رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أجل الهدوء

هذه هى الرسالة المسجلة التى نسمعها دومًا بعد كل موجة عمليات، أو بعد كل تصعيد، كثيرًا ما نسمعها فى المعركة بين الحروب وفى الحروب نفسها وفى المواجهات.. والحقيقة أنه غير مؤكد أنها ناجعة خاصة فى لحظات مثل تلك، تكون ناجعة على مستويات، وغير ناجعة على مستويات أخرى!.

فى الأيام الأخيرة كان الخطاب الإعلامى الإسرائيلى يحمل نغمة شبه سائدة، نغمة من شأنها أن تذهب بإسرائيل إلى معركة غير مرغوب فيها، وأساسًا غير مخطط لها، مع حماس فى قطاع غزة.

القصة هى أن إسرائيل تلقى بذنب العمليات الأخيرة على حماس، وبالأخص إلى يحيى السنوار، هو الآن المتهم فى عيون إسرائيل عن العمليات «الفردية»، وهو الذى يقود التصعيد الأمنى فى الضفة من بعيد.

المبرر الإسرائيلى هو التزامن بين تصريحات السنوار التشجيعية العلنية من غزة لمواصلة العمليات، وبين قتل الإسرائيليين فى إلعاد على أيدى فلسطينيين من الضفة، والنغمة الآن هى ضرورة التخلص من زعيم حماس أو بشكل أوضح «اغتياله»، على اعتبار أن هناك من يفسر «التخلص» من زعيم هو إزاحته عن السلطة والبقاء عليه حيًا.

السؤال الآن: كم مرة اغتالت إسرائيل؟ وكم مرة نجح الاغتيال فى وقف العمليات؟ وكم مرة كان الاغتيال فعالًا حقًا؟ وكم مرة كان سلف من تم اغتياله ضعيفًا؟

الاغتيالات فى إسرائيل، بعضها يكون سياسيًا «ليس أهدافها شخصيات سياسية»، ولكن التصفيات نفسها من أجل أهداف سياسية أخرى تتعلق بأداء الحكومات، وبتهدئة الجمهور، داخل القيادة هناك من يريد أن يقول للإسرائيليين الذين فقدوا الشعور بالأمان فى الشوارع نحن نفعل شيئًا من أجلكم.

من ناحية أخرى، العمليات المنفردة هذه ينقصها اللون والانتماء السياسى، لا توجد بنية تحتية محددة لضربها فى الضفة، ولهذا السبب يصعب على إسرائيل قمعه، منفذوها ليسوا بوضوح رجال حماس أو الجهاد الإسلامى، وهو وضع يفرض معضلة أمام إسرائيل، وهو عدم وجود متهم، عدم وجود قائد، عدم وجود خطة، وعدم وجود شخص تجب معاقبته، تصريح السنوار الذى يدفع إلى المزيد من العمليات، منح إسرائيل، المتهم والقائد والخطة، والأهم أنه منحهم شخصًا تمكن معاقبته.

السنوار ليس هو أسوأ أعداء إسرائيل، من قال إن من سيأتى بعده سيكون هادئًا؟، ربما يكون أقوى منه، هل تذكرون يحيى عياش؟، اغتياله لم يفد إسرائيل بأى شىء، بل تسبب بعمليات انتحارية قتل فيها ستون إسرائيليًا.

البحث عن هدف ورأس وشخص يمكن الانتقام منه، هو إهمال لجوانب رئيسية فى الأزمة، وتهرب من الأسباب الحقيقية للعمليات، التى عادة لا تكون مرتبطة بالزعيم، العنف ليس السنوار نفسه، وقتل السنوار لا يعنى الهدوء، العنف بسبب السياسات. 

وفرضية أن استهداف حماس واغتيال السنوار كمفتاح لتحقيق الهدوء الأمنى ليس مؤكدًا، وقد يتسبب فى المزيد من التدهور، وربما عملية عسكرية سيدفع ثمنها الجمهور الغزى والإسرائيليون أنفسهم.

التناقض الحالى هو أن إسرائيل وحماس لا تريدان مواجهة، ولكن الأزمة أن كل بذور المواجهة موجودة من الآن.