رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بأى رصاصة تطالب إسرائيل؟

أحببت شيرين أبوعاقلة من المرات الأولى التى شاهدتها فيها وهى تبث رسائلها من فلسطين، أحببت نظرة عينيها الطيبة الأخوية والنبرة الصادقة التى تُشعر كل من يتابعها بأنها مشغولة بأن تظهر الحقيقة، لا أن تظهر نفسها مهمومة بالموضوع وليس بذاتها، كنت أتابعها ولم أفكر يومًا فى ديانتها، كان يكفينى أن الوطن محرابها وأن الحقيقة معتقدها.

تم اغتيال شيرين فى ١١ مايو قبل أيام من ذكرى نكبة فلسطين الرابعة والسبعين التى تحل فى ١٥ مايو، كأنما لتصب دمها فى الحقيقة، ويكون موتها حياة لمواصلة الكفاح الفلسطينى، الذى بدأ مع صدور قرار الأمم المتحدة الجائر فى ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧ بتقسيم فلسطين إلى دولتين «٤٣٪ للعرب- و٥٦٪ لليهود رغم أن نسبة أملاكهم فى فلسطين لم تتعد حينذاك ٥,٥٪» مع تدويل القدس، ثم تأسيس إسرائيل قاعدة عسكرية استعمارية أطلقوا عليها صفة دولة واخترعوا لها شعبًا.

تم اغتيال شيرين عمدًا ومع سبق الإصرار، وبذلك الصدد روت الصحفية شذى حنابشة، زميلة شيرين لحظة استشهادها، القصة، فقالت إنه لم يكن ثمة اشتباك بين جيش الاحتلال والفلسطينيين، وإن الطاقم الصحفى بأكمله، بمن فيهم شيرين، وقف عشر دقائق على مرأى من الجيش، لكى يرى أنهم صحفيون، ثم تحرك الطاقم للأمام، وحين أصبح قريبًا من الجيش انهمر الرصاص عليه. 

نجت شذى بأعجوبة حين احتمت بشجرة قريبة منها، أما شيرين المستهدفة فقد أسعفها الوقت للشهادة، وعقب الجريمة طالبت إسرائيل السلطة الفلسطينية بتسليمها الرصاصة القاتلة لإجراء فحوصات عليها والقيام بتحقيق مشترك، لكن السلطة رفضت.

ولا أفهم لماذا تطلب إسرائيل هذه الرصاصة تحديدًا؟ فإن كانت بحاجة إلى فحص ومراجعة الجريمة فإن لدينا الكثير والكثير من رصاصها، الذى استقر فى صدور إخوتنا من الصحفيين والكُتّاب والشعراء والرسامين، فقد قتلت إسرائيل خمسة وخمسين صحفيًا خلال العقدين الأخيرين، منهم من كانوا يعملون فى صحف وقنوات عربية أو أجنبية، ودمرت مقار القنوات الفضائية والمكاتب الصحفية فى غزة دون أن نسمع العالم الحر ودون أى مساءلة، وتصيدت بنادقها الطفل محمد الدرة عام ٢٠٠٠، ودهست بجرافة عسكرية المواطنة الأمريكية راشيل كورى عام ٢٠٠٣، وهى تحاول وقف هدم منزل فى غزة، وبرأت المحكمة الإسرائيلية قاتلها.

لدينا كل هذا الرصاص إن أرادت إسرائيل أن تفحص تاريخها وأن تدرك أن وجودها كله كان أزيز رصاص لا يتوقف، لدينا فى الذاكرة منها ما قتل الأديب العظيم غسان كنفانى فى يوليو ١٩٧٢، والرصاص الذى أنهى حياة وائل زعيتر فى أكتوبر ١٩٧٢، وكان من ألمع المثقفين الثوريين، ورصاصة قتلت عزالدين قلق فى باريس أغسطس ١٩٧٨، وعندنا للفحص، أيضًا، الرصاص الذى قتل هانى جوهرية، المصور السينمائى الذى أنهى تعليمه فى القاهرة، واستشهد فى ١١ أبريل ١٩٧٦ وهو يصور المعارك، وأيضًا د. عبدالوهاب الكيالى فى بيروت ديسمبر ١٩٨١، وتطول قائمة الرصاص بلا نهاية، فبأى رصاصة تطالب إسرائيل؟.