من الوعي، كوننا نمر بأزمة عالمية، خاصة أن تداعيات الحرب سوف تستمر حتى بعد انتهاءها لمدة تزيد عن ٣ سنوات، وفقًا لتقرير البنك الدولي. 

وعن كيفية تأثير الحرب على الأسعار في مصر، أعرب: "بالطبع أثرت الحرب على الأسعار في مصر، حيث وصل معدل التضخم لأكثر من ٤٠٪، وهو تضخم مستورد، نتيجة ارتفاع أسعار البترول والسلع الغذائية والحبوب والقمح". 

واختتم: "الدولة تحاول تقليل أسعار السلع الغذائية والسيطرة على معدلات التضخم عن طريق إقامة المعارض  والتعامل مع القطاع الخاص الذي يقدم حوافز وضمانات تساهم في زيادة الإنتاج والمشروعات للسيطرة على معدلات التضخم".