رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شريف العصفورى: المناخ العام محافظ وصدمت من إعلان بعض الجوائز الأدبية (حوار)

بورتريه للكاتب الروائي
بورتريه للكاتب الروائي شريف العصفوري

تنوعت أعمال الكاتب شريف العصفوري المولود ببورسعيد ما بين القصة والرواية، كان آخرهم روايته الغرائبية “عودة عوليس“، وأثارت الكثير من الجدل عن الزمن والأسطورة مستعيدا تاريخ ما مضي لمحاكمة الحاضر. 

درس العصفوري الهندسة والتكنولوجيا في بناء السفن من جامعة قناة السويس ثم ماجستير العمارة البحرية 1984من نفس الجامعة ثم حصوله على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة نيو كاسل بكاليفورنيا لو س أنجلوس، وقاد العديد من الفعاليات الثقافية خلال منتدى ثقافي يشرف عليه وناقش فيه الكثير من الأعمال الروائية والقصصية بجرأة مفضلاً ومنحازا للحرية والديمقراطية وحرية الإنسان والكاتب تحديدا في التعبير عن واقعه بكافة الأساليب والسرديات.

«الدستور» تلتقى الكاتب الجسور على مستوى كتاباته وحتى إسهاماته المعرفية الثقافية في مدوناته التى حصدت الكثير من المتابعين.

سألته بداية.

توظيف التاريخ والأسطورة والذاكرة والزمن في روايتك الأخيرة.. أيهما أقرب لتفسير الواقع من وجهة نظرك؟ 

إدراك الواقع يحتاج إلى وعي، وعي الكاتب إما متعدد الطبقات و عميق و مركب و إما سطحي وهوائي وبسيط، هناك كتابة تعتمد على “لقطة أو لمحة” تاريخية أو اسطورية أو من الذاكرة الجمعية أو الفردية، الأدب عموما متعدد المستويات، فهناك أدب للأطفال و آخر لليافعة وثالث للرواج التجاري، ويختلف الكُتاب من حيث رؤيتهم لدور الأدب، أهو لوصف العالم أم لمسايرته أم لتغييره، قراءتي للواقع تتراكب فيها أدوار التاريخ والأساطير المؤسسة للجماعة والعقيدة، وذاكرتنا الفردية أو الجمعية، إعمال العقل والتروي في كل تلك الروافد التي تشكل وعينا بالواقع، كتابتي هي لإحداث مراجعة بالمسلمات والمتروك، وأملاً في إحداث تغيير إلى الأفضل عبر مساءلة الواقع و كشفه و تعريته. 

  • الديمقراطية والحرية واستخدام العجائبي والغرائبي المتون الروائية.. كيف ترى تلك المساحات في روايتك عودة عوليس؟ 

اتخذ موقفا راشدا من الواقعية السحرية، و أحذر من استخدام الخيال الشعبي أو الذهنية الغرائبية في مجتمع تتخندق فيه الأمية عند 30% وانحط فيه التعليم، فصارت الحدود بين المعقول والعجائبي مائعة و ملتبسة.

 استعملت الخيال الأدبي لمهاجمة الواقع بأشكال متعددة، تكسر المنطق الطبيعي المعتاد وتبني منطقا سرديا مغايرا تتضح فيه "السببية"، كما أنني تحررت من الرومانسية الثورية فالغد ليس مضمونا في التحسن دون تغيير الحاضر الذي يقودنا إلى هنالك.

  • لماذا كان الالتقاء على عتبات الماضي وأحداثه لمحاكمة الآني والآتي؟

بادئ ذي بدء أنا لا أحاكم شخوص رواياتي و لا أدين مدائنهم ! لجأت للماضي لأجذر رؤية المشكلات، وهرعت إلى المستقبل لأشير إلى عبثية الحاضر.

الأدب يطرح الأسئلة وأنا أحاول تفجير كل الأسئلة.. رواياتي الثلاث تستعمل التاريخ المعاصر والمشكلات المعاصرة كبؤرة للبحث والاستقصاء. 

  • درست في كلية الهندسة بجامعة قناة السويس وإدارة الأعمال في جامعة كاليفورنيا.. كيف ترى تلك المسارات التي تخص آليات الحرية والديمقراطية في الأمس والغد والواقع الحالي؟

أتاحت لي الدراسة الجامعية عموما الوقت للقراءة و اختبار المفاهيم و المبادئ و التفاعل مع المحيط الإجتماعي/ السياسي بحرية أكبر عما إذا كنت قد انغمست في العمل من أجل لقمة العيش مباشرة بعد الدراسة الثانوية ، كما أنني أدركت مبكرًا أن الحرية ميزة نعيشها أفرادا و جماعات متحررين من أسر النظم الإجتماعية المقيدة، كما أن الديمقراطية هي عملية تطورية و ليست عملا سحريا نتجاوز به فورا كل مشاكلنا ، فمثلا كان الإقطاعيون من النبلاء و المماليك يمتلكون الأرض بمن عليها ، الثورات الكبرى في القرن 18 و 19 ، أنتجت المجتمع الحر و حقوق الفرد في العمل و السفر و الهجرة !! أما الديمقراطية الآثينية مثلا فلم تعطى حق التصويت للنساء أو العبيد أو من لا يملك عقارا !! كان مجتمع الذكور الأثرياء أصحاب الحق في التصويت لا يزيد عن 10% من مجموع عشرين ألف هم سكان آثينا !! في بداية القرن 19 كانت المجتمعات الديمقراطية تبيح تملك العبيد ، في بداية القرن العشرين لم يكن هناك ديمقراطية تتيح للنساء أن تصوت أو تترشح للمناصب العامة أو النيابة البرلمانية !! الحرية و الديمقراطية قبل أن تكون قيما للهداية للطريق هي ادوات لتمكين الأفراد و إعمال العدل الإجتماعي و زيادة قدرة المجتمع على النمو و التقدم و إسعاد البشرية . 

  • من خلال أعمالك الروائية ما بين القصة و الرواية.. كيف ترى المشهد والخارطة الروائية والقصصية في الواقع المصري والعربي والعالمي؟ 

من زاوية ضيقة الإبداع المصري يشكل 60-65% من الإصدارات العربية برغم أننا نشكل 35% من المتحدثين بالعربية لكن ذلك لا يجب أن يدفعنا للاحتفال، إجمالي العناوين المصدرة بالعربية سنويا في حدود 20 ألف عنوان (يشمل الأدب والترجمة والأكاديميا والإهتمامات العامة) بحسب إحصائيات اليونسكو، نحن 350 مليون متحدث للعربية، بينما تصدر ألمانيا لوحدها 85 ألف عنوان سنويا وسكانها 82 مليون لدينا مشكلة جذرية في العزوف عن القراءة وربما عزوفا عن المعرفة، ومشكلة أخرى في ضيق السوق وعدم الجدوى الإقتصادية للكُتاب، وبصفة عامة نحن ككتاب بالعربية في وادي بعيد وضيق عن الكتابة الأدبية في العالم وموجاتها نلبس شارلستون بعدما بطل. 

  • كيف ترى دور النقد أو الدراسات النقدية فيما يخص الطاقة الروائية التي صدرت في العشرين سنة الأخيرة؟

وسائط التواصل الإجتماعي أطلقت طاقة هائلة لمحاولات الإبداع الأدبي و الروائي ، كما أن الأحداث السياسية و خصوصا ثورات الربيع العربي أعطت زخما لإعادة زيارة مسلماتنا و حتى لرؤيتنا لذواتنا ، هناك تجارب هائلة للكتابة في العالم المتحدث بالعربية خصوصا تلك الدول التي أنتجت أول أجيال المثقفين و المتعلمين بعد الثروة النفطية ، و نتيجة للتصادم مع القوالب الجامدة للرؤى الأدبية ، النقد و الأكاديميا لا يستطيعان الإمساك بالطوفان الأدبي (المصطلح الأفضل: ربما الطوفان الكتابي أو تحسس طريق الإبداع). أتمنى أن يستمر ذلك الزخم وتلك المحاولات، بالنهاية ستتحرر الطاقة الإبداعية من كل السدود و العوائق و تفرض نفسها كواقع جديد.

  • عن اقترابك الدائم المكتوب والمرئي والمسموع عن الثالوث المقدس (التابو)، كيف ترى تلك البنى أو المحظورات في تعاملها مع النص الأدبي؟ 

في الحقيقة المجال العام صار أكثر محافظة وربما تشددا في بلاد مثل مصر والعراق وحتى لبنان، المحافظة السياسية والدينية و المجتمعية  نظرا للمحددات المذكورة السابقة عن سوق النشر والكتابة، صارت المعارض العربية بالعصا و الجزرة تحدد نوع العنواين والمتون التي يفسح لها للدخول ومن تلك تأتي 60-70% من إيرادات النشر، والرقابة الذاتية صارت أبشع وخصوصا عندما ترتبط "المحافظة" بسماكة الجيب.

 أنا محظوظ لتعاملي مع دار نشر محترمة وتراهن على كتابتي مثل مركز المحروسة، هناك دور نشر ترفض أعمالي بمجرد ذكر إسمي انفجرت أعداد الناشرين و لكن طفى إلى القمة "المحافظ و السطحي" بقوانين السوق . علينا أن نتذكر أن نجيب محفوظ لم يكن يوما "نجم شباك" ولا "بست سيللز"، الكتابة الأدبية الخالدة تأتي بمكنوناتها الثرية مهما صدمت أو جرحت. 

  • على أي العتبات أو الرؤى الثقافية أو المعرفية التي تتكئ عليها لجان التحكيم في الجوائز الإبداعية؟

صدمت من إعلان بعض الجوائز، جوائز كبرى لأعمال عادية.. كما ذكرت من قبل المناخ العام محافظ سياسيا ودينيا وإجتماعيا، وهناك أهرام عديدة تقف على رأسها، وأصنام تيبست على قمم المؤسسات، وكل ما ذكرت وارد و شغال في أوساط النخب الثقافية المنوط بها إدارة مشهد الجوائز والثقافة و “الإنجازات”.

الفساد الإداري طال جائزة نوبل الأدبية.. لماذا لا يطولنا ونحن غارقون لأذننا فيما غرقت فيه نوبل من التحرش الجنسي والرشاوى الجنسية والمجاملات الاجتماعية والاستبعاد السياسي والصوابية الأخلاقية والفساد الإداري والجمود الفكري بعد عدة إحباطات قررت أنني أكتب لأنني أسعى للحرية تماما.. وأكتب بلا سقوف ولا حوائط.. إن جاءت جئتُ وإن لم تجئ فمرحة.