رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أراجوز عملاق يخاطب ضمير الشعب

أحمد حلاوة
أحمد حلاوة

فى ديسمبر الماضى دُعيت للمشاركة بورقة عمل عن مسرح العرائس فى مهرجان قرطاج ٢٠٢٢، وكان عنوان بحثى «مستقبل فنون العرائس- أحمد حلاوة نموذجًا»؛ نظرًا لإسهاماته الفريدة والكبيرة فى مجال مزج الممثل مع العروسة على خشبة المسرح، فقد كان «حلاوة» من رواد توظيف الدُمى فى تشكيلات جديدة، والمزج بينها وبين التمثيل البشرى إيمانًا منه بأن مسرح العرائس، باعتماده على الفنون التشكيلية فى التعبير، له دور كبير فى رفع الذوق الفنى، هذا مع المتعة والبهجة، حيث يتجسد فى العروسة كل مقومات الفن، من الخط واللون والبعد الثالث والخامات العديدة والمتنوعة دون قيود. 

أحمد حلاوة فنان متعدد المواهب، جمع بين الهندسة والتدريس فى قاعات البحث والتمثيل بكل أنواعه، كان عالمه المسرحى عالمًا فريدًا، فقدم فى مسرحياته مثل «عم نجيب»، و«بتلومونى ليه» نقدًا كاريكاتوريًا لأفكار وسياقات اجتماعية وسياسية على طريقة الأراجوز، وكأنه أراجوز عملاق ينقد الواقع ويقدم قراءة موحية للجمهور، مستخدمًا طريقة الأداء الغرائبية التى تمزج بين البشر والدم، فى أداء جديد موحٍ، حيث الممثل الواحد يؤدى عدة أدوار على خشبة المسرح، ويمزج الواقع بالخيال. 

وملمح من ملامح «أرجزة الأداء» نجده فى مسرح أحمد حلاوة، المعتمد على مزج التمثيل بالعرائس، ففى «عم نجيب» البطل هو الوحيد الذى يرى العالم المحيط به، وما دون ذلك لا يراه، وهو الوحيد الذى يرى الواقع الغريب المشوه ويرفضه، وهو الوحيد الذى ينتقد الواقع الرمادى ويرفض أن يعيش ٥٠٪ وأن يموت ٥٠٪ وأن يحب ٥٠٪، فى النهاية يعلن رفضه هذا عبر صرخة مباشرة للجمهور، وكأنه يدعوهم لإعادة النظر فى سلوكياتهم تجاه واقعهم، وأرى هنا أن «حلاوة» قد تأثر بفن الأراجوز جدًا فى مشروعه الإخراجى، بل كاد أن يؤثر فيه، كممثل وكفنان للدُمى، بأن يتحول إلى أراجوز عملاق يخاطب ضمير شعب بغرض إيقاظه.. وقدم حلاوة فى مسرحه ما يلائم هذا الأراجوز العملاق من موضوعات تمس هموم المتفرج والأحداث الجارية، ومن تقنيات مثل الارتجال الحى المباشر، كما خلق مفهومًا جديدًا لـ«الملاغى»، وهو المصاحب للأراجوز أو الوسيط بين الحكاية والأراجوز، حيث جعل الجمهور هو من يقوم معه بهذا الدور، فعل «حلاوة» ذلك بعد دراسة متأنية وانتقاء محترف لمفردات قديمة أعاد تقديمها وفقًا لمفاهيم حديثة.

رحم الله «حلاوة» الذى أيقظ فينا روحًا خلّاقة تعيد تشكيل الموروث بشكل جديد.. رحم الله «حلاوة» الذى حاول بجدية أن يكون ضميرًا حيًا لجمهوره الذى يحترمه، فكان يوجّه المرآة فى عين جمهوره ليرى نفسه وواقعه المشوه دون رتوش.