رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«صباح 19 أغسطس».. رواية ترصد انهيار قلعة اليسار وصعود التطرف

«صباح 19 أغسطس»
«صباح 19 أغسطس»

«من الجميل أن يكون لك وطنان، إذا انهار أحدهما ينقذك الآخر».. هكذا بدأت الكاتبة ضحى عاصى روايتها «صباح ١٩ أغسطس»، التى تدور أحداثها حول فترة تفكك الاتحاد السوفيتى فى أوائل تسعينيات القرن الماضى، ودخول الروس فى نفق مظلم، متنقلة بين الأوضاع فى روسيا ومصر، وتداعياته على شعوب أفغانستان والشيشان وأذربيجان، وصعود جماعات الإرهاب والعنف.

وتنتمى «صباح ١٩ أغسطس» إلى الروايات السياسية التاريخية، وتقع فى ٢٣٩ صفحة، واستغرقت كتابتها نحو ٣ سنوات، وتروى قصة بطلتها «كاملة»، وهى نصف مصرية ونصف روسية، تعيش بقرية بنى حسن، وتحول زوجها «رسلان»، الذى أحبته، إلى أحد أكبر قادة التنظيمات الإرهابية بعد سفره إلى أفغانستان، وأصبح بنهاية الرواية مطلوبًا من الجميع، وتنتهى القصة بخبر مقتله.

كما تتناول الرواية حياة الابن «صادق»، الذى صنع عالمه الخاص بعيدًا عن عالم والديه.

وتبدأ الأحداث بحياة «كاملة» بعد نجاح السوفيت فى هزيمة النازية، وما مرت به البلاد من أزمات وقتها بسبب الاضطهاد والفقر والجوع، حتى إنها لم تجد مخرجًا من الأزمات إلا التجارة فى المصاحف والسبح من خلال تاجر أزوبكى، راصدة تجربتها فى مصر، وتطور أعمالها لدخول عالم السياحة، ثم لعب دور الوسيط مع المافيا الحمراء الروسية، والحصول على العمولات وبناء إمبراطوريتها الخاصة.

ومع تطور الأحداث، تتبدل أوضاع البطلة بعد تحطم أسطورتها «غول شرم الشيخ» مع بداية أحداث ٢٠١١ وتدهور أوضاع السياحة فى مصر، وتعرضها لأزمة نفسية بعد ظهور حبيبها «رسلان»، الذى حاول خنقها، مما جعلها تترك عالم الأعمال وتقرر أن تبتعد عن الأضواء والشهرة، وتعمل فى مجال السفر، وتقضى أوقاتها بين مصر وموسكو.

وتسرد الرواية الأحداث فى مصر وروسيا بصورة متوازية، راصدة تداعيات انهيار الاتحاد السوفيتى وسيطرة جماعة الإخوان الإرهابية على الحكم فى مصر، وتربط بين العالمين عبر بطلة الرواية «كاملة» التى تحمل جنسية البلدين.

وعمدت الكاتبة خلال سطور الرواية إلى رصد طبيعة المجتمع الروسى، وتناولت فترة حظر موسيقى الروك الأمريكية، التى منعتها السلطات الروسية، لذا كان البعض يذهب إلى سماعها خلسة فى بعض الأماكن الخاصة تحت الأرض.

كما أظهرت ثقافة الروس فى الأعياد والاحتفالات والأطعمة والمشروبات التى يتناولونها، مثل حساء البورش والفودكا والسلطات، وكذلك نزهاتهم فى الساحة الخضراء، وأسماء المطاعم والجامعات الشهيرة، وأثر فترة تفكك الاتحاد السوفيتى على الجمال الروسى.

بالتوازى، تتناول الرواية أحداث يناير ٢٠١١، التى تبدأ من تجمع الشباب فى ميدان التحرير، إضافة إلى موقعة الجمل وما حدث بها، مرورًا بسيطرة الإخوان على الثورة واختطافها وتوليهم زمام الحكم فى مصر، والأزمات التى حدثت فى عهدهم، وما مرت به البلاد وقتها من عدم استقرار وترويع للآمنين ونقص فى الأدوية والأطعمة، والعمليات الإرهابية التى نفذتها عناصر الجماعة بعد إسقاطها، وبداية عهد جديد فى مصر.

وتتطرق الرواية، سواء فى روسيا أو مصر، إلى فكرة ظهور الجماعات الإرهابية فى أفغانستان والشيشان وأذربيجان، وصعود الإسلام السياسى وجماعات العنف باسم الجهاد والدعوة من أجل الدين، وتأويل النصوص لاستباحة دماء المخالفين، عبر تتبع تنظيمات المجاهدين العرب، التى انضم إليها كثير من الشباب من مصر وسوريا وتركيا، عبر شبكة عنكبوتية يديرها «رسلان» وآخرون.

وتعمد الكاتبة، خلال سطور الرواية، إلى سرد عبارات جدلية تدل على ثقافة بعض الشخصيات ووجهات نظرهم تجاه الأحداث، منها ما ترويه على لسان الروسى «ماشا»، وقوله: «لا تصدقوا الغرب.. نعم كانت هناك مجاعة ولكنها ليست مفتعلة، بل كان ستالين، الرئيس الروسى آنذاك، يهدف إلى تحقيق ثورة صناعية، ورفض الغرب بيع الماكينات مقابل الذهب وأصر على أن يكون الدفع مقابل القمح، ولم يشأ ستالين أن يتخلى عن خطته فى التطوير».

ومن بين العبارات الجدلية أيضًا ما جاء على لسان الروسى «أندريه»: «المسيحيون يذهبون للقس.. المسلمون يذهبون للشيخ.. أما أبناء الشيوعية فيذهبون إلى العامل منظف المداخن». 

وكذلك، ما ترويه على لسان البطلة «كاملة» نفسها، بقولها: «هذا الشعب المستقر بجانب النيل منذ آلاف السنين، منحته الطبيعة الاستقرار، لكن الطبيعة التى منحت المصريين الاستقرار هى نفسها حرمتهم من التطور والنمو، لأن النمو لا يأتى إلا بالتغيير، أما الثبات فهو الموت البطىء والتخلف عن ركب الحضارة».

واختتمت أحداث «صباح ١٩ أغسطس» عند مشهد موت «رسلان»، الذى حمل لقب «أبوحمزة الشيشانى»، وما يشير إليه ذلك من نمو التنظيمات الإرهابية، وتطورها من «القاعدة» و«طالبان» إلى «داعش»، وتغلغل نفوذها فى العالمين العربى والإسلامى، مع التأكيد على الطبيعة المستقرة التى تتمتع بها مصر، وما تحظى به من أمن واستقرار انعكس على شخصية «كاملة» نفسها، والتى فضلت العيش فى هدوء، والبدء من جديد لاستعادة قواها الاقتصادية.