رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد تداول صوره «نائمًا».. تعرف على أصل تمثال «أبو الهول»

تمثال أبو الهول
تمثال أبو الهول

خلال الساعات القليلة الماضية، تصدر تمثال أبو الهول، مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ادعاء أحد حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، أنه "مُغمض العينين" وأنه نائمًا، وذلك وفق فيديو اُلتقِط له أمس السبت، على حد زعمٍ ما نُشر عبر هذه المواقع، وهو الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا ليس في مصر والعالم كله، بعد انتشار الفيديو وصور له.

"ليس بين الآثار القديمة الموجودة في مصر، ما هو أكثر إثارة للدهشة من صنم أبو الهول العظيم بالجيزة، ذلك الأسد الهائل ذو الوجه الآدمي والذي يرنو أبدًا عبر وادي النيل الخصيب موليًا وجهه شطر الشمس المشرقة".. هكذا بدأ الدكتور سليم حسن، سطور كتابه "أبو الهول.. تاريخه في ضوء الكشوف الحديثة" الذي ترجمه جمال الدين سالم، وراجعه الدكتور أحمد محمد بدوي، ويتناول الكتاب قصصًا عجيبة وروايات متعددة عن أبو الهول، إذ يمثل جزءً من مجموعة تشكل واحدة من عجائب الدنيا، وهي مجموعة الأهرام التي تحتوي على أسرار ما زالت تحير العالم، وتقع على هضبة ترتفع 40 مترًا فوق مستوى سطح البحر، وتطل على منظر بهيج لوادي النيل تحده على بعد سلسلة تلال المقطم.

رغم مرور أكثر من 20 عامًا على صدور هذا الكتاب؛ إلا أن الدكتور سليم حسن، كان على صواب حين أكد أن تمثال "أبو الهول" ظل مثار اهتمام الشعراء والفنانين والموسيقيين، وعلماء اللاهوت والمؤرخين، ولا يزال، مشيرًا أيضًا إلى أنه على الرغم من كثرة الكتاب الذين عالجوا أمر "أبو الهول" فإنه لم يعرف متى نحت، ولأي سبب، وماذا يمثل؟ تلك أسئلة ظلت بغير جواب، بل أدت إلى الزيادة على اشتهاره بالصمت الرهيب.

"أصل أبو الهول" هكذا جاء أحد عناوين فصول الكتاب، وأوضح فيه الدكتور سليم حسن، أن المرء قد ألف شكل "أبو الهول" المصري الذي غدا رمزًا لمصر، وغدا المرء مطمئنًا إلى هذا الشكل، لا يتوقف، ولا يتريث ليسأل عما في مظهره من تهجين، ومع ذلك فهو كغيره من الأشياء له أصل هو الأسد، مستطردًا: نستطيع أن نقول استنادًا إلى ما جاء في لوحات الأردواز من عصر ما قبل الأسرات، والتي كانت تستعمل لطحن الكحل الذي كان المصريون يجملون به عيونهم في هذا العصر السحيق، ومن تلك الألواح نسوق مثلين يرينا أحدهما صورة أسد قوي يبقر بطن رجل غير مصري منبطح على الأرض، وآخرون من أشباهه صرعى تنهش رممهم الطير، وعلى يمين الأسد طائفة من أسرى يسوقهم شخص يلبس ثوبًا طويلًا موشى، وأطرافه مزينة، والمثل الثاني يرينا صورًا رمزية لسبع مدن محصنة، تدل صورها على اسمائها.

ويتابع: من الأمور الطبيعية عند الناس والبدائيين بخاصة وبعض الشعوب المتحضرة أن يشبهوا حكامهم بأقوى وأجل ما يعرفون من الحيوان، والواقع أن الأسد كان ولا يزال يلعب هذا الدور في كثير من بلاد العالم، فمن ألقاب إمبراطور الحبشة "أسد يهوذا"، على حين يلقب "شاكا" ملك زولولاند العظيم في جنوب أفريقية بـ"الأسد الأسود"، ونستطيع أن نقول إنه من المحتمل أن ملوك مصر قبل الأسرات كانوا في العادة يصورون على هيئة أسود، وقد استمر هذا التصوير المجازي خلال عهود الأسرات، فقد كان الملك يمثل أحيانا في صورة ثور، وكان لقبه "الثور القوي" ضمن ألقاب فرعون وظل حتى نهاية عهد الوثنية.

غير أن هذا التصوير على شكل البقر لم يبق بعد العصر العتيق، ويذكر: ولقوة الأسد وشجاعته أصبح يعتبر حارسا قويا ولذلك أصبحت صورته شيئا يمكن أن نسميه "حلية سحرية"، وصار ينظر إلى الأسد منذ عهد ما قبل الأسرات على أن يؤدي عمل الحارس، وفي مصر القديمة كانت صورته تشكل قوائم المقاعد ومساندها، كما كانت تشكل كذلك القاعدة التي يرتكز عليها عرش الملك، وتشكل صورة الأسد المستطيلة قوائم أسرة الأحياء فتحرس الأسود النائم من أعدائه الطبيعيين والخارقين للطبيعة، كما هي الحال في نقوش الموتى أيضا، وكانت صورة الأسد في الرسم والنحت على السواء تحرس أبواب المعابد كما هي الحال في معبد "الدير البحري" غرب طيبة، وحتى في معبد "أمنحتب الثاني" الواقع بين قوائم "أبو الهول" الكبير بالجيزة.

وتحدث الدكتور سليم حسن عن "أبو الهول" قائلا: إنه يقدم لنا من الوجهة الأثرية أنجح طراز من طرز "أبو الهول"، فله جسم أسد قوي، وغير مكبل بالأجنحة، وله رأس إنسان وثيق التركيب، يبدو في ذلك الغطاء المعروف باسم "نمس" وعلى جبينه الناشر، وله لحية مجدولة كلحية "أوزير"، ويمثل صنم "أبو الهول" بالجيزة في النقوش دائما رابضا على قاعدة، أثار شكلها كثيرا من التأمل بين فريق من علماء الآثار.

ويضيف: وهذه القاعدة تتخذ في العادة شكل مستطيل مرتفع يتوجه كرنيش ويضاف إليه غالبا رسم باب، ولقد مثل "أبو الهول" على إحدى وخمسين لوحة كشفت عنها أعمال التنقيب في جبانة الجيزة، من بينها إحدى وثلاثون مثل عليها رابضا على قواعد، وفي سبع منها تمثل الباب، أما التسع عشرة الباقية فبعضها مهشم، ومنها الصغير، والمخطط تخطيطا خشنا تنقصه التفاصيل.