رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لعنة الصوابية السياسية: كاريكاتير حجازي يثير جدلًا بعد 60 عامًا لـ«اعتراضات نسوية ودينية»

حجازي
حجازي

"رجل، بشارب كاريكاتيري معقوف، تبرهن قسمات وجهه، أنه بدين، يبدو بأذنين كبيرتين، يمعن في تخيل النساء على شواطئ الإسكندرية" اختار الرسام أحمد إبراهيم حجازي الشهير بـ "حجازي" هذه المشهدية ليعبر عن لحظة خاطفة في مخيلة رجل عام 1961، وهو تاريخ نشر الكاريكاتير في مجلة "صباح الخير". 

عُرف عن الرسام الشهير أنه لا يحتفظ برسوماته إطلاقًا، يكتفي بأن يكثف الزمن في رسمة كاريكاتيرية، لم يرغب في أن يخلد مشهدية معينة أو موقف أو فكرة، بل عندما اكتشف أنه انهى "الحبة بتوعه"- على حد تعبيره- اعتزل، وقرر أن يرسم للأطفال، لأنهم المستقبل. 

لم يهتم بالاحتفاظ برسوماته، وترك شقته التي كان يسكنها في القاهرة، استغنى عنها لمالكها بلا "مليم"، وقرر العودة لطنطا بعد 50 سنة.

انشغل "حجازي" بما يفكر فيه الناس في الوقت الذي كان فيه بعض رسامي الكاريكاتير كيف يرسمون؟ انصبوا على الأسلوب. وهو ما يظهر على رسمة "حجازي"، الرجل "يتخيل"، "يفكر" كيف تبدو النساء في الصيف على شواطئ الإسكندرية؟. 

لم يهتم "حجازي" بأثر رسوماته مستقبلًا إلا بعدما اعتزل ورسم للأطفال، لكنه ربما لم يعتقد أبدًا، أو يتخيل، أن هذه الرسمة التي تكثف لحظة قد تستغرق من حياة الرجل أقل من دقيقة، أن تثير جدلًا لافتًا على منصات مواقع التواصل الاجتماعي إثر نشرها من الناقد والشاعر شعبان يوسف الذي يداوم على نشر نوادر من الأرشيف الفني والثقافي. 

نشر "يوسف" كاريكاتير "حجازي"، لينسحب أثر اللحظة التي كان يعتقد "حجازي" أنها مرت بنشر الرسمة لأكثر من ستين عامًا. 

علق الكاتب الصحفي، محمود الشربيني عبر صفحته الخاصة بموقع "فيس بوك"، ولفت، إلى أن روز اليوسف أنشأت مجلة "صباح الخير" التي انطلقت منها الضحكات الساخرة من الرسامين، صلاح جاهين وصاروخان و "عبد السميع" و "زهدي"، وبعد أجيال "حجازي" و "عياد" و "رمسيس".

وأكد "الشربيني" على أن "حجازي" كان من الرسامين اللامعين في المجلة رغم الزخم الكبير بوجود فنانين كبار، قال: "حجازي كان كعبة محبة وتقدير يحج إليها رفاقه بالمجلة، رؤوف عياد، ورمسيس وحمزة الهواري والرفاعي ورأفت عدلي وجميل شفيق وجمعة وفي مناسبات معينة كالانتخابات كان لابد أن تظهر بركات حجازي بأغلفة الحاجة نزيهة".

رسم "حجازي" المواطن الستيني الذي يتخيل النساء على شواطئ البحر، لا تكشف الورقة الأرشيفية التي نشرها الناقد والشاعر شعبان يوسف عما يمكن أن نعرف من خلاله: هل هذه هي الصورة الذهنية التي يراها حجازي للنساء على شاطئ البحر؟

الكاتبة والرسامة، رانيا حسين أمين، عبرت عبر صفحتها الخاصة بموقع "فيس بوك" عن رفضها للرسومات الكاريكاتيرية لـ "الزمن الجميل" لأنها مهدت الطريق للتحرش والنظرة الدونية للمرأة، قالت: "معظم الكاريكاتير كان بيقى فيه ست من الأشكال دي وكلام عنها كجسد بس بشكل غير مقبول".

وتساءلت باستنكار: "يعني إيه نظرتنا للشاطئ إنه عبارة عن بنات لابسة مايوه؟ حتى لو الموضوع مجرد نكتة وتهريج، لو عايزين نهرج على اللي بيحصل على الشاطئ والمصايف فيه ملون حاجة نرسمها كاريكاتير، ليه obsession ده بجسم المرأة؟". 

تفاعل عمرو حسني وعلق على ما كتبته رانيا حسين أمين :"أظن أن حجازي يرمي إلى كشف عقلية الرجال الذين يختزلون المصيف في مشاهدة أجساد النساء، ولا يعبر عن رأيه الشخصي"، فردت: "احتمال، ممكن فعلا".

تدخل الكاتب الصحفي سيد محمود موضحًا أن أسلوب "حجازي" كان رسم الجسد المصري العادي لمشكلات تكوين الأرداف وغيرها، وأكد أن هذه الأعمال كلها "تقدمية" في دفاعها عن المرأة بالإضافة إلى أنها تدين التصرفات الذكورية. 

الكاتب الروائي أشرف الصباغ، استنكر عبر صفحته الخاصة بموقع "فيس بوك" ما يراه الفريقين "النسويات" و "السلفيين": قال: "بتوع النسوية بيقولوا نفس كلام السلفيين بس بطريقة تانية، وبتوع السلفية بيقولوا نفس كلام بتوع الكنبة والعيب والأخلاق بس بطريقة تانية، وجميعهم أفسدوا كل شيء، وأفسدوا أي تجربة ودمروا أي مفاهيم لطيفة وإنسانية".

وتابع مستنكرًا: "فيها إيه إن الواحد يربط ما بين البلاج وجسد المرأة، هو ده مش عنصر من عناصر فضاء البلاج، وأصلا عنصر من عناصر الجمال الكوني، وأصلا اللي هيتمعن في اللوحة، ممكن يخرج بأفكار مفاهيم تانية خالص عن الناس اللي مركزين في أجساد الستات، ومنهم الراجل في اللوحة نفسها". 

أما الناقد والشاعر، شعبان يوسف، شرح لـ "الدستور"، ما أثير من اعتراضات، دينية أو أخلاقية حول ما ينشر من رسومات كاريكاتيرية لـ "حجازي"، أنها تتعلق بالعقلية التي خيمت على الناس بداية من دخول الأفكار الوهابية وأضاف: “علق أحد الأشخاص وقال إن الرسومات من هذا النوع كانت سببا في نكسة 67"، وأكد على أن التعليقات لم تكن جميعها من هذا المنطلق، بل كان بعضها إيجابي، مشيرًا إلى أنها لم تثر جدلًا أو تتلقَ أي اعتراضات تزامنا مع نشرها للمرة الأولى.

الفنان أحمد اللباد في تعليق على ما طرحه "الصباغ" عبر صفحته، أشار إلى استمراية تأثير رسومات "حجازي" إلى وقتنا الحالي أي بعد مرور 60 عاما، ورجح أن يكون قصده من رسوماته، أن ينكل بشكل عام كل هو ما ديني أو نسوي أو رجعي أو تقدمي، تابع: "بلا أرزاق، بكل مزاج ومعننة، أن شغله يكن لسه بيعمل دا وبيأثر بالقوة دي بعد 60 سنة، فاتصور أنه دلوقت مبسوط آخر انبساط، وبيضحك ضحكته الرايقة الهادية".

وأوضحت الفنانة التشكيلة، إيفلين عشم الله، في تعليقها أن "حجازي" ابن عصره وزمنه، فهو يعبر عن الصيف والمايوه والمرأة، ورجحت أن يكون لديه وجهة نظر نقدية أخرى، وتابعت: "المهم أن الكاريكاتير حلو ودمه شربات وعاوزه أقول للناس الجداد إننا كنا بنطلع من البحر نروح على الأدشاش وبعدين نروح مشوار صغير نشتري ساندوتشات واحنا بالمايوه، وبعدين نفوت نشتري آيس كريم، هو كده بالظبط اسكندرية كلها كانت كده في الصيف". 

الإعلامي أحمد سالم نشر كاريكاتير "حجازي" عبر صفحته الخاصة بموقع "فيس بوك"، واكتفى بطرح تساؤل: "يا ترى لو نفس الكاريكاتير ده اترسم دلوقتي، تفتكروا هايختلف في إيه؟". 

الكاتبة الصحفية، سحر الجعارة، سردت ردًا على تساؤل "سالم"، أنها لا تزال تتذكر وقتما كانت تدرس في جامعة الإسكندرية، كانت تستقل الترام للمنشية لشراء الكتب والمشي في شارع النبي دانيال وتناول الآيس كريم، قالت: "لا كان فيه تحرش ولا تلصص، دي مصر الجميلة، قبل ما تبقى الحرية عار وجريمة، دي أيام ما كانت الرجولة يعني الشهامة والجدعنة ونحمي زميلتنا وبنت حتتنا والشاب اللي واقف على القمة بيحمي أعراض البنات لا تنمر ولا ابتزاز إلكتروني، وجعت قلبي يا أحمد".

 

واصل الناقد شعبان يوسف نشر رسومات حجازي عبر صفحته بموقع "فيس بوك"، وأطل الرجل الكاريكاتيري البدين لـ "حجازي" من جديد، وهو يدخل على ابنته التي تقلب كتبا بعناوين "كيف تعاملين رجل"، "روميو وجوليت"، "في الحب والزواج"، لكنها ترد :"أنا استلمت الكتب يا بابا". 

نشر "يوسف" الرسمة معلقًا :"حجازي يعود من جديد، صباح الخير، أكتوبر 1959".